إعرف عدوكالتاريخ الإسلاميالجهاد و الشهادةزاد عاشوراءسادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)مقالاتمناسباتمنوعات

الشجاعة الحسينية

إنَّ وضعيَّة الحسين ( عليه السلام ) تِجاه عِداه ، كانت دفاعيَّة وسِلسلة تَحفُّظات وتَحوُّطات ، عن سَفك الدم ، أو هَتك الحُرَم : مِثل هِجرته عن حَرم الله ورسوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، ثمُّ مُصافاته مع الحُرِّ ، والمُحايدة عن طرق الكوفة ، ثمَّ تقديمه ابن سعد لدى ابن زياد ، للكَفاف عنه ؛ حتَّى يعود مِن حيث أتى ، أو يُغادر إلى ثغور العَجم والدَّيلم ، ثمَّ طلبه الإفراج عن حِصاره ؛ ليَذهب بنفسه إلى يزيد ؛ يُذاكره في مَصيره ومَسيره ، ثمَّ تَحصُّنه خَلْفَ الروابي والهِضاب ؛ سِتراً على العائلة مِن العادية ، ثمَّ مُطالبته السقاية والرواية بواسطة رجاله ، والتَشفُّع لديهم بأطفاله ، وإيفاد رُسل النصح والسلام إليهم ، وإلقاء الخُطب عليهم ، وإلى غيرها مِن شواهد مَسلكه الدفاعي الشريف .
لكنَّ عِداه ، تناهوا في خُطط الاعتداء عليه ، في جميع المَشاهد والمَواقف ، وبرهنوا للمَلأ الإسلامي ، أنَّهم لا يَقصدون به سِوى التَشفِّي والانتقام ، بكلِّ قَسوة وفظاعة ، وكانت خاتِمة مُدافعته عند الذَّود عن حياض شرفه بالسلاح ، حينما يَئس ، ولم يَبقَ له في هدايتهم مَطمع ، وغدت أبواب رجاء الحياة وآمالها موصَدة في وجهه ، ورأى بعينيه مَصارع صَحبه وآله مِن جِهة ، ومِن الأُخرى مَصرع العبَّاس ( رضوان الله عليه ) ، أخيه وذخيرته الوحيدة لنائبات الزمان ، وأيقن بتصميم القوم على مُمانعة الماء عنه ، وعن صِبيَته بكلِّ جَهد وجَدٍّ ؛ حتَّى يُميتوها ويُميتوه عطشاً ؛ فجاهد جهاد الأبطال ، ونَكَّس فُرساناً على رجال ، عندما عاد مِن مَصرع أخيه ، وحال القوم بينه وبين مُخيَّمه ، ولم يُرَ مَكثوراً قط ، قُتِل وِلده ، وإخوانه ، ومَن معه أربط جأشاً ، وأمضى جِناناً مِن الحسين ( عليه السلام ) ، وإنَّه كانت الرجال لتَشدُّ عليه ؛ فيَشدُّ عليها ، ثمَّ تَنكشف عنه انكشاف المَعزى إذا شَدَّ عليها الليث ، ويَفرُّون مِن بين يديه ، كأنَّهم الجُراد المُنتشر وهو يقول :
أنا الحسينُ بنُ علي = آليتُ أنْ لا انثني
فذكَّرهم أيّام أبيه في صِفِّين ، والجَمل ، وردَّدت أندية الأخبار ، ذِكرى الشجاعة الحُسينيَّة ، بكلِّ إعجاب واستغراب ؛ إذ حفَّت بحالته حالات شَذَّ ما يُصادف بطلٌ واحدةً منها ، مِن عَطش مُفرِط ، وحَرَم مُهدَّد ، وافتجاع بجمهور الأحبَّة والأرحام ، وتَفردُّه ـ غريباً ـ بين أُلوف المُقاتلين؛ ولكنَّ شِبل علي ( عليه السلام ) ، لم يَحسب لجمهرتهم أيَّ حِساب ، ولم تَبدُ منه ـ في مِثل هذه الحالة الرهيبة العَصيبة ـ ما يُنافي الشرف ، ولا ما يُخالِف الدين ، ولا ما يُحاشي الإنسانيَّة ؛ وهي ـ والله ـ مُعجزِة البشر ، وإنَّها لإحدى الكِبر ، ويُنشد في كَرَّاته :
إذا كانت الأبدانُ للموت أُنشِئتْ فقتل امرءٍ في الله أولى وأفضل
ولم يَزل يُدافعهم في مُتَّسع مِن الأرض ، فِئةً بعد فِئة ، حتَّى أدَّت الأفكار والأحوال ، إلى فِكرة حِصاره أثناء الكَرِّ والفَرِّ في دائرة تلال الحائر ، وسَدُّوا في وجهه مَنافذ خروجه ، وافترقوا عليه أربع فِرَق ، مِن جهاته الأربع : فِرقة بالسيوف ، وهم الأدنون منه ، وفِرقة بالرماح ، وهم الجَوّالة حوله ، وفِرقة بالنِّبال ، وهم الرماة مِن أعالي التِّلال ، وفِرقة بالحِجارة ، وهم الرَجَّالة المُنبثَّة حوالي الخَيَّالة .
وأثخنوا جثمان سِبط النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بالجروح الدامية ، وأكثرها في مَقاديمه ، وأضحى جِلده كالقُنفذ ، وكلَّما تمايل ليهوي إلى الأرض توازن معه فرسه ( وكانت مِن الجياد الأصائل ) ، حتَّى إذا ضَعف الفرس أيضاً ، بما أصابها مِن الجروح خَرَّ مِن سَرجه على وجهه ، وأقبل فرسه نحو مُخيَّمه يَصهل ويُحمحِم ، فخرجت زينب مِن فِسطاطها ، واضعة عشرة أصابعها على رأسها ، قائلة : ( ليتَ السماء أطبقتْ على الأرض ، وليتَ الجبال تَدكدكت على السهل ) .
ثمَّ صاحت بابن سعد ، قائلة : ( يا عمر ، أُيقتَل أبو عبد الله ، وأنت تَنظر إليه ؟! ) ؛ فدَمِعت عينا عمر ، وسالت دموعه على لِحيته ، لكنَّه صرف بوجهه عنها .
ثمّ أقبل شِمر على الحسين ( عليه السلام ) يُحرِّض الجيش عليه ، والحسين يَحمِل عليهم ؛ فينكشفون عنه ، وهو يقول : ( أعلى قتلي تجتمعون ؟! وأيْمَ الله ، إنِّي أرجو أنْ يُكرِمني الله بهوانكم ، ثمَّ يَنتقِم لي منكم ، مِن حيث لا تَشعرون ، أما والله ، لو قتلتموني ؛ لألقى الله بأسَكم بينكم ، ثمَّ لا يرضى بذلك حتَّى يُضاعِف لكم العذاب الأليم ) .
ولم يَزل يُدافِع عن نفسه ، وقد قاتلهم راجِلاً قتال الفارس المِغوار ، يتَّقي الرَّمية ، ويفترص العَوار ، لكنَّه يقوم ويكبو والرَجَّالة تَفرُّ مِن بين يديه ، ثمَّ تَكرُّ عليه .
لقد توالت على ابن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) جروح دامية ، مِن مُطارَدة الأبطال ، ومُضارَبة الفُرسان ، وأثناء مُناصرته لأنصاره ، وكاشفة الجيش عن أهل بيته ، وعندما بلغ المُسنَّاة ، رماه ابن نُمير بسهمٍ ؛ فجرح ما بين فَمِه وحِنكه ، وملأ كَفَّيه دَماً ، فحمد الله وقال : ( اللَّهمَّ احصِهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تُبقِ منهم أحداً ) .
ثمَّ ضربه كندي على رأسه بالسيف ؛ فقطع البرنس وأدمى رأسه ، وامتلأ البرنس دَماً ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : ( لا أكلتَ بيمينك ، وحَشرك الله مع الظالمين ) ، وألقى البرنس ، ولبس القُلنسوة ، ثمَّ شجَّ جبينه أبو الحتوف الجُعفي بالحِجارة ؛ فسالت الدماء على وجهه .
وأفضت الإصابات والعصابات ، إلى هواه نحو مَصرعه ، وأقبل شِمر برجاله يحول بين الحسين ( عليه السلام ) ورِحاله ، واغتنمت رَجَّالة الجيش عندئذٍ فُرصة مَصرعه ، لاغتنام ما في رَحله ، وما على أهله ، أولئك الذين فقدوا ـ في تلك الساعة الرهيبة ـ حامي حماهم ؛ فاستفزَّت ضجَّتهم مَشاعر الحسين الهادئة ؛ فرفع رأسه وبصره ، وإذا بأجلاف القوم ، زاحفون مِن سَفح التِّلال ، نحو مُخيَّمه للسَّلب والنَّهب ؛ فأثارت الغيرة في حسين المَجد روحاً جديدة ؛ فنهض زاحفاً على رُكبتيه قائلاً : ( يا شيعة آل أبي سفيان ، إنْ لم يَكُن لكم دين ، وكُنتم لا تَخافون يوم المَعاد ، فكونوا أحراراً في دُنياكم ، وراجعوا أحسابكم وأنسابكم إنْ كُنتم عُرباً ) .
فصاح شِمر : ما تقول يا بن فاطمة ؟
قال الإمام : ( أقول : أنا الذي أقاتلكم وتُقاتلونني ، والنساء ليس عليهنَّ جِناح ؛ فارجعوا بطُغاتكم وجُهَّالكم عن التعرُّض لحُرمي ) .
فقالوا : ذلك لك ؛ ورجعوا .
ومَكث الإمام ( عليه السلام ) صريعاً ، يُعالج جروحه الدامية ، والناس يتَّقون قتله ، وكلٌّ يَرغب في أنْ يَكفيه غيره ، فصرخ بهم شِمر قائلاً : ويَحكم ! ماذا تنتظرون بالرجل؟! ، أقتلوه ثَكلتْكم أُمَّهاتُكم .
فهاجوا على الحسين ( عليه السلام ) واحتوشوه ، فضربه زُرعة على عاتقه بالسيف ، وأقبل عندئذٍ غُلامٌ مِن أهله ، وقام إلى جنبه ، وقد هوى ابن كعب بسيفه ، فصاح به الغُلام: ( يا بن الخبيثة ، أتقتل عَمِّي ؟! ) ، واتَّقى السيف بيده ، فأطنَّها وتعلَّقت بالجِلدة ؛ فنادى الغُلام : ( يا أُمَّاه ) ، فاعتنقه الحسين ( عليه السلام ) ، قائلاً : ( صَبراً ـ يا بن أخي ـ على ما نزل بك ، فإنَّ الله سيُلحقك بآبائك الطاهرين الصالحين ، برسول الله ، وبعليٍّ ، وبالحسن ) .
ثمَّ قال : ( اللَّهمَّ أمسك عنهم قَطر السماء ، وأمنعهم بركات الأرض ، اللَّهمَّ إنْ متَّعتهم إلى حين ، ففرِّقهم فرقاً ، واجعلهم قِدداً ، ولا تُرضِ عنهم الولاة أبداً ؛ فإنَّهم دعونا لينصرونا ، فعدوا علينا يقتلونا ) .
ثمَّ تضاعفت الرَجَّالة والخيَّالة على الحسين ( عليه السلام ) .
وطعنه سِنان برمحه .
وقال لخولِّي احتزَّ الرأس .
فضعُف هذا وأرعد .
فقال له سِنان : فَتَّ الله عَضدك ، ونزل وذبح الإمام ، ودفع رأسه إلى خولِّي .
وسَلبوا ما على الحسين ( عليه السلام ) ، حتَّى سراويله ونَعليه ، ثمَّ تمايل الناس إلى رحله وثقله ، وما على أهله ، حتى أنَّ الحُرَّة كانت لتُجاذِب على قناعها وخِمارها ، والمرأة تُنتزَع ثوبها مِن ظهرها فيؤخَذ منها ، والفَتاة تُعالَج على سَلب قِرطها وسوارها ، والمريض يُجتَذب الأديم مِن تَحته .
ثمَّ نادى ابن سعد في أصحابه : مَن يَنتدب إلى الحسين ؛ فيوطئ الخيل صدره وظهره ؟
فانتدب عشرة فوارس ، وداسوا بحوافر خيلهم جَنازة الإمام ، ورضُّوا جَناجِن صدره .
وصلَّى ابن سعد على قتلى جيشه ، ودفنهم ، وترك الشهداء الصالحين على العَراء ( … وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .
قتل الظالمون حسين الفَضيلة ، وفرِحوا بمَقتله فَرحاً عظيماً ؛ إذ حَسِبوا أنَّهم قتلوا به شخصيَّته ودعوته ، وصرعوا به كلمته ، وحَسِبوا أنَّهم أخذوا به ثار أسلافهم ، وانتقام أشياخهم ، داسوا بخيلهم جَناجِن صدر الحسين ( عليه السلام ) ، وسَحقوا جُثمانه ، وزعموا أنَّهم سَحقوا به كلمة الحسين ( عليه السلام ) ، ومَحقوا دعوته .
تركوا جَسد الحسين ( عليه السلام ) وأجساد مَن معه ، عُراة على العَراء ، بلا غُسلٍ ، ولا كَفن ، ولا صلاة عليه ، ولا دفن ، زاعمين أنَّهم أهملوا بذلك شخصيَّة الحسين ( عليه السلام ) وأهميَّة الحَقِّ والإيمان ، مثَّلوا بجُثَّة الحسين ( عليه السلام ) ـ وقد مَنع الإسلام عن المُثلَة ـ زاعمين أنَّهم جعلوا داعية العَدل ، وآية الحَقِّ ، أُمثولَة الخيبة والفَشل ، وأنَّه سيُضرَب به المَثل .
لعبوا برأسه على القَنا ، وبرؤوس آله وصَحبه ، أمام العِباد والبلاد ، زاعمين أنَّهم سيَلعبون بعده بعقائد العِباد ، ومصالح البلاد ما داموا ودامتْ .
سلبوه وسلبوا أهله ، ونَهبوا رَحله ، وأحرقوا خِيَمه ، وأبادوا حُرمه ، زاعمين أنَّها هي الضربة القاضية ، فلن ترى بعدئذٍ مِن باقية .
ظنَّ ذلك القوم ، وأيَّدتهم كلُّ شواهد الأحوال يومئذٍ ، حتَّى دفن ابن سعد جميع قتلى جُنده ، في يومه وغده ، ودفن معهم كلَّ خَشيةٍ أو خَيبةٍ ، كانت تجول في واهمته ، ورَحَلَ عن كربلاء برَحْل الحسين ( عليه السلام ) ، وأهله ، والرؤوس إلى ابن زياد الجَور ، وترك أشلاء حامية الحَقِّ ، وداعية العَدل ، جَرداء في العَراء ، بين لَهيب الشمس والرمضاء ، وعُرضةً للنسور والعقبان .
ومِمَّا يُثير الشجون والأحزان ، أنَّ علي الإيمان ( عليه السلام ) ، حارب البُغاة مِن أقطاب الحركة الأُمويَّة في صِفِّين والجَمل ، وبعد قتلهم أجرى عليهم سُنَن التجهيز والدفن ، مُراعياً حُرمة الإسلام وحِشمَة الشهادتين .
أمَّا المُنتقمون مِن حسين الحَقِّ وصَحبه ، فلم يَحترموا فيه أيَّ شِعار ديني ، أو أدب قومي ، قَنعوا منهم بدمائهم عن التغسيل ، وبالتُّرب عن التحنيط ، وبنسج الرياح عن التجهيز .
وليتَ شعري ، ماذا يصنع أولياء الحَقِّ بصَلاة أولياء الشيطان ؟!
وحَسْبُهم منهم أنْ صَلَّت على جُسومهم سيوفهم ، وشيَّعت أجسادهم نِبالهم ، وألحدت أشلاءهم العَوادي والعاديات ، عليهم وإليهم صلوات الله والصالحين ، ودعوات طُلاَّب العَدل وعُشَّاق الحَقِّ ما لاحت الأصباح ، وروَّحت الرياح .
هذا ، وما عتَّمت عشيَّة الثاني عشر مِن مُحرَّم ، إلاّ وعادت إلى أرياف كربلاء عشائرها ، الضاعنة عنها بمُناسبة القتال ، وقُطَّان نينوى والغاضريَّات مِن بَني أسد ، وفيهم كثير مِن أولياء الحسين ( عليه السلام ) ، وقليل مَن اختلطوا برَجَّالة جيش الكوفة ، فتأمَّلوا في أجساد زكيَّة ، تَرَكَها ابن سعد في السُّفوح ، وعلى البطاح ، تَسفي عليها الرياح ، وتساءلوا عن أخبارها العُرفاء ، فما مَرَّت الأيّام والأعوام ، إلاَّ والمَزارات قائمة عليها ، والخيرات جارية ، والمَدائح تُتلى ، والحَفلات تتوالى ، ووجوه العُظماء على أبوابها ، وتيجان المُلوك على أعتابها ، وامتدَّت جاذبيَّة الحسين ( عليه السلام ) وصَحبه ، مِن حَضرة الحائر ، إلى تُخوم الهند والصين ، وأعماق العَجم ، وما وراء التُّرك والدَّيلم ، يُردِّدون ذِكرى فاجعته ، بمَمرِّ الساعات والأيَّام ، ويُقيمون مأتمه في رِثائه ومواكب عزائه ، ويُجدِّون في إحياء قضيَّته في عامَّة الأنام ، ويُمثِّلون واقعته في مَمرِّ الأعوام .
هذا بعض ما فاز به حسين النهضة ، مِن النَّصر الآجل ، والمُظفَّريَّة في المُستقبل ( … وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .
أمَّا الحزب السُّفياني ، فقد خاب فيما خاله ، وخَسرت صَفقته ، وذاق الأمرَّين بعد مَقتل الحسين ( عليه السلام ) ، في سبيل تهدئة الخَواطر ، وإخماد النوائر ، حتَّى صار يُعالج الفاسد بالأفسد ، ويَستجير مِن الرمضاء بالنار : كقيامه باستباحة مدينة الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وإخافة أهلها ، وقتاله ابن الزبير في مَكَّة حَرم الله والبلد الأمين ، حتَّى حاصروه ورموه بالمَنجنيق ، وقطعوا سُبُل الحَجِّ على المسلمين ، وهَتكوا مُعظم شعائر الدين .
وبعد أوآنٍ نهض المُختار الثقفي ، وزعماء التوَّابين العِراقيِّين ، طالبين ثار الحسين ( عليه السلام ) ؛ فقتلوا ابن زياد ، وابن سعد وأشياعهما شَرَّ قتلة ، وأهلكوا شِمراً بكلِّ عَذاب ، وأحرقوا حرملة حيَّاً ، وتتبَّعوا قَتَلَة الحسين ( عليه السلام ) ومُحاربيه ، في كلِّ دَيْر ودار ، وقتلوهم تحت كلِّ حَجر ومَدر ، وأصلوهم الحَميم والجَحيم ، واستجاب الله دعوة الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء ؛ إذ قال : ( وسَلِّط عليهم غُلام ثَقيف ، يَسقيهم كأساً مُصبَّرة ) إلى آخره .
ولم تَزل عليهم ثائرةٌ أثر ثائرة ، ونَائرة حرب تِلو نائرة ، حتَّى أذِن الله سبحانه بزوال مُلك أُميَّة ، وسقوط دولة بَني مروان ، على يدي السفَّاح الهاشمي العبَّاسي ، أحمد ، وأخيه محمد ، ابني عبد الله ، والقائد الباسل أبي مُسلم الخُراساني ، وثِلَّة مِن فُحولة هاشم ؛ فثَلَّت عُروش تلك الدولة الجائرة ، ودَكَّت أركان حكومتها الغَدَّارة ، واستأصلوا شأفتهم ، وأبادوهم رِجالاً ونِساءً ، حتَّى لم يَبقَ منهم آخذ ثارٍ ، ولا نافخ نارٍ ، وأحرقوا مِن آثارهم حتَّى الرَّميم المَنبوش ، ولُعنوا حيثما ذكروا ، وقُتِّلوا أينَما ثُقِّفوا ؛ فتَجِد حتَّى اليوم قبر يزيد الجَور في عاصمة مُلكِه ، كومَة أحجار ، ومَسبَّة المارَّة ، لا يُذكَر في شرق الأرض وغربها ، إلاَّ بكلِّ خِزيٍ وعار ، هذه عاقبة الجائِر الفاجِر ، وتلك عُقبى المُجاهد الناصح .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى