نور العترة

لولا علي لهلك عمر…

قال: سمعت غلاماً بالمدينة، و هو يقول: يا أحكم الحاكمين، أُحكم بيني و بين أُمِّي!

فقال له عمر بن الخطاب: يا غلام، لمَ تَدْعُو على أُمِّك؟!
فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّها حملتني في بطنها تسعاً، و أرضعتني حولين كاملين، فلمَّا ترعرعتُ و عرفت الخير مِن الشَّرِّ و يميني مِن شِمالي طردتني، و انتفت مِنِّي، و زعمت أنَّها لا تعرفني.
فقال عمر: أين تكون الوالدة؟
قال: في سقيفة بني فلان.
فقال عمر: عليَّ بأُمِّ الغُلام. فأتوا بها مع أربعة أخوة لها، و أربعين قَسَّامة يشهدون لها أنَّها لا تعرف الصبي، و أنَّ هذا الغُلام مدَّعٍ ظالم، يُريد أنْ يفضحها في عشيرتها، و أنَّ هذه جارية مِن قريش لم تتزوَّج قطُّ؛ لأنَّها بخِتام ربِّها.
فقال عمر: يا غُلام، ما تقول؟
فقال: يا أمير المؤمنين، هذه ـ و الله ـ أُمِّي! حملتني في بطنها تسعاً، و أرضعتني حولين كاملين، فلمَّا ترعرعت و عرفتُ الخير و الشَّرَّ، و يميني مِن شمالي طردتني، و انتفت مِنِّي، و زعمتْ أنَّها لا تعرفني !
فقال عمر: يا هذه، ما يقول الغُلام؟
فقالت: يا أمير المؤمنين، و الذي احتجب بالنور، فلا عين تراه، و حَقِّ محمد و ما ولد، ما أعرفه و لا أدري مِن أيِّ الناس هو ! وإنَّه غلام يُريد أنْ يفضحني في عشيرتي، و أنا جارية مِن قريش، و لم أتزوَّج قطُّ، و إني بخاتم ربِّي.
فقال عمر: ألكِ شهودٌ؟
فقالت: نعم هؤلاء، فتقدَّم الأربعون قَسامة، و شهدوا عند عمر أنَّ الغُلام مُدَّعٍ، يُريد أنْ يفضحها في عشيرتها، و أنْ هذه جارية مِن قريش لم تتزوَّج قَطُّ، و أنَّها بخاتم رَبِّه.
فقال عمر: خذوا بيد الغُلام و انطلقوا به إلى السِّجن، حتَّى نسأل عن الشهود، فإنْ عَدْلت شهادتهم جَلدته حُدَّ المُفتري. فأخذوا بيد الغُلام، و انطلقوا به إلى السِّجن، فتلقَّاهم أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) في بعض الطُّرق، فنادى الغُلام: يا ابن عَمِّ رسول الله، إنِّي غُلام مظلوم، و أعاد عليه الكلام الذي تكلَّم به عند عمر، ثمَّ قال: و هذا عمر قد أمر بي إلى السِّجن.
فقال عليٌّ (عليه السلام): ردُّوه إلى عمر
فلمَّا ردُّوه قال لهم عمر: أمرت به إلى السِّجن فرددتموه إليَّ!
فقالوا: يا أمير المؤمنين، أمرنا عليُّ بن أبي طالب أنْ نرُدَّه إليك، و سمعناك تقول: لا تعصوا لعليٍّ أمراً.
فبينا هم كذلك، إذ أقبل عليٌّ (عليه السلام)، فقال: عليَّ، بأمِّ الغُلام، فأتوا بها.
فقال عليٌّ (عليه السلام): يا غُلام، ما تقول؟
فأعاد الكلام على عليٍّ (عليه السلام).
فقال علي لعمر: أتأذن لي أنْ أقضي بينهم؟.
فقال عمر: سبحان الله، و كيف لا، و قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: أعدلكم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).
ثمَّ قال للمرأة: يا هذه المرأة، ألك شهود؟
قالت: نعم، فتقدَّم الأربعون قَسَّامة، فشهدوا بالشهادة الأُولى.
فقال عليٌّ (عليه السلام): لأقضينَّ اليوم بينكم بقضيَّة، هي مرضاة الرَّبِّ مِن فوق عرشه، علمنيها حبيبي رسول الله.
فقال لها: ألك وليٌّ؟
قالت: نعم، هؤلاء إخوتي.
فقال لإخوتها: أمري فيكم و في أُختكم جائز؟
قالوا: نعم يا ابن عم محمد، أمرك فينا و في أُختنا جائز.
فقال عليٌّ (عليه السلام): أُشهِد الله، و أُشهِد مَن حضر مِن المسلمين، أنِّي قد زوَّجت هذا الغُلام مِن هذه الجارية بأربعمائة درهم و النقد مِن مالي.
يا قنبر! عليَّ بالدراهم.
فأتاه قنبر فصبَّها في يَد الغُلام.
فقال: خُذها وصُبَّها في حِجر امرأتك، و لا تأتنا إلا و بك أثر العِرس. ( يعني: الغسل )، فقام الغُلام فصبَّ الدراهم في حِجر المرأة، ثمَّ تَلْبَبَها و قال لها: قومي.
فنادت المرأة: النار! النار! ـ يا ابن عَمِّ محمد ـ أُتريد أنْ تزوِّجني مِن ولدي؟! هذا و الله  ولدي! زوَّجني إخوتي هجيناً فولدت منه هذا، فلمَّا ترعرع و شبَّ أمروني أنْ أنتفي منه و أطرده، هذا والله ولدي و فؤادي يتقَّلى أسفاً على ولدي.
قال:… ثمَّ أخذت بيد الغُلام وانطلقت.
ونادى عمر: وا عمراه لو لا عليٌّ لهلك عمر 1.

  • 1. القَصص التربويَّة عند الشيخ محمَّد تقي فلسفي، للطيف الراشدي، دار الكتاب الاسلامي، الطبعة الاولى 2004 م.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى