مقالات

كيف يدلُّ حديثُ الخلفاء الاثني عشر على أنَّهم لا يزيدون على هذا العدد؟

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

بقلم زكريَّا بركات
١٣ سبتمبر ٢٠١٦


السؤال: ما هو وجه دلالة حديث الاثني عشر (بألفاظة المختلفة) على أن المراد بالاثني عشر هو ما لا يزيد على هذا العدد؟

الجواب:

أوَّلاً: نستعرض بعض ألفاظ الحديث:

1 ـ لفظ صحيح مسلم: “لايزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر خليفه”.

2 ـ لفظ مسند أحمد: “يكون بعدي اثنا عشر خليفة”.

3 ـ وفي مسند أحمد أيضاً: “يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة”.

4 ـ وفي مسند أحمد أيضاً: “عن مسروق قال: كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن؛ هل سألتم رسول الله (ص) كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبدالله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله (ص) فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل”.

ثانياً: بعد التدقيق في دلالة الألفاظ التي استعرضناها أعلاه؛ نجد عدة وجوه للدلالة على أن الخلفاء ليسوا أكثر من اثني عشر، وفيما يلي بيانُها:

الوجه الأوَّل: أن ذكر العدد (اثنا عشر) في الحديث المذكور ظاهر في أن المراد هو بيان عددهم الذي لا يقلُّون عنه ولا يزيدون عليه، ولو فُرض أنهم أكثر من هذا العدد؛ لانتفت الفائدة والحكمة من ذكر هذا العدد، ومن أبجديات فهم الحديث الشريف أن يُنزَّه المعصوم عن إرادة معنى لا يفهم وجهُ الحكمة فيه؛ لأنه سيد الحكماء والبلغاء.

الوجه الثاني: أن طبيعة هذا الموضوع، أي موضوع الخلافة والإمامة، هي أن يكون ذكر العدد لغرض التحديد، فذكر العدد اثنا عشر يكون ظاهراً بمقتضى طبيعة الموضوع في التحديد، والتحديد يعني عدم الزيادة على المقدار المذكور.

الوجه الثالث: أن عبارة “لهذه الأمة” في مسند أحمد تُفهم بوضوح أن المراد الحديث عن تمام الأمَّة، وليس جزء من الأمَّة، والأمَّة يمتد مداها الزماني إلى قيام الساعة، فيُفهم من ذلك أنَّ الاثنا عشر هو عدد الخلفاء إلى قيام الساعة، فلا يصح بعد هذا القول بأنهم أكثر من هذا ضمن نطاق الأمَّة.

الوجه الرابع: الحديث يُفْهَم منه أن النبي كان بصدد الإشادة والتعريف بهؤلاء الخلفاء، وهو ما يُفْهَم من مجموع ألفاظ الحديث الشريف، ومن يكون بصدد الإشادة فإنه لا يذكر البعض فيشيد بهم ويترك مقداراً آخر يستحقون الإشادة ولكنه لا يشيد بهم.. فذكر العدد في سياق الإشادة والتعريف هو دليل على أن المراد هو تحديدهم بما لا يزيد على هذا العدد.

الوجه الخامس: أن رواية مسروق في مسند أحمد تتضمَّن سؤالاً وإجابة حول عدد الخلفاء، وحين يكون الجواب بالعدد هو عن سؤال بخصوص العدد، مع ملاحظة أن السائل جعل المسؤول عنه جميع الأمَّة وليس بعضها، فإن الجواب يكون ظاهراً جداً في أن الخلفاء محددون بهذا المقدار، لا أقل ولا أكثر، وإلا فلو فُرض أن العدد كان أكثر من هذا فإنه يحق للسائل أن يقول للمجيب: إنك لم تجبني بإجابة صحيحة.

الوجه السادس: فَهِمَ غيرُ واحد من العلماء، ومنهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، أن المقصود بـ (عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة) هو أن (عزة الدين) تعتمد على هؤلاء الاثني عشر المذكورين في الحديث، وعزة الدين تعني أنه لن يبطل ولن يضيع وسيبقى مصوناً معصوماً صالحاً، ومن المعلوم أيضاً أن هذا المعنى من العزة والمنعة يلزم أن يبقى إلى قيام الساعة؛ لكون الدين الإسلامي هو خاتم الأديان، فينتج من ذلك أن هؤلاء الاثني عشر لا بد من وجود واحد منهم على الأقل في كل زمان ضمن الفترة الفاصلة ما بين وفاة النبي (ص) وقيام الساعة؛ حتى يؤمِّن عزة الدين، وهذا يعني عدم وجود خليفة ثالث عشر أو رابع عشر أو أكثر؛ لأن هذا العدد هو الذي يؤمِّن هذا الغرض المهم طوال الفترة المتاحة للتكليف على وجه الأرض.
ولو فُرض أن هناك عدداً آخر من الخلفاء لهم دور في تأمين عزة الدين ومنعته ولكن لم يذكرهم رسول الله (ص) ، لاستوجب ذلك القول بقصور بيان النبي عن أداء تمام المعنى المطلوب من غير حكمة مفهومة، فلما كنا نعرف أن النبي أبلغ الناطقين بالضاد قاطبة، وأنه معصوم في بيان المضامين الدينية، فلا بد من القول بأن الخلفاء هم هؤلاء الاثنا عشر والزيادة منتفية.

والحمدُ للّٰه ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى