مقالات

نهى الاسلام عن الجزع و دعى الى الصبر فلماذا النياحة و اللطم و الجزع ؟

نص الشبهة: 

يقول سبحانه وتعالى : ﴿ … وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ . ويقول ـ عز وجل ـ : ﴿ … وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ … ﴾ . وذكر في « نهج البلاغة » : « وقال علي « رضي الله عنه » بعد وفاة النبي ﷺ مخاطباً إياه ﷺ : لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون » . وذكر أيضاً : « أن علياً « عليه السلام » قال : من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله » . وقد قال الحسين لأخته زينب في كربلاء ، كما نقله صاحب « منتهى الآمال » بالفارسية وترجمته بالعربية (1 / 248 .) : « يا أختي ، أحلفك بالله عليك أن تحافظي على هذا الحلف ، إذا قتلت فلا تشقي عليّ الجيب ، ولا تخمشي وجهك بأظفارك ، ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي » . ونقل أبو جعفر القمي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال فيما علم به أصحابه : « لا تلبسوا سوادا فإنه لباس فرعون » . وقد ورد في « تفسير الصافي » في تفسير آية ﴿ … وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ … ﴾ : أن النبي ﷺ بايع النساء على أن لا يسوِّدْن ثوباً ، ولا يشققن جيباً ، وأن لا ينادين بالويل . وفي « فروع الكافي » للكليني أنه ﷺ وصَّى فاطمة ـ « رضي الله عنها » ـ فقال : « إذا أنا مت فلا تخمشي وجهاً ، ولا ترخي عليّ شعراً ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمي عليَّ نائحة » (5 / 527 .) . وهذا شيخ الشيعة محمد بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق يقول : « من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يسبق إليها : « النياحة من عمل الجاهلية ». كما يروي علماؤهم المجلسي والنوري والبروجردي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « صوتان ملعونان يبغضهما الله : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نغمة ؛ يعني النوح والغناء » .

والسؤال بعد كل هذه الروايات : لماذا يخالف  الشيعة ما جاء فيها من حق ؟! ومن نصدق : الرسول ﷺ وأهل البيت أم الملالي ؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .

فإن الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى النظر في عدة أمور ، هي التالية :

ألف : الجزع والصبر

أما بالنسبة للجزع والصبر على الأنبياء والأوصياء ، فنقول :

الجزع على رسول الله صلى الله عليه و آله

روى المفيد بسنده إلى ابن عباس قال : لما توفي رسول الله « صلى الله عليه وآله » تولى غسله علي بن أبي طالب « عليه السلام » والعباس معه ، والفضل بن العباس ، فلما فرغ « عليه السلام » من غسله كشف الإزار عن وجهه ، ثم قال : بأبي وأمي ، طبت حياً ، وطبت ميتاً ، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك ، من النبوة ، والأنبياء ، خصصت حتى صرت مسلياً عمن سواك ، وعممت حتى صار الناس فيك سواء .
ولولا أنك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك الشؤون ، ولكان الداء مماطلاً ، والكمد محالفاً ، وقلَّا لك ، ولكنه ما لا يملك ردّه ، لا يستطاع دفعه .
ثم أكب عليه فقبل وجهه والإزار عليه 1 .
والشؤون : هي منابع الدمع في الرأس .
ونقول :
قد يقال : إن علياً « عليه السلام » ذكر أن امتناعه عن إنفاذ ماء الشؤون عليه ، لأن ذلك يعد جزعاً ، والنبي « صلى الله عليه وآله » قد أمر بالصبر ، ونهى عن الجزع .
مع أن ثمة نصاً آخر مروياً عنه « عليه السلام » يخالف هذا المعنى ويدلُّ على أنه لا مانع من الجزع عليه « صلى الله عليه وآله » ، حيث يقول : « إن الصبر لجميل إلا عنك ، وإن الجزع لقبيح إلا عليك » 2 .
وقد جزع الإمام الصادق « عليه السلام » على ابنه إسماعيل جزعاً شديداً 3 ، وجزع آدم على ابنه هابيل 4 .
ونجيب :
أولاً : إنه لا منافاة بين ذلك كله ، فإن للجزع مراتب ، بعضها محرم مطلقاً ، حتى لو كان جزعاً على النبي « صلى الله عليه وآله » والوصي ، وهو ما يتضمن أمراً محرماً كالإعتراض على الله سبحانه ، أو الطعن في حكمته وعدله . . وقد يحرم الجزع إذا كان الداعي إليه أمراً دنيوياً ، مثل مجرد كونه أباً أو قريباً ، أو لتخيله فوات منفعة دنيوية بموته ، وحيث لا يترتب على هذا الجزع أية فائدة أو عائدة ، على الإنسان لا في مزاياه وأخلاقه ، ولا على الدين وأهله . .
وهناك مرتبة من الجزع تحرم إذا كان المصاب بغير النبي والوصي ، وتحل إذا كان المصاب بهما ، وكان الجزع عليهما « صلوات الله عليهما وآلهما » . شرط أن يكون له فائدة تعود على الإنسان في إيمانه وتقواه ، أو كان فيه نصرة للدين ، وحفظ للمسلمين ، كجزع يعقوب على يوسف « عليهما السلام » ، الذي كان جزعاً محبوباً لله ومطلوباً ، لأنه يعطي للناس الإنطباع عن قيمة الإنسانية في الإنسان ، المتمثلة بما تجلى في يوسف « عليه السلام » من خصال الخير ، وحميد الصفات ، وفريد المزايا لدى أنبياء الله وأصفيائه ، وهو يؤكد عظم الخسارة بفقد هذا النوع من الناس .
بالإضافة إلى فوائد أخرى تعود على الجازع نفسه ، تكاملاً ، وثباتاً ، وصلابة في الدين ، وجهاداً وصبراً في سبيل الله تعالى ، إلى الكثير من الفوائد الأخرى . .
فهذا الجزع المفيد جداً محبوب ومطلوب لله تعالى ، حتى لو أدى إلى العمى ، أو الخوف من أن يكون حرضاً 5 ، أو أن يكون من الهالكين . .
وأما الجزع على الناس العاديين الذي لا دافع له إلا شدة التعلق العاطفي ، ولا فائدة منه ولا عائدة ، فهو مبغوض لله ، ومحرم على عباد الله تبارك وتعالى . لأنه إنما يعبر عن أنانية طاغية ، وحب عارم للدنيا ، وتعلق مقيت بها ، لأنه إنما يجزع على شيء فقده ، ولذة فاتته .
وربما يبلغ حدّ إظهار الإعتراض على قضاء الله تعالى وقدره .
وهذا يفسر لنا الروايات الصحيحة التي أكدت على استحباب الجزع على الإمام الحسين « صلوات الله وسلامه عليه » ، ويبين لنا المراد من قول علي « عليه السلام » وهو يرثي رسول الله « صلى الله عليه وآله » :
« إن الجزع قبيح إلا عليك الخ . . » .
ثانياً : إنهم يذكرون أنه لما توفي رسول الله « صلى الله عليه وآله » . . عقر عمر ما تقله رجلاه فهوى إلى الأرض 6 .
وخرس عثمان ، واستخفى علي ، الخ . . 7 .
وفي نص آخر : قعد علي 8 .
وذكروا أيضاً : أن النبي « صلى الله عليه وآله » بكى على عثمان بن مظعون ، وكانت دموعه تسيل على وجنتيه ، وله شهيق . .
فما معنى قولهم بحرمة الجزع مطلقاً ؟!
ثالثاً : لعل المقصود بالجزع الذي لا يصح على رسول الله « صلى الله عليه وآله » هو ذلك الذي يدعو إلى المعصية ، مثل التخلف عن جيش أسامة ، بالرغم من توالي الحث لهم من قبل النبي « صلى الله عليه وآله » . .
أما الجزع على الأنبياء والأوصياء الذي يبقى فيه الجازع في خط الطاعة لله ولرسوله فهو محبوب مطلوب ، ولو أدى إلى العمى ، واحتمل معه الهلاك كما جرى للنبي يعقوب في حزنه على يوسف « عليهما السلام » رغم من أنه لم يقتل ولم يمت . .

ب : النياحة

بالنسبة للنياحة نقول :
لا نريد أن نستبق الأمور ، فنقول : إنه يجري فيها نفس الكلام الذي يجري في الجزع ، وأنه إن كان على الدنيا أو على أمر دنيوي ، فهو منهي عنه ، وقبيح ، وإن كان على النبي « صلى الله عليه وآله » والإمام « عليه السلام » ، وما يتعلق بالدين ، فليس بقبيح ، بل مطلوب ومحبوب . . بل نعالج رواياتها على النحو التالي :
أولاً : إن الروايات التي تنهى عنها ضعيفة السند . فهي مراسيل ، أو مشتملة على مجاهيل أو ضعفاء .
ثانياً : إن هناك روايات كثيرة تعارض روايات النهي ، فلا بد من النظر في هاتين الطائفتين ، والجمع بينهما بأحد وجهين :
أولهما : أن يقال : إن روايات النهي يقصد بها النوح بالباطل ، بمعنى الثناء على الميت بالأكاذيب وبالأوهام الباطلة ، وهذا الذي ورد أنه من أعمال الجاهلية . وروايات الجواز ناظرة إلى النياحة بمعنى الثناء عليه بما هو حق وصحيح ، فقد روي أنه لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً 9 .
الثاني : أن يقال : إن النياحة منهي عنها إلا إذا كان الميت إماماً أو نبياً ، أو ذا شأن ديني رفيع ، ولذلك وجدنا الزهراء « عليها السلام » تنوح على النبي « صلى الله عليه وآله » ، ووجدنا روايات كثيرة تأمر بإقامة العزاء على الإمام الحسين « عليه السلام » .

ثالثاً : هناك روايات صحيحة تدلُّ على جواز النياحة بالحق ومنها
1 ـ عن الحسين بن زيد في حديث . . فقيل لأبي عبد الله : أيناح في دارك ؟!
فقال : إن رسول الله « صلى الله عليه وآله » قال : لما مات حمزة لكن حمزة لا بواكي له 10 .
2 ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله « عليه السلام » لا بأس بأجر النائحة ، التي تنوح على الميت 11 .
3 ـ عن يونس بن يعقوب عن الصادق « عليه السلام » قال : قال لي أبي : يا جعفر ، أوقف لي من مالي كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى 12 .
4 ـ عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر « عليه السلام » قال : مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي « صلى الله عليه وآله » :
إن آل المغيرة أقاموا مناحة فاذهب إليهم ؟!
فأذن لها فلبست ثيابها وتهيأت . .
إلى أن قال : فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فقالت :
أنـعى الولـيد بن الوليـد *** أبا الوليد فـتى الـعشـيرة
حـامي الحقـيقة ماجـدا *** يـسمو إلى طلـب الوتـيرة
قـد كان عيث في السنين *** وجـعفرا غدقـا ومـيـرة
فما عاب عليها النبي « صلى الله عليه وآله » ذلك ولا قال شيئاً 13 .
وأما الأحاديث الدالة على جواز النياحة على الإمام الحسين « عليه السلام » فهي كثيرة 14 .
أما نهي الإمام الحسين « عليه السلام » نساءه عن خمش الوجوه وعن شق الجيوب ، فقد كان لأجل لا يشمت بهم الأعداء 15 لا لأن ذلك محرم .
وفي كتاب مراسم عاشوراء شواهد كثيرة جداً على جواز أمثال هذه الأمور ، ولا سيما إذا كان ذلك على نبي أو وصي أو من هو مثل حمزة قد جرى عليه من الفجائع والرزايا مثل ما جرى على الإمام الحسين « عليه السلام » ، وعلى أهل بيته وأصحابه . .
فمن أحب الاطلاع على هذه الشواهد الكثيرة جداً ، فعليه بذلك الكتاب . .
أما خمش الوجوه ، وشق الجيوب استعظاماً لموت الناس العاديين فهو من مظاهر الجزع ، واستعظام المصيبة ، التي قد يبلغ استعظامه حداً يجعل هذه التصرفات مظهراً من مظاهر الإعتراض على الله سبحانه في إجرائه سنة الموت على العباد . .
أما حديث نهي النبي « صلى الله عليه وآله » لفاطمة الزهراء « عليها السلام » عن إقامة النائحة ، فلعله لأجل أن ذلك لا يناسب مقام الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » . وأن الحزن عليه لا بد أن يظهر في الناس بصورة طبيعية ، ربما لكي يعرف المبالي بموته ، ويتميز عن غير المبالي . .
وقد ذكروا : أن أبا بكر قال ذات يوم لعلي « عليه السلام » بعد وفاة النبي « صلى الله عليه وآله » : ما لي أراك متحازناً .
فقال « عليه السلام » : إنه عناني ما لم يعنك 16 .
مما يعني : أنه « عليه السلام » يتهم أبا بكر بأنه لم يكن يهتم لموت الرسول « صلى الله عليه وآله » . . فاضطر أبو بكر إلى تبرئة نفسه من هذه التهمة . .
أما خمش الوجوه وغيره . فلعله « صلى الله عليه وآله » قد نهى عنه إرفاقاً وإشفاقاً على فاطمة « عليها السلام » ، لا لأجل عدم جوازه . . فهر نظير نهي آدم عن الأكل من الشجرة حسبما ذكرنا في كتابنا براءة آدم . .

ج : ضرب الفخذ عند المصيبة

بالنسبة لحديث : من ضرب يده على فخذه عند مصيبة حبط أجره أو نحو ذلك 17 .
أولاً : لا شك في أنه لا يشمل صورة ما لو كان المصاب برسول الله « صلى الله عليه وآله » . . فإنه إذا جاز ليعقوب أن يبكي على يوسف « عليهما السلام » حتى أبيضت عيناه من الحزن ، وحتى أشرف على الهلاك ، ويوسف حي ، فلم لا يجوز ضرب الفخذ والصدر لمصاب الإمام الحسين « عليه السلام » الذي استشهد بتلك الصورة المفجعة والفظيعة ؟!
ثانياً : قد ذكرنا : أن عائشة لما مات رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، قامت تلتدم مع النساء وتضرب وجهها 18 . ولم يعترض عليها أحد في ذلك .
ثالثاً : وروي : أن النبي « صلى الله عليه وآله » طلق نساءه ، قال عمر : فدخلت على حفصة وهي قائمة تلتدم ، ونساء النبي « صلى الله عليه وآله » قائمات يلتدمن 19.
رابعاً : قد روي بسند صحيح عن الإمام الصادق « عليه السلام » : أن نساء الأنصار لما استشهد حمزة « خدشن الوجوه ، ونشرن الشعور وجززن النواصي ، وخرقن الجيوب ، وحرمن البطون على النبي « صلى الله عليه وآله » ، فلما رأينه قال لهن خيراً ، وأمرهن أن يستترن ويدخلن منازلهن » 20 .
فلم يعترض رسول الله « صلى الله عليه وآله » ولم يلمهن على ما فعلن بأنفسهن .

د : شق الثوب

المراد بحديث النهي عن شق الجيب : هو صورة ما لو لم يكن الميت نبياً أو وصياً . .
فقد روي : أن الإمام العسكري « عليه السلام » قد شق جيبه على الإمام الهادي « عليه السلام » فقيل له ذلك ، فقال : يا أحمق ، ما لك وذاك ؟! قد شق موسى على هارون 21 .

هـ : لا تلبسوا سواداً

أما فيما يرتبط بالنهي عن لبس السواد ، فإنه لباس فرعون ، فنقول :
إن الروايات المتعرضة للبس السواد على أقسام .
القسم الأول : روايات تدلُّ على كراهة لبس السواد مطلقاً ، فقد روي :
1 ـ عن أمير المؤمنين « عليه السلام » :« لا تلبس السواد ، فإنه لباس فرعون » 22 .
ويؤيد ذلك : ما روي عن الإمام الصادق « عليه السلام » ، قال : « أوحى الله إلى نبي من أنبيائه ، قال : قل للمؤمنين : لا تلبسوا لباس أعدائي ولا تطعموا طعام أعدائي ، ولا تسلكوا مسالك أعدائي ، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي » 23 .
2 ـ عن أبي عبد الله « عليه السلام » : « يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء » 24 .
3 ـ وروي نحو ذلك عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » 25 .
القسم الثاني : روايات تدلُّ على كراهة الصلاة في ثوب أسود ، فقد :
1 ـ قال الكليني : روي : « لا تصل في ثوب أسود ، وأما الخف والعمامة والكساء فلا بأس » 26 .
2 ـ عن محسن بن أحمد ، عن من ذكره ، عن أبي عبد الله « عليه السلام » : قال : « قلت له أصلي في القلنسوة السوداء ؟!
فقال لا تصل فيها ، فإنها لباس أهل النار » 27 .
وأسانيد هذه الروايات ضعيفة ، فلا تصلح للإستدلال بها .
وقد استثني من هذه الطائفة من الروايات وتلك لبس الأسود في مأتم الحسين « عليه السلام » . .
وذلك لأن الطائفة الأولى ناظرة إلى اتخاذ لبس السواد ديدناً وشعاراً وزينة ، كما هو طريقة وشعار أعداء الله سبحانه . فقد اختص فرعون بلبس السواد ، واختص اليهود بلبس اللبادة السوادء ، والقلنسوة السوداء ، ولكن لبس السواد إظهاراً للحزن على أبي عبد الله الحسين « عليه السلام » لا يقصد به اتخاذ لبس السواد طريقة شعاراً ، كفرعون أو كاليهود . .
بل يقصد به امتثال الأمر الوارد عنهم « عليهم السلام » : « أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا » .

شواهد على ما قلناه

ومما يدلُّ على أن كراهة لبس السواد إنما هو لمن جعل ذلك طريقته وشعاره وزينته ونهجه :
أن الأئمة « عليهم السلام » قد لبسوا السواد أحياناً .
فقد روى الصدوق بسنده عن داود الرقي قال : « كانت الشيعة تسأل أبا عبد الله « عليه السلام » عن لبس السواد .
قال : فوجدناه قاعداً عليه جبة سوداء وقلنسوة سوداء ، وخف أسود ، مبطن بسواد ، ثم فتق ناحية منه ، وقال : أما أن قطنه أسود وأخرج منه قطناً أسود .
ثم قال : بيِّض قلبك ، والبس ما شئت » 28 .
وروى الكليني بسنده عن أبي جعفر « عليه السلام » قال : « قتل الحسين « عليه السلام » وعليه جبة خز دكناء . . » 29 .
وروى الكشي بسنده عن أبي جعفر « عليه السلام » قال : « كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء وذؤابتاها بين كتفيه ، مصعداً في لحف الجبل بين يدي قائمنا » 30 .
والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله . . 31 .

  • 1. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص228 والأمالي للمفيد ص60 و (نشر دار المفيد) ص103 وبحار الأنوار ج22 ص327 و 527 و 542 والأنوار البهية ص45 والتمهيد لابن عبد البر ج2 ص162 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص24 و تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني ص488 .
  • 2. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص71 وبحار الأنوار ج79 ص134 ودستور معالم الحكم ص198 وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص150 وغرر الحكم ص103 ونهاية الأرب ج5 ص193 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص498 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص195 .
  • 3. راجع : كمال الدين ص73 وبحار الأنوار ج47 ص242 و 249 و 250 وج79 ص84 و 86 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص60 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص241 و 277 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص892 و 919 والإرشاد للمفيد ج2 ص209 وفرج المهموم لابن طاووس ص178 .
  • 4. بحار الأنوار ج11 ص224 و 230 و 240 و 264 وج23 ص59 و 63 و 64 وعلل الشرائع ج1 ص19 وتفسير العياشي ج1 ص306 وتفسير القمي ج1 ص166 والتفسير الصافي ج1 ص416 وج2 ص29 وتفسير نور الثقلين ج1 ص432 و 616 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص341 وقصص الأنبياء للراوندي ص58 .
  • 5. حرض حرضاً من باب تعب : أشرف على الهلاك . راجع مجمع البحرين ج1 ص489 .
  • 6. صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص143 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص481 وعمدة القاري ج18 ص72 وصحيح ابن حبان ج14 ص589 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص226 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص418 والبداية والنهاية ج5 ص263 وإمتاع الأسماع ج14 ص512 .
  • 7. الجامع لأحكام القرآن ج4 ص222 والسيرة الحلبية ج3 ص354 والوافي بالوفيات ج1 ص66 والفتح المبين لدحلان (مطبوع بهامش السيرة النبوية) ج1 ص123 ـ 125 والغدير ج7 ص213 .
  • 8. المصادر المتقدمة في الهامش السابق .
  • 9. وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص128 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص91 باب 7 من أبواب ما يكتسب به حديث 9 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص183 وج3 ص162 وبحار الأنوار ج79 ص107 وج100 ص51 و 103 .
  • 10. من لا يحضره الفقيه ج1 ص183 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص241 و 284 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص892 وراجع : مسند أحمد ج2 ص40 والإمتاع ص154 والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص275 وج3 ص231 وشرح الأخبار ج1 ص282 وكمال الدين ص73 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص44 وج3 ص11 و 17 و 19 وذخائر العقبى ص183 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص104 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص17 وج4 ص346 .
  • 11. من لا يحضره الفقيه ج3 ص161 والإستبصار ج3 ص60 وتهذيب الأحكام ج6 ص359 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص127 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص90 وبحار الأنوار ج79 ص107 .
  • 12. وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص125 و (ط دار الإسـلاميـة) ج12 ص88 وبحار الأنوار ج79 ص107 والأنوار البهية ص145 .
  • 13. الكافي ج5 ص117 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص125 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص89 وبحار الأنوار ج22 ص226 وتهذيب الأحكام ج6 ص358 .
  • 14. راجع على سبيل المثال : الأمالي للصدوق ص128 و 130 و 73 وقرب الإسناد ووسائل الشيعة ج4 باب 104 من أبواب استحباب إنشاد الشعر في الحسين ح7 وباب استحباب البكاء لقتل الحسين ح4 و 5 و 7 وح14 ص595 و 593 و 594 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص86 وروضة الواعظين ج1 ص169 و 170 ومستدرك الوسائل ج10 ص314 و 386 و 385 وبحار الأنوار ج45 ص207 و 257 وج44 ص 283 و 278 و 284 و 285 و 387 وج92 ص343 وكامل الزيارات ص81 و 104 و 105 ورجال الكشي ص289 وثواب الأعمال ص84 و 109 والأمالي ص121 ومعاهد التنصيص ج2 ص190 والإقبال ص579 و 544 .
  • 15. كتاب اللهوف في قتلى الطفوف ص55 والعوالم ، الإمام الحسين ص242 ولواعج الأشجان ص117 .
  • 16. الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص312 وكنز العمال ج7 ص159 و (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص230 وحياة الصحابة ج2 ص82 وعن نهاية الإرب ج18 ص396 ـ 397 .
  • 17. راجع : من لا يحضره الفقيه ج4 ص298 و (ط مؤسسة النشر الإسلامي بقم) ج4 ص416 والكافي ج3 ص224 و 25 ونهج البلاغة ج3 ص185 و 144 و (ط دار الذخائر) ج4 ص34 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص271 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص914 وبحار الأنوار ج75 ص60 و 204 و 326 وج79 ص85 و 135 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص342 وتهذيب الكمال ج5 ص89 وسير أعلام النبلاء ج6 ص262 .
  • 18. مسند أحمد ج6 ص274 ومسند أبي يعلى ج8 ص63 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص477 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص441 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1069 والكامل في التاريخ ج2 ص323 والنهاية في غريب الحديث ج4 ص245 وراجع : سبل الهدى والرشاد ج12 ص266 وإمتاع الأسماع ج2 ص137 .
  • 19. كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج2 ص534 عن ابن مردويه .
  • 20. الكافي ج8 ص318 وتفسير الصافي ج1 ص387 وبحار الأنوار ج20 ص107 ـ 109 ونور الثقلين ج1 ص398 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص246 .
  • 21. إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج2 ص842 وكشف الغمة ج2 ص418 و (ط دار الأضواء) ج3 ص214 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص274 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص917 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص534 ومدينة المعاجز ج7 ص650 وبحار الأنوار ج50 ص191 وج79 ص85 والأنوار البهية ص299 .
  • 22. علل الشرايع ص346 والخصال ج2 ص615 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص383 وج24 ص117 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص278 وج16 ص322 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص251 وبحار الأنوار ج10 ص93 وج80 ص248 .
  • 23. عيون أخبار الرضا ج2 ص23 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج1 ص26 وعلل الشرايع (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص348 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص163 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج1 ص252 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص385 وج25 ص364 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص279 وج17 ص290 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص561 والجواهر السنية للحر العاملي ص343 وقصص الأنبياء للراوندي ص277 .
  • 24. الكافي ج6 ص449 وج3 ص403 وتهذيب الأحكام ج2 ص213 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص382 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص278 والفصول المهمة للحر العاملي ج3 ص307 .
  • 25. من لا يحضره الفقيه ج1 ص163 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج1 ص251 وعلل الشرايع (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص347 والخصال ج1 ص148 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص383 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص278 والفصول المهمة ج3 ص307 وبحار الأنوار ج80 ص249 وتفسير نور الثقلين ج2 ص16 .
  • 26. الكافي ج3 ص403 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص383 و 387 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص278 و 281 .
  • 27. الكافي ج3 ص403 ومن لايحضره الفقيه ج1 ص162 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج1 ص251 وتهذيب الأحكام ج2 ص213 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص386 و 387 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص280 و 281 وعلل الشرايع (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص346 وبحار الأنوار ج8 ص312 .
  • 28. علل الشرايع (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص347 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص385 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص280 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص91 والفصول المهمة للحر العاملي ج3 ص311 .
  • 29. الكافي ج6 ص452 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص364 و 383 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص264 وبحار الأنوار ج45 ص94 وج47 ص221 والعوالم ، الإمام الحسين ص329 ومجمع الزوائد ج9 ص192 و 193 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص115 وتاريخ مدينة دمشق ج14 ص252 وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر ص430 .
  • 30. إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج2 ص481 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج4 ص386 و (ط دار الإسلامية) ج3 ص280 وبحار الأنوار ج53 ص76 وج80 ص250 ورجال ابن داود ص120 وإكليل المنهج للكرباسي ص480 .
  • 31. ميزان الحق (شبهات . . و ردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، سنة 1431 هـ ـ 2010 م ، الجزء الأول ، السؤال رقم (12) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى