مما يؤسف له في عصرنا الحاضر هو أن الأعياد الإسلامية تحولت من آية ربانية و حركة رسالية تجمع كافة المؤمنين على طاعة الله و نهجه الى مسرح للمرح و البذخ و و التفاخر و الغناء و الرقص و الفحشاء و ممارسة المنكرات، خلافاً لفلسفة العيد الذي هو يوم تعود فيه القيم الإنسانية و الإسلامية لتجري في عروق الامة الإسلامية من جديد بحيوية مضاعفة.
إن يوم العيد هو يوم العبادة الخالصة، و يوم التزاور و صلة الرحم، يوم الرحمة و الشفقة و التواصل مع الفقراء و المساكين و مواساتهم، و هو يوم المحبة و العطف و الحنان و العفو، و يوم التلاحم و رص الصفوف، فأين نحن من هذه القيم و التعاليم الراقية.
هل يوم العيد يوم فرح و ابتهاج و لبس الجديد؟
إن يوم العيد يوم فرح و راحة لمن عمل بما أمره الله، و تحلى بالقيم الإنسانية فعمل بواجباته و أطاع الله، و أنتهى مما نهاه عنه فأمن وعيد الله و عذابه.
قال رسول الله صلى الله عليه و آله في خطبته المعروفة التي أدلى بها في الجمعة التي سبقت شهر رمضان: ” فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ” 1.
اذن فمن لم يغفر له و لم يستلم الجائزة كيف يفرح!
عيد المطيعين
قال الامام امير المؤمنين عليه السلام: “کُلُّ یَومٍ لا یُعصَی اللَّهُ فیهِ فَهُوَ عِیدٌ” 2.
و رغم أن سمة العيد هو لبس الجديد، لكن الملابس الجديدة وحدها لا تصنع العيد، حيث أنه ليس العيد لمن لبس الجديد، و إنما العيد لمن أمن الوعيد.
وَ نَظَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام إِلَى أُنَاسٍ فِي يَوْمِ فِطْرٍ يَلْعَبُونَ وَ يَضْحَكُونَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ وَ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَاراً لِخَلْقِهِ يَسْتَبِقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، فَسَبَقَ فِيهِ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَ تَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا، فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الضَّاحِكِ اللَّاعِبِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُثَابُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَ يَخِيبُ فِيهِ الْمُقَصِّرُونَ، وَ ايْمُ اللَّهِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِهِ وَ مُسِيءٌ بِإِسَاءَتِهِ” 3.
جوائز العيد
عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله: ” … إِذَا صَارَتْ لَيْلَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَ تُسَمَّى لَيْلَةَ مَنْحِ الْجَوَائِزِ، يُكَافِئُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَامِلِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ بِلَا حِسَابٍ، فَإِذَا صَارَ صَبَاحُ الْعِيدِ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلَائِكَةً كَثِيرِينَ إِلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ يَأْتُونَ إِلَى الْأَرْضِ يَقِفُونَ عَلَى رُءُوسِ الْأَزِقَّةِ وَ الْأَسْوَاقِ وَ الطُّرُقَاتِ وَ يَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اخْرُجُوا إِلَى رَبٍّ كَرِيمٍ يَهَبُ الْعَطَايَا الْجِسَامَ وَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ، فَإِذَا ذَهَبُوا إِلَى الْمُصَلَّى لِأَدَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: يَا مَلَائِكَتِي مَا هُوَ جَزَاءُ الْعَامِلِ الَّذِي عَمِلَ مِنْ أَجْلِي؟ فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا وَ سَيِّدَنَا! جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ صِيَامِ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَ قِيَامِ لَيَالِيهِ أَنِّي رَضِيتُ عَنْهُ وَ غَفَرْتُ ذُنُوبَهُ.
ثُمَّ يُنَادِي الْمُؤْمِنِينَ الْحَاضِرِينَ ذَلِكَ الْجَمْعَ: يَا عِبَادِي سَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَبِعِزَّتِي وَ جَلَالِي مَا مِنْ حَاجَةٍ فِي هَذَا الْجَمْعِ لِلدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ إِلَّا قَضَيْتُهَا وَ سَتَرْتُ عُيُوبَكُمْ حَتَّى لَا تُدْبِرُوا عَنِّي، وَ أُضَاعِفُ لَكُمُ الْأَجْرَ، وَ لَا أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ الْمُذْنِبِينَ، عُودُوا مِنْ مُصَلَّاكُمْ مَغْفُوراً لَكُمْ فَإِنَّكُمْ أَرْضَيْتُمُونِي وَ رَضِيتُ عَنْكُمْ فَتَفْرَحُ الْمَلَائِكَةُ وَ يُبَارِكُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِالَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ 4.
وَ رُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنَّهُ قالَ: “… إِذَا طَلَعَ هِلَالُ شَوَّالٍ نُودِيَ الْمُؤْمِنُونَ أَنِ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ فَهُوَ يَوْمُ الْجَائِزَةِ”.
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: “أَمَا وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا هِيَ بِجَائِزَةِ الدَّنَانِيرِ وَ لَا الدَّرَاهِمِ” 5.
نحن و العيد
كيف يجب أن نكون في الاعياد، و بأي مظهر و سلوك يجب أن نظهر؟
هذا ما ينبغي أن يطرحه الانسان على نفسه و يسعى للحصول على الإجابة الصحيحة له.
بما أن الأعياد الإسلامية هي أيام عظيمة و مباركة تتنزل فيها الرحمة الإلهية لتشمل الناس جميعاً صغاراً و كباراً، لكن يكون النصيب الأوفر للمؤمنين و المؤمنات، فلا بد من الاهتمام بيوم العيد و ليلته لأنها من الأوقات المميزة التي لا بد من إغتنامها.
إن يوم العيد يوم فطر (افطار)، و يوم زكاة ، و يوم رغبة الى الله و الى ما يرضيه، فهو يوم اجتماع على طاعة الله، يوم تحميد الله و تمجيده، يوم عبادة و تضرع و دعاء، يوم الجوائز الكبرى، يوم اتحاد المسلمين و اظهار شوكة الاسلام.
إن يوم العيد يوم إدخال السرور على الفقراء و المساكين، و يوم التآخي و نبذ الخلافات، يوم المحبة و الاحسان، يوم الشكر و الدعاء، يوم صلة الارحام، و يوم الشفقة على الايتام الذين يفتقرون لحنان الامهات و لحماية الآباء، و بكلمة إن يوم العيد هو يوم الله فلنرضي الله فيه.
- 1. وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 10 / 313 ، حديث رقم : 13494 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
- 2. نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح : 852.
- 3. من لا يحضره الفقيه : 1 / 511 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المولود سنة : 305 هجرية بقم ، و المتوفى سنة : 381 هجرية ، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الثالثة ، سنة : 1413 هجرية ، قم / إيران.
- 4. زاد المعاد، محمد باقر المجلسي ، طبعة بيروت : ص 125 .
- 5. الكافي: 4 / 68، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، تحقيق: علي اكبر غفاري و محمد آخوندي، الطبعة الرابعة، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1407 هجرية، طهران/إيران.