مقالات

فقه الطهارة…

يحرم على الزوجين الجُماع 1 خلال الدورة الشهرية (الحيض) التي تطرأ على النساء، و لا يحق لكل من الزوجين إكراه الطرف الآخر على الجماع، لكن يجوز لهما الاستمتاع و التلذذ الجنسي دون الجماع ضمن الحدود الشرعية.

القرآن و حكم الجماع خلال فترة الحيض

لقد صرح القرآن الكريم بحرمة الجماع خلال فترة الحيض (الدورة الشهرية) و أمر بإعتزال النساء و ترك مجامعتهن فيها حيث قال:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ 2.
و قوله عَزَّ و جَلَّ: “هُوَ أَذىً” تعليل للحكم، و الأذى في اللغة ما يكره من كل شي‏ء، و المراد به هنا الضرر.
أما معنى المحيض في قوله تعالى فهو موضع خروج دم الحيض، فقد قال العلامة الزبيدي: المحيضُ مَوْضِعُ‏ الْحَيْضِ‏، فكَأَنَّهُ قال: اعْتَزِلُوا النَّسَاءَ في مَوْضِعِ‏ الحَيْضِ‏، و لا تُجامِعُوهُنّ في ذلِكَ المَكَانِ. فهو اسمٌ و مَصْدَرٌ.
قِيلَ: و مِنْه الحَوْضُ، لأَنَّ المَاءَ يَحِيضُ‏، أَي‏ يَسِيلُ إِلَيْه‏ 3.
أما معنى قول الله جَلَّ جَلاله: “وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ” فللفقهاء آراء مختلفة في معنى “يطهرن” هل المراد به مجرد انقطاع الدم، فإذا انقطع جاز الوطء، و ان لم تغتسل، أو أن المراد بـ ” يطهرن” هو الاغتسال بعد انقطاع الدم، و عليه فلا يجوز الوطء إلا بعد الانقطاع و الاغتسال من الحيض.

رأي فقهاء الشيعة

الرأي المشهور بين فقهاء الامامية هو إرتفاع حُرمة الجماع بمجرد انقطاع دم الحيض، و ان لم تغتسل الحائض بعدُ من الحيض، لأن هذا هو المفهوم من لفظ الطُهر، أما التَّطَهُّر فهو من عمل النساء، و يكون عَقِبَ الطُّهر، و الأفضل أن تغسل المرأة فرجها قبل الجماع ما لم تغتسل غُسل الحيض.

مخاطر الجماع خلال فترة الحيض

من الواضح أن الله عَزَّ و جَلَّ لم يحرم شيئاً إلا لحكمة أو وجود ضرر في ذلك، و تحريم جماع الحائض لا يخرج عن هذه القاعدة و إن لم نعرف الأسباب و العلل، قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه و آله) : “مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَ هِيَ حَائِضٌ ، فَخَرَجَ الْوَلَدُ مَجْذُوماً ، أَوْ أَبْرَصَ ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ”  4.

كفارة الجماع خلال فترة الحيض

الجماع المتعمد خلال فترة الحيض حرام، لكن لو حصل الجماع سهواً، أو نسياناً، أو حصل الجماع حال الحيض و الزوجان يجهلان حصول الحيض، أو كانا يجهلان الحكم الشرعي أي حرمة الجماع حال الحيض فلا شيء عليهما.
أما لو حصل الجماع خلال فترة الحيض و كان الزوجان على علم بالحيض و بالحكم الشرعي فقد ارتكبا حراماً فهما آثمان قطعاً لمخالفتهما الصريحة لحكم القرآن الكريم.
هذا و لا يجوز للمرأة كتمان حيضها عن الزوج أو مطاوعته في الجماع خلال فترة الحيض، بل يجب عليها إخباره بالحيض و الامتناع عن التمكين من الجماع.
أما لو كان أحد الزوجين عالماً بالحكم الشرعي و عالماً بحصول الحيض دون الآخر و لم يكترث فعليه الإثم خاصة دون الآخر.
و على أي حال فلو حصل الجماع حال الحيض فاللازم على العالم بالحيض و بحرمة الجماع الإستغفار من هذا الذنب و التوبة إلى الله عَزَّ و جَلَّ.

ما هي كفارة الجماع حال الحيض ؟

كفارة الجماع حال الحيض ليست واجبة بل هي مستحبة على رأي كثير من الفقهاء المراجع، و عليه فيجب رجوع المُقلد الى فتوى مرجعه في هذه المسألة.
ثم إن مقدار الكفارة يختلف بإختلاف زمان وقوع الجماع فإن كان الجماع في الثلث الأول لأيام الحيض فهو دينار، و إن كان في وسطه أي الثلث الثاني من أيام الحيض فهو نصف دينار، و إن كان في الثلث الأخير فهو ربع دينار.

قيمة الدينار

أما قيمة الدينار فهو يساوي أربع غرامات و ربع غرام ذهباً تقريباً، و يجوز دفع الذهب مباشرة، كما و يكفي دفع قيمة الكفارة (الذهب) حسب قيمته يوم إخراج الكفارة أيضاً.

مصرف كفارة جماع الحائض

كفارة جماع الحائض تُعطى للمسكين، أما المسكين فهو كما ورد في الحديث: “المسكين أجهد من الفقير”، أي أسوأ حالا منه 5.

  • 1. الجُماع في المصطلح الفقهي هو وطءُ الذكر للأنثى بإيلاج قدر الحشفة في فرج الأُنثى، و الحشفة هي الجزء الأعلى من الذكر أي رأس القضيب إلى حد القطع في الختان، و به يتحقق الجماع و عليه تترتب الكثير من الأحكام الشرعية و الحدود في الشريعة الإسلامية، و يحدد الجماع في لغة الفقهاء بإلتقاء الختانين، أي أن الجماع يتحقق بتلاقي محل القطع في الختان لكل من الذكر و الأنثى.
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 222، الصفحة: 35.
  • 3. أنظر: تاج العروس من جواهر القاموس:‏10/ 45.
  • 4. من لا يحضره الفقيه : 1 / 96 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران .
  • 5. مجمع البحرين : 3 / 33، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى