مقالات

كيف نتعامل مع العلماء؟

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

من لا يمتلك العلم والتخصُّص، كيف يتعامل مع العالم المتخصِّص؟

هل يسأله ليتفقه في الدين؟

أم يحاوره ويناظره وينتقده؟

من الواضح أن الخيار الأول هو الصحيح..

بعض غير المتخصصين يتحسس من هذا الكلام فيقول: هذا إقصاء للعقل..!

نقول له: العقل هو الذي يقول: فاقد الشيء لا يعطيه، فالذي لا علم عنده ولا تخصص؛ بأي شيء يحاور؟ وبأي معلومة يناظر؟ وبأي حق يعترض؟

يغير هذا البعض أسلوبه فيقول: هذا إقصاء للرأي الآخر..!

نقول له: الرأي الذي لا ينطلق من علم ودراية وتخصص، حقه أن يقصى ومن حق العقلاء أن يرفضوه.

وإنما يحترم الإنسان العاقل الرأي الذي يبتني على التجربة العلمية والمهارة التخصصية.

يقول هذا البعض:
كيف ننتقد علماء الوهابية وغيرهم مع أنهم مختصون، ولا ننتقد علماء الشيعة؟!

نجيبه:
الذي علمك نقد علماء الوهابية هم علماء الشيعة، وإلا لما كان السني أو الشيعي قادرا على مناقشة العالم السني.. فالمتخصص لا يرد عليه إلا المتخصص، وغير المتخصص يتابع ويقارن، والله يهدي المتقي فيرتاح إلى كلام المتخصص الذي هو على حق، ويخذل الفاسق فيرتاح لكلام المتخصص الذي هو على باطل..

وإلا فكثير من كلام عوام السنة في نقد علماء الشيعة هو جهل وتخبط، وكذلك كثير من كلام عوام الشيعة في نقد علماء السنة هو كلام هزيل ضعيف..

والذي لا علم لديه، يصعب عليه التمييز، إلا في المسائل السهلة التي تتسم بنوع من الوضوح بتوفيق الله تعالى..

وأما في مجال نقد الحديث أو تفسير القرآن أو استنباط الأحكام الشرعية، فهذا لا يقدر عليه طلاب العلم فضلا عن غيرهم من العوام، بل هي مزية يمتن الله بها على العلماء بعد ممارسة طويلة للعلم وصبر كبير في تحصيل الأدوات المعرفية.

غالبا لا يكون سبب معرفة غير المختص نابعا من دراسة دليل علمي معقد، بل يوفقه الله إلى معرفة الحقيقة من خلال انكشاف مسألة سهلة في نظر الجميع..

فمثلا: يكتشف أن النصوص الدينية المتفق عليها بين الفريقين تدعو إلى الإيتمام بأهل البيت عليهم السلام، وهذا بفضل جهود علماء الشيعة في تثقيف الناس ونشر الكتب، ثم يكتشف أن علماء أهل السنة عملوا على إخفاء هذه النصوص وعدم بثها بين الناس، بل دعوا إلى إمامة خصوم أهل البيت، بل وقفوا موقفا معاديا من أتباع أهل البيت.. فيكتشف العامي الحقيقة لأن ثقته بعلماء أهل السنة تتزلزل، ويبدأ في الوثوق بعلماء الشيعة.. فيميل شيئا فشيئا باتجاه التشيع..

فالسبب في الاستبصار بالنسبة لغير المختص هو أنه استعان بعلماء الشيعة وقرأ ما كتبوه واستمع إلى ما قالوه..

البعض يتصور أنه حين قرأ كتابا أو كتابين أو عشرة، أنه تحول إلى عالم متخصص، وهذا تصور غير صحيح، بل ربما يتصور نفسه متفوقا في العلم على بعض المتخصصين فيقول له: سوف أهديك بعض المصادر..!!!

إنها مهزلة أن يمنح الإنسان نفسه شهادة بالفهم والعلم والدراية بسبب أنه قرأ عشرة كتب أو بسبب أنه تابع مجموعة من محاضرات بعض المتخصصين.. وهو لا يمتلك حتى القدرة على اكتشاف أخطاء ذلك المتخصص..

كم من طبيب لم يشخص المرض بصورة صحيحة فأوصى بدواء غير صحيح، وبقي المريض في عماه لا يدري بشيء.. وكم من طبيب نجح في إقناع مريضه بأن بقية الأطباء لا يفهمون..!!!

يقول البعض:
وهل العلماء معصومون حتى تمنعونا من نقدهم؟!

نجيبه:
سبب المنع ليس هو وجود العصمة فيهم وعدمها فيك، فهم ليسوا معصومين، كما إنَّ طبيبك الذي أنت معجب به ليس معصوماً أيضاً..
بل السبب هو أنهم علماء متخصصون، وأنت لا علم عندك ولا تخصص، ومن المحرمات في الشريعة الإسلامية: القول بغير علم والتحدث من غير حجة.

واللّٰه وليُّ التوفيق.

✍🏻زكريَّا بركات
٣ أكتوبر ٢٠١٣

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى