التعليممقالات

سؤال النهضة…

لعل أبلغ سؤال طرح في ساحة عصر النهضة في المجال العربي الحديث، هو سؤال شكيب أرسلان (1286-1366هـ/1869-1946م)، لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ الذي اختاره عنوانا لكتابه الوجيز، الصادر سنة 1930م، وبفضل هذا السؤال اكتسب هذا الكتاب شهرة واسعة، بقي محتفظا بها على طول الخط.
ولولا هذا السؤال، وبلاغته وحكمته ما عرف هذا الكتاب، وما اكتسب كل هذه المعرفة، وهذه الشهرة المتقادمة والعابرة بين الأزمنة، فالكتاب عرف بهذا السؤال، وبقي ومازال يعرف به، ولو كان له عنوان آخر لما عرف هذا الكتاب، ولكانت شهرته بالتأكيد أقل حظوة.
ومن هذه الجهة، فإن هذا الكتاب يعد من نمط الكتب التي عرفت بعنوانها، وبلاغة سؤالها، ليس هذا فحسب، بل إن عنوان الكتاب وسؤاله، بات أكثر شهرة وتداولا من الكتاب نفسه نصا وموضوعا، فهناك الكثيرون في المجال العربي الذين يعرفون عنوان الكتاب، ويتعاملون معه في مجالهم التداولي جدلا ونقاشا، لكنهم لم يطالعوا الكتاب، ولم يتعرفوا على محتوياته ومواضيعه، وطبيعة إشكاليته الفكرية والبنيوية.
وتتكشف هذه الملاحظة، عند معرفة أن مستويات العودة إلى الكتاب والاقتباس منه، وتداول نصوصه، هي أقل بكثير مقارنة بالعودة إلى عنوانه، والتوقف عند سؤاله، وبشكل لا يكاد يقارن، ومن هذه الجهة يتفوق عنوان الكتاب وسؤاله، على الكتاب نفسه نصا وموضوعا.
ولو أردنا البحث عن ماذا بقي من كتاب أرسلان، لجاز لنا القول إن أكثر ما بقي منه، هو سؤاله الذي مازال حاضرا ومتحركا، ومازال يستقطب الجدل والنقاش في ساحة الكتاب والباحثين على تعدد وتنوع خطاباتهم ومنهجياتهم، واختلاف وتباعد ميولهم وأذواقهم الفكرية والثقافية، ومع تقادم وتعاقب أزمنتهم وأجيالهم.
ومع هذا السؤال أصبح لخطاب النهضة العربي والإسلامي سؤال، عرف بسؤال النهضة، وتحدد بهذه الصفة من ناحية المعنى، وبهذه المنزلة من ناحية الاعتبار، وجاء هذا السؤال ولبى حاجة حقيقية، هي حاجة البحث عن سؤال النهضة، لكونه يقع في طريق البحث عن ما هو سؤال النهضة!
السؤال الذي كان لا بد أن يطرح، ومآله أن يطرح في يوم من الأيام، وفي زمن من الأزمنة، وذلك لأن كل خطاب نهضوي بحاجة إلى سؤال نهضوي، ينبثق منه، ويعبر عنه، وعن طبيعة إشكاليته، ويختزل مطلبه ومطالبه، ويشع بفلسفته وحكمته.
ولو لم يطرح هذا السؤال، ويتبوأ منزلته بصفته سؤال النهضة، وسؤال الخطاب النهضوي، لكنا في حالة تساؤل من الأمس إلى اليوم، عن سؤال يحمل هذه الصفة، وتكون له مثل هذه المنزلة1.

  • 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 23 أبريل 2014م، العدد 17406.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى