مقالات

الأدواتُ العلميَّة التي يلزم امتلاكُها للتعامُل مع النَّصِّ الدِّينيِّ…

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات

في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، مر الفقه بمراحل من النمو والنضج، بمعنى أن الفقهاء في هذه المدرسة المباركة، وعبر قرون من التجربة المتنامية في التعامل مع النصوص الدينية قرآناً وسنةً، تكونت لديهم تجربة علمية، يمكننا أن نعبر عنها بالقواعد العلمية، أو الأدوات المعرفية، أو الأصول المنهجية، أو ما شئت فعبر..

فهذه التجارب البحثية المتراكمة التي تتكامل يوماً فيوماً، وينضج من خلالها العلم، هي التي تمثل محور النشاط العلمي والبحثي في الدراسات الحوزوية.

وتتمخض تلك التجربة النفيسة والعريقة في قوالب علوم معينة، يتولى كل علم منها مجموعة من المسائل، فهناك مسائل يتناولها علم الأصول، وهناك مسائل ينتاولها علم القواعد الفقهية، وهناك مسائل تُدرس في أصول علم الرجال.. وغير ذلك من المسائل والعلوم..

ومن هنا يكون لزاماً على من يريد أن يتعامل مع النصوص الدينية أن يلتحق بالحوزة العلمية ليدرس تلك المسائل الضرورية التي تؤهله لاستنباط حكم الله من النصوص الدينية.. وهو ما يتطلب سنوات من الجد والاجتهاد لتحصيل القدرة على ممارسة هذه المسؤولية الشريفة.

ونظراً إلى أن طبيعة الحياة وظروف المعيشة لا تسمح لمعظم العباد بمزاولة هذه العلوم الدقيقة والعميقة بُغيةَ الوصول إلى القدرة على الاستنباط، فإنه يتوجب على معظم العباد أن يرجعوا في فهم النصوص الدينية إلى أهل الاستنباط، وهم المعبر عنهم بالفقهاء أو المجتهدين أو مراجع التقليد.

ومن هنا نفهم السر في عدم جواز الاستنباط من النصوص بالنسبة لمن لم يخض التجربة العلمية ولم يلتحق بالحوزة العلمية ولم يسر في الطريق الشاق الموصل إلى الاجتهاد؛ فإن من يستنبط الحكم من غير أن يمتلك تلك الأدوات المعرفية، فهو يفتي بغير علم، وإن تصوّر (لعدم علمه) أن ما يخطر بباله من مدلول للنص الديني هو حكم الله.. إلا أن ما يخطر ببال غير المتخصص من أفكار ومعان، هي خواطر وتصورات فاقدة للقيمة العلمية وللحجية، أي إنه لا يحل له الاعتماد عليها؛ لأنه بذلك يتهور بغير بينة، ويقتحم ميدان العلم بغير علم..

وبهذا يتبين المنشأ الذي انبثقت منه فكرة القواعد والعلوم التي لا بد من الحصول عليها للتعامل مع النصوص الدينية، كما يتبين منه الوجه في عدم جواز استنباط غير الفقيه للحكم من النص الديني، وكذا الوجه في لزوم التقليد.

والحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى