بين يدي القائم (عج)

زيارة الحجة (عج) للإمام الحسين عليهما السلام

إن زيارته عليه السلام لجده الحسين صلوات الله وسلامه عليه التي عرفت بزيارة الناحية المقدسة، قد سكب فيها أحزانه وعرض فيها ما جرى على جده من صنوف الرزايا والخطوب وما عانته بنات رسول الله صلى الله عليه وآله من المصائب القاسية التي تذوب من مآسيها القلوب… ولنستمع إلى بعض فصول هذه الزيارة التي خرجت إلى أحد نوابه، وقد سلم فيها على بعض الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى واختارهم لإصلاح عباده، ثم قال مسلما على جده الإمام الحسين عليه السلام:

السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته السلام على من أطاع الله في سره وعلانيته السلام على من جعل الله الشفاء في تربته السلام على من الإجابة تحت قبته السلام على من الأئمة من ذريته“.

ومن بنود هذه الزيارة قوله عليه السلام: 
والسلام على ابن خاتم الأنبياء السلام على ابن سيد الأوصياء السلام على ابن فاطمة الزهراء السلام على ابن خديجة الكبرى السلام على ابن سدرة المنتهى السلام على ابن جنة المأوى السلام على ابن زمزم والصفا“. 

وحكت هذه الكلمات الأصول الكريمة التي تفرع منها سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام فجده خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وأبوه سيد الأوصياء وباب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأمه بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسيدة نساء العالمين التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها وجدته خديجة الكبرى التي قام الإسلام بأموالها وتضحيتها فسلام الله على تلك الأصول وعلى ذلك الفرع الطاهر الذي أضاء الدنيا بفضله ومن فصول هذه الزيارة قوله: “السلام على المرمل بالدماء السلام على المهتوك الخباء السلام على خامس أصحاب الكساء السلام على غريب الغرباء السلام على شهيد الشهداء السلام على قتيل الأدعياء السلام على ساكن كربلاء السلام على من بكته ملائكة السماء السلام على من ذريته الأزكياء السلام على يعسوب الدين السلام على منازل البراهين السلام على الأئمة السادات…”.

ويقول الإمام المنتظر عليه السلام في هذه الزيارة:
السلام على الجيوب المضرجات السلام على الشفاء الذابلات السلام على النفوس المصطلمات السلام على الأرواح المختلسات السلام على الجسوم الشاحبات السلام على الدماء السائلات السلام على الأعضاء المقطعات السلام على الرؤوس المشالات السلام على النسوة البارزات.. “. 

ويستمر الإمام المنتظر عليه السلام في زيارته فيقول:
السلام على حجة رب العالمين السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين السلام عليك وعلى أبنائك المستشهدين السلام عليك وعلى ذريتك الناصرين السلام عليك وعلى الملائكة المضاجعين السلام على القتيل المظلوم السلام على أخيه المسموم السلام على علي الكبير السلام على علي الرضيع..” لقد قدم الإمام عليه السلام تحياته وسلامه إلى جده الحسين عليه السلام، وإلى أبنائه المستشهدين بين يديه وإلى الملائكة الكرام الحافين بقبره الشريف ومن بنود هذه الزيارة قوله:

السلام على الأبدان السليبة السلام على العترة الغريبة السلام على المجدلين في الفلوات السلام على النازحين عن الأوطان السلام على المدفونين بلا أكفان السلام على الرؤوس المفرقة عن الأبدان السلام على المحتسب الصابر السلام على المظلوم بلا ناصر السلام على ساكن التربة الزاكية السلام على صاحب القبة السامية.. “.

ومن فصول هذه الزيارة قوله عليه السلام:
السلام على من طهره الجليل السلام على من افتخر به جبرائيل السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل، السلام على من نكثت ذمته، السلام على من هتكت حرمته السلام على من أريق بالظلم دمه السلام على المغسل بدم الجراح السلام على المجرع بكاسات الرماح السلام على المضام المستباح السلام على المنحور في الورى السلام على من دفنه أهل القرى.

السلام على المقطوع الوتين السلام على المحامي – أي عن دين الله – بلا معين السلام على الشيب الخضيب السلام على الخد التريب السلام على البدن السليب السلام على الثغر المقروع بالقضيب السلام على الرأس المرفوع السلام على الأجسام العارية في الفلوات تنهشها الذئاب العاديات وتختلف إليها السباع الضاريات
…” ويستمر الإمام المنتظر في سلامه على جده الإمام الحسين عليه السلام ذاكرا مآثره وفضائله وما جرى عليه من الكوارث والخطوب التي تنوء من حملها الجبال إلى أن يقول:

السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرب إلى الله بمحبتك البرئ من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع الحزين الواله المستكين سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف وبذل حشاشته دونك للحتوف، وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك وفداك بروحه وجسده وماله، وولده، وروحه لروحك فداء، وأهله لأهلك وقاء..”.

وحكت هذه الكلمات مدى تألم الإمام على فجائع جده الإمام الحسين عليه السلام فقد ود أن يكون معه في ساحة الطفوف ليفديه بنفسه ويقيه بمهجته ويدفع عنه ما حل به من عظيم الرزايا ولنستمع إلى فصل آخر من فصول هذه الزيارة يقول عليه السلام:

فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محاربا ولمن نصب لك العداوة مناصبا فلأندبنك صباحا مساء ولأبكين عليك بدل الدموع دما حسرة عليك وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب… ” أرأيتم تفجع الإمام المنتظر ولوعته وحزنه العميق على جده المظلوم الغريب الذي انتهكت في قتله حرمة الرسول صلى الله عليه وآله فالإمام المنتظر يندبه صباحا ومساء ويبكيه بدل الدموع دما ويبقى على هذه الحال في حزن مستمر حتى يموت بلوعة مصابه… ومن بنود هذه الزيارة قوله:

أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر والعدوان وأطعت الله وما عصيته وتمسكت به وبحبله فارتضيته وخشيته وراقبته واستحييته وسننت السنن وأطفأت الفتن ودعوت إلى الرشاد وأوضحت سبل السداد وجاهدت في الله حق الجهاد وكنت لله طائعا ولجدك محمد صلى الله عليه وآله تابعا ولقول أبيك سامعا وإلى وصية أخيك مسارعا ولعماد الدين رافعا وللطغيان قامعا وللطغاة مقارعا وللأمة ناصحا وفي غمرات الموت سابحا وللفساق مكافحا وبحجج الله قائما وللإسلام والمسلمين راحما وللحق ناصرا وعند البلاء صابرا وللدين كالئا وعن حوزته مراميا…”.

وحكت هذه الكلمات المثل العليا الماثلة في سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته فما من فضيلة خلقها الله في الدنيا إلا وهي من عناصره وذاتياته..

ويستمر الإمام عليه السلام في زيارته فيقول:

تحوط الهدى وتنصره وتبسط العدل وتنشره وتنصر الدين وتظهره وتكف العابث وتزجره وتأخذ للدني من الشريف وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف كنت ربيع الأيتام وعصمة الأنام وعز الإسلام ومعدن الأحكام وحليف الإنعام سالكا طريق جدك وأبيك مشبها في الوصية لأخيك.. وفي الذمم رضي الشيم ظاهر الكرم متهجدا في الظلم قويم الطرائق كريم الخلائق عظيم السوابق شريف النسب منيب الحسب رفيع الرتب كثير المناقب محمود الغرائب جزيل المواهب حليم رشيد منيب جواد عليم شديد إمام شهيد أواه منيب حبيب مهيب.

