نص الشبهة:
قال : كتب الشيعة تكفر عامة الصحابة كافة ؟
الجواب:
فأقول : نعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ومن كل معتد أثيم ، ونبرأ إليه تعالى من تكفير المؤمنين ، والسلف الصالح من المسلمين .
لعل الرجل رأى في كتب الشيعة سننا لم يفقهها ، وحديثا متشابها لم يعرف مرماه ، فاضطره الجهل إلى هذا الارجاف وما أظن الذي رآه في جميع كتب الشيعة من تلك السنن إلا دون ما هو في صحيح البخاري وحده منها ، فلم يصم أهل السنة كتب الشيعة بهذا دون الصحاح الستة وغيرها ؟ ولم لم يعتذروا عن كتبنا بما اعتذروا به عن كتبهم ؟ فان الإشكال واحد ، والجواب هو الجواب .
واليك ما أخرجه البخاري في باب الحوض وهو في آخر كتاب الرقاق ص 94 من الجزء الرابع من صحيحه بالاسناد إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، قال : هلم 1 قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت وما شأنهم ، قال : انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم
خرج رجل من بيني وبينهم ، قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى ، فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم 2 .
واخرج في آخر الباب المذكور عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : قال النبي صلى الله عليه وآله : اني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب مني ومن امتي ؟ فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ، فكان ابن ابي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك ان نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا .
واخرج في الباب المذكور ايضا عن ابن المسيب انه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ان النبي قال : يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلاءون عنه فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : انك لا علم لك بما احدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى .
واخرج في الباب المذكور عن سهل بن سعد ، قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : اني فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ ابدا ، ليردن علي أقوام اعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن ابي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم فقال : اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها ، فاقول : انهم مني ، فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي 3 .
واخرج في الباب المذكور أيضا عن أبي هريرة انه كان يحدث إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلاءون على الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : انك لا علم لك بما احدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى .
واخرج في اول الباب المذكور عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله قال : انا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني ، فأقول : يا رب اصحابي فيقال : انك لا تدري ما احدثوا بعدك ، قال البخاري : تابعه عاصم عن ابي وائل وقال حصين : عن ابي وائل عن حذيفة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
واخرج ايضا في باب غزوة الحديبية ص 30 من الجزء الثالث من صحيحه عن العلاء بن المسيب عن ابيه ، قال : لقيت البراء بن عازب ، فقلت له : طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن اخي انك لا تدري ما احدثنا بعده .
واخرج ايضا في اول باب قوله تعالى ﴿ … وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ 4 من كتاب بدء الخلق ص 154 من جزئه الثاني ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال من حديث : وان اناسا من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فاقول : اصحابي اصحابي فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم الحديث .
هذا بعض ما وجدناه في صحيح البخاري .
اما ما هو من هذا القبيل في بقية الصحاح وسائر السنن فكثير وكثير جدا ، ومن تتبعه وجده لا يقل عما هو في حديث الشيعة ، وحسبك ما أخرجه الامام احمد من حديث ابي الطفيل في آخر الجزء الخامس من مسنده فليراجعه كل مناصب للشيعة ، وليت موسى جار الله تدبر القرآن العظيم ليعلم ان كتب الشيعة التي انتقدها انما تستقي من سائغ فراته ، ولا تستضئ إلا بمصباح مشكاته ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا … ﴾ 5 ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ 6 .
نعوذ بالله من الجهل والغرور .
( رأي الشيعة في الصحابة أوسط الآراء )
ان من وقف على رأينا في الصحابة علم انه اوسط الآراء ، إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا ، ولا افرطنا افراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين ، فان الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم ، قالوا : بكفر الصحابة كافة ، وقال أهل السنة : بعدالة كل فرد ممن سمع النبي صلى الله عليه وآله أو رآه من المسلمين مطلقا ، واحتجوا بحديث كل من دب أو درج منهم اجمعين اكتعين ابصعين . اما نحن فان الصحبة بمجردها وان كانت عندنا فضيلة جليلة ، لكنها ـ بما هي ومن حيث هي ـ غير عاصمة ، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول ، وهم عظماؤهم وعلماؤهم ، واولياء هؤلاء وفيهم البغاة ، وفيهم اهل الجرائم من المنافقين ، وفيهم مجهول الحال ، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة ، اما البغاة على الوصي ، واخي النبي ، وسائر اهل الجرائم والعظائم كابن هند ، وابن النابغة ، وابن الزرقاء 7 وابن عقبة ، وابن ارطاة ، وامثالهم فلا كرامة لهم ، ولا وزن لحديثهم ، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين امره ، هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم .
والكتاب والسنة بينتنا على هذا الرأي ، كما هو مفصل في مظانه من اصول الفقه ، لكن الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابيا حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين واقتدوا بكل مسلم سمع النبي أو رآه صلى الله عليه وآله اقتداء اعمى ، وانكروا على من يخالفهم في هذا الغلو ، وخرجوا في الانكار على كل حد من الحدود ، وما اشد انكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال ، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية ، والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية ، وبهذا ظنوا بنا الظنونا ، فاتهمونا بما اتهمونا ، رجما بالغيب ، وتهافتا على الجهل ، ولو ثابت إليهم أحلامهم ، ورجعوا إلى قواعد العلم ، لعلموا ان اصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه ، ولو تدبروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم ، وحسبك من سوره ، التوبة ، والأحزاب ، وإذا جاءك المنافقون ، ويكفيك من آياته المحكمة ﴿ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ … ﴾ 8 ﴿ … وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ … ﴾ 9 10 .
﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ 11 ﴿ … وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ … ﴾ 12 .
فليتني ادري أين ذهب المنافقون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كانوا جرعوه الغصص مدة حياة ، حتى دحرجوا الدباب 13 وصدوه عن الكتاب ، وقد تعلمون انه صلى الله عليه وآله خرج إلى احد بألف من اصحابه فرجع منهم قبل الوصول ثلاث مئة من المنافقين 14 وربما بقي معه منافقون لم يرجعوا خوف الشهرة أو رغبة بالدفاع عن احساب قومهم ، ولو لم يكن في الالف الا ثلاث مئة منافق ، لكفى دليلا على ان النفاق كان زمن الوحي فاشيا ، فكيف ينقطع بمجرد انقطاع الوحي ولحوق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ؟ فهل كانت حياته سببا في نفاق المنافقين ؟! وموته سببا في ايمانهم وعدالتهم وصيرورتهم افضل الخلق بعد الانبياء وكيف انقلبت حقائقهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله فأصبحوا ـ بعد ذلك النفاق ـ بمثابة من الفضل لا يقدح فيها شئ مما ارتكبوه من الجرائم والعظائم ، وما المقتضي للالتزام بهذه المكابرات ؟! التي تنفر منها الأسماع والأبصار والأفئدة ؟ وما الدليل على هذه الدعاوي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ؟ وما ضرنا لو صدعنا بحقيقة اولئك المنافقين ، فان الامة في غنى عنهم بالمؤمنين المستقيمين من الصحابة ، وهم أهل السوابق والمناقب ، وفيهم الأكثرية الساحقة ، ولا سيما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبوية ، وسدنة الاحكام الالهية ﴿ … وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 15 ﴿ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 16 وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة الله تعالى ، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم ، وحسبهم تأييد الدين ، ونشر الدعوة إلى الحق المبين .
على انا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد ـ في ظاهر الحال ـ عن الوصي ، أو التجأ إلى مسايرة اهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين ، والاحتفاظ بشوكة المسلمين ، وهم السواد الاعظم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم اجمعين فان مودة هؤلاء لازمة والدعاء لهم فريضة ﴿ … رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ 17 18 .
- 1. هلم في لغة أهل الحجاز يستوي فيها المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث تقول هلم يا زيد وهلم يا زيدان وهلم يا زيدون وهلم يا هند وهلم يا هندات فهي اسم فاعل وفاعله ضمير مستتر تقديره في هذا الحديث انتم لان المخاطبين بها انما هم الزمرة .
- 2. قال السندي في تعليقته على صحيح البخاري همل النعم بفتح الهاء والميم الابل بلا راع اي لا يخلص منهم من النار الا قليل .
- 3. قال القسطلاني في شرح هذه الكلمة من ارشاد الساري ما هذا لفظه : لمن غير بعدي اي دينه لانه لا يقول في العصاة بغير الكفر سحقا سحقا بل يشفع لهم ويهتم بأمرهم كما لا يخفي .
- 4. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 125 ، الصفحة : 98 .
- 5. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
- 6. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 24 ، الصفحة : 509 .
- 7. هي الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على ثبوت البغاء فلذا كان الحكم وبنوه يذمون بها نص على هذا كله ابن الاثير حيث ذكر صفة مروان ونسبه واخباره في حوادث سنة 65 للهجرة ص 57 من الجزء الرابع من تاريخه الكامل ـ وصرح به غير واحد من اهل الاخبار .
- 8. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 97 ، الصفحة : 202 .
- 9. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 203 .
- 10. من يتدبر هذه الآية وغيرها من امثالها يحصل له العلم الاجمالي بوجود المنافقين في غير معلومي الايمان . وحيث ان الشبهة محصورة كان الاجتناب عن حديث الجميع واجبا حتى يثبت الايمان والعدالة ، ونحن في غنى عن اطراف هذه الشبهة المحصورة بحديث معلومي العدالة من الصحابة وهم عظماؤهم وعلماؤهم واهل الذكر الذين امر الله بسؤالهم والصادقون الذين امر الله سبحانه بأن نكون معهم على ان في حديث الائمة من اهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل كفاية واي كفاية فهم اعدال الكتاب وبهم يعرف الصواب .
- 11. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 48 ، الصفحة : 195 .
- 12. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 74 ، الصفحة : 199 .
- 13. كان قوم من الصحابة دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله صلى الله عليه وآله ناقته فيطرحوه وكان صلى الله عليه وآله إذ ذاك راجعا من وقعة تبوك التي استخلف فيها عليا ، وحديث احمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن ابي الطفيل في هذه الطامة طويل وفي آخره ان رهطا من الصحابة لعنهم رسول الله يومئذ وهذا الحديث مشهور مستفيض بين المسلمين كافة .
- 14. نص على هذا كل من ارخ غزوة احد من اهل السير والاخبار فراجع .
- 15. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 88 ، الصفحة : 201 .
- 16. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 89 ، الصفحة : 201 .
- 17. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 547 .
- 18. أجوبة مسائل جار الله ، بقلم سماحة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي ( المسألة الأولى ) ، الطبعة الثانية 1373 ه مطبعة العرفان ـ صيدا . 1953 م ، ص 10 ـ 18 .