كتابة القران
كان القرآن الكريم مكتوباً كله في عهد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، لكنه لم يكن مرتباً و لا مجموعاً في مصحف واحد ، بل كان منثوراً على العسب 1 و اللخاف 2 و الرقاع ، و قطع الأديم 3 ، و عظام الأكتاف ، و الأضلاع ، و بعض الحرير و القراطيس ، و محفوظاً في صدور الرجال أيضاً .
وصية رسول الله لعلي في جمع القران
رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) قَالَ لِعَلِيٍّ : ” يَا عَلِيُّ ، الْقُرْآنُ خَلْفَ فِرَاشِي فِي الْمُصْحَفِ ، وَ الْحَرِيرِ ، وَ الْقَرَاطِيسِ ، فَخُذُوهُ وَ اجْمَعُوهُ ، وَ لَا تُضَيِّعُوهُ كَمَا ضَيَّعَتِ الْيَهُودُ التَّوْرَاةَ ” 4 .
من جمع القران ؟
كان الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) أول من تصدى لجمع القرآن الكريم بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله ) مباشرة 5 ، و ذلك بناءً على وصيته ( صلى الله عليه و آله ) له بذلك ، فما أن ارتحل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) حتى التزم علي ( عليه السَّلام ) بيته و لم يخرج منه و آلَى على نفسه ألا يخرج منه حتى ينتهي من جمع القرآن ، قائلاً : ” آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي يَمِيناً أَنْ لَا أَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لِلصَّلَاةِ حَتَّى أُؤَلِّفَ الْقُرْآنَ وَ أَجْمَعَه ” 6 .
و فعلا فقد تمكن علي ( عليه السَّلام ) من القيام بالمهمة التي أوكلها النبي ( صلى الله عليه و آله ) له بكل كفاءة و جدارة ، و كانت النتيجة أنه أخرج إلى القوم المصحف مرتباً حسب ترتيب نزوله ، و بهامشه ما نزل على الرسول ( صلى الله عليه و آله ) من التفسير و التأويل بشأن الآيات .
قال سلمان الفارسي ( المحمدي ) ـ و هو يذكر الأحداث التي أعقبت وفاة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، و التي منها تصدي علي ( عليه السَّلام ) لجمع القرآن الكريم ـ : … لَزِمَ بَيْتَهُ وَ أَقْبَلَ عَلَى الْقُرْآنِ يُؤَلِّفُهُ 7 وَ يَجْمَعُهُ ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى جَمَعَهُ وَ كَانَ فِي الصُّحُفِ 8 وَ الشِّظَاظِ 9 وَ الْأَكْتَافِ 10 وَ الرِّقَاعِ 11 ، فَلَمَّا جَمَعَهُ كُلَّهُ وَ كَتَبَهُ بِيَدِهِ تَنْزِيلَهُ وَ تَأْوِيلَهُ 12 ، وَ النَّاسِخَ مِنْهُ وَ الْمَنْسُوخَ ، بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ : اخْرُجْ فَبَايِعْ .
فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ( عليه السَّلام ) : ” أَنِّي مَشْغُولٌ ، وَ قَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي يَمِيناً أَنْ لَا أَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لِلصَّلَاةِ حَتَّى أُؤَلِّفَ الْقُرْآنَ وَ أَجْمَعَهُ ” .
فَسَكَتُوا عَنْهُ أَيَّاماً ، فَجَمَعَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَ خَتَمَهُ .
ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، فَنَادَى عَلِيٌّ ( عليه السَّلام ) بِأَعْلَا صَوْتِهِ : ” أَيُّهَا النَّاسُ أَنِّي لَمْ أَزَلْ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) مَشْغُولًا بِغُسْلِهِ ، ثُمَّ بِالْقُرْآنِ حَتَّى جَمَعْتُهُ كُلَّهُ فِي هَذَا الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ آيَةً مِنْهُ إِلَّا وَ قَدْ جَمَعْتُهَا ، وَ لَيْسَتْ مِنْهُ آيَةٌ إِلَّا وَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) وَ عَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا ” 6 .
- 1. العَسِيبُ : جَرِيدَةٌ من النخل مستقيمة ، دقيقة يُكْشَطُ خُوصُها . لسان العرب : 1 / 599 .
- 2. اللخاف : حجارة بيض عريضة رقاق ، واحدتها لَخْفة . لسان العرب : 9 / 315 .
- 3. الأديم : الجلد المدبوغ .
- 4. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 89 / 48 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
- 5. لمزيد من التفصيل راجع : التمهيد في علوم القرآن : 1 / 288 .
- 6. a. b. بحار الأنوار : 28 / 264 .
- 7. أَلَّفْتُ الشيء تأْلِيفاً ، إذا وصلْت بعضه ببعض ، و منه تأْلِيفُ الكتب . أنظر لسان العرب : 9 / 10 .
- 8. الصُحُف : جمع الصحيفة ، و الصحيفة : قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه ، و سمي المصحف مصحفاً لكونه جامعا للصحف المكتوبة بين الدفتين .
- 9. الشِّظاظُ : العُود الذي يُدخل في عُرْوة الجُوالِق ، و قيل : الشِّظاظُ خُشَيْبة عَقْفاء محدَّدةُ الطرَفِ توضع في الجوالق أَو بين الأَوْنَينِ يُشَدّ بها الوِعاء ، ( لسان العرب : 7 / 445 ) .
- 10. الأكتاف : جمع كَتِف ، و الكتف عظم عريض يكون في أَصل كتف الحيوان من الناس و الدوابّ ، كانوا يكتُبون فيه لقِلة القَراطِيس عندهم . لمزيد من التفصيل أنظر : لسان العرب : 9 / 294 .
- 11. الرقاع : جمع رقعة ، و هي القطعة من الورق التي يُكتب فيها .
- 12. التنزيل : هي المناسبة الوقتية التي استدعت نزول الآية ، و التأويل : بيان التفسير و المجرى العام للآية . لمزيد من التفصيل راجع : التمهيد في علوم القرآن : 1 / 292 .