كنت للرسول صلى الله عليه وآله ولدا وللقرآن منقذا وللأمة عضدا وفي الطاعة مجتهدا حافظا للعهد والميثاق ناكبا عن سبل الفساق وباذلا للمجهود طويل الركوع والسجود زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا إليها بعين المستوحشين منها آمالك عنها مكفوفة وهمتك عن زينتها مصروفة وألحاظك من بهجتها مطروفة ورغبتك في الآخرة معروفة
“.

وحكى هذا المقطع ما قام به أبو الأحرار الإمام الحسين عليه السلام من نصرة الحق وحماية العدل والذب عن الإسلام ونشر القيم الكريمة والمبادئ العليا التي جاء بها الإسلام وقد سلك عليه السلام المنهج والطريق نفسه الذي سار به جده وأبوه فلم يشذ عن منهجهما وسنتهما مبتغيا بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة… ومن فصول هذه الزيارة قوله عليه السلام…. “حتى إذا الجور مد باعه وأسفر الظلم قناعه ودعا الغي أتباعه وأنت في حرم جدك قاطن وللظالمين مباين جليس البيت والمحراب معتزل عن اللذات والشهوات تنكر المنكر بقلبك ولسانك على حسب طاقتك وإمكانك ثم اقتضاك العلم للإنكار  ولزمك أن تجاهد الفجار فسرت في أولادك وأهاليك وشيعتك ومواليك وصدعت بالحق والبينة ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأمرت بإقامة الحدود والطاعة للمعبود ونهيت عن الخبائث والطغيان وواجهوك بالظلم والعدوان. فجاهدتهم بعد الإيعاز لهم وتأكيد الحجة عليهم فنكثوا ذمامك وبيعتك، وأسخطوا ربك وجدك وبدؤوك بالحرب فثبت للطعن والضرب وطحنت جنود الفجار واقتحمت قسطل الغبار مجالدا بذي الفقار كأنك علي المختار” وحكت هذه الكلمات جهاد الإمام أبي الأحرار عليه السلام ومناجزته للحكم الأموي الذي كفر بحقوق الإنسان وأشاع الظلم والفساد في الأرض فلم يسعه السكوت فانبرى إلى ساحات الجهاد المقدس ينكر المنكر بقلبه ولسانه وحسامه ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولنستمع إلى فصل آخر من فصول هذه الزيارة يقول عليه السلام:

فلما رأوك – يعني بني أمية – ثابت الجأش غير خائف ولا خاش نصبوالك غوائل مكرهم وقاتلوك بكيدهم وشرهم وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء وورده وناجزوك القتال وعاجلوك النزال ورشقوك بالسهام والنبال وبسطوا إليك أكف الاصطلام ولم يرعوا لك ذماما ولا راقبوا فيك آثاما في قتلهم أوليائك ونهبهم رحالك وأنت مقدم في الهبوات ومحتمل للأذيات قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات… ” ومفاد هذه الكلمات أن الأمويين لما رأوا الإمام أبا الأحرار كالطود الشامخ ينعي عليهم سياستهم التي شذت عن كتاب الله وسنة نبيه وتزعمه للقوى المعارضة لهم غير حافل بهم ولا خائف من سلطانهم قابلوه وناجزوه بكل ما يملكون من الوسائل والتي كان من أخسها أنهم حرموه الماء في كربلاء حتى أشرف أطفاله وعياله على الموت ورشقوه بسهامهم ونبالهم ولم يرعوا فيه حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تحمل عليه السلام جميع ما عاناه من الخطوب والكوارث بصبر عجبت منه ملائكة السماء ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الزيارة يقول عليه السلام:

فأحدقوا بك من كل الجهات وأثخنوك بالجراح وحالوا بينك وبين الرواح ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر تذب عن نسوتك وأولادك، حتى نكسوك عن جوادك فهويت إلى الأرض جريحا تطؤك الخيول بحوافرها وتعلوك الطغاة ببواترها. قد رشح للموت جبينك واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك تدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك، وأسرع فرسك شاردا إلى خيامك قاصدا محمحما باكيا. فلما رأين النساء جوادك مخزيا ونظرن إلى سرجك عليه ملويا برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات وإلى مصرعك مبادرات والشمر جالس على صدرك ومولع سيفه على نحرك قابض على شيبتك بيده ذابح لك بمهنده قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القناة رأسك وسبي أهلك كالعبيد وصفدوا في الحديد فوق أقتاب المطيات تلفح وجوههم حر الهاجرات يساقون في البراري والفلوات أيديهم مغلولة إلى الأعناق يطاف بهم في الأسواق… “. وصورت هذه الكلمات مصرع الإمام السبط وما عاناه في اللحظات الأخيرة من حياته من صنوف الخطوب والكوارث التي تتصدع من هولها الجبال ولا يقوى على تحملها أي كائن حي لقد تواكبت على ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله ووارث كمالاته جميع مصائب الدنيا يتبع بعضها بعضا فقد رزئ بأصحابه وأهل بيته وأولاده ورآهم مجزرين كالأضاحي على صعيد كربلاء وعياله وأطفاله يستغيثون من شدة الظمأ.

وقد عجت حرائر النبوة ومخدرات الرسالة بالعويل والبكاء لعظم ما نزل بهن من البلاء فهن ينظرن إلى النجوم المشرقة من أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وهم في غضارة العمر ونضارة الشباب وقد سبحوا بدمائهم وتناثرت أشلاؤهم على صعيد كربلاء وينظرن إلى الإمام الممتحن سيد شباب أهل الجنة وقد تدافعت على قتله العصابة المجرمة من جيوش الأمويين وقد وجهوا نحوه جميع ما يملكون من وسائل القتل والإبادة حتى تناهبت جسمه الشريف سيوفهم ورماحهم وسهامهم.

ينظرن بنات رسول الله صلى الله عليه وآله إلى هذه الفجائع وقد مزق الأسى قلوبهن واختطف الرعب ألوانهن ولا يعلمن ماذا سيجري لهن من صنوف الرزايا والبلاء بعد مصرع الحسين عليه السلام لقد كان منظرهن من أفجع وأقسى مما رزئ به الإمام الحسين عليه السلام فقد استوعبت نفسه الشريفة رزايا بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ولما صرع سبط رسول الله صلى الله عليه وآله ورفع رأسه الشريف على الرمح ليقدم هدية إلى ابن مرجانة، برزت بنات رسول الله على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات وقد عمد عبيد ابن مرجانة إلى إحراق أخبيتهن وأوسعوهن ضربا بسياطهم وصفدوهن بالحديد قد غلت أيديهن وأيدي الأطفال إلى الأعناق وحملوا على أقتاب المطايا يطاف بهم من بلد إلى بلد ثم قدموا هدية إلى ابن مرجانة وإلى سيده يزيد بن معاوية فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولنستمع إلى فصل آخر من هذه الزيارة، يقول عليه السلام.
فالويل للعصاة الفساق لقد قتلوا بقتلك الإسلام وعطلوا الصلاة والصيام ونقضوا السنن والأحكام وهدموا قواعد الإيمان وحرموا آيات القرآن وهملجوا في البغي والعدوان. لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله موتورا وعاد كتاب الله عز وجل  مهجورا وغودر الحق إذ قهرت مقهورا وفقد بفقدك التكبير والتهليل والتحريم والتحليل والتنزيل والتأويل وظهر بعدك التغيير والتبديل والإلحاد والتعطيل والأهواء والأضاليل والفتن والأباطيل.

فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول صلى الله عليه وآله فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلا: يا رسول الله ! قتل سبطك وفتاك واستبيح أهلك وحماك وسبيت بعدك ذراريك فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول وعزاه بك الملائكة والأنبياء وفجعت بك أمك الزهراء
“.


* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 64-75.

المصدر:شبكة المعارف الإسلامية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى