إسئلنا

نفي الملل…

نص الشبهة: 

فان قيل فما معنى الخبر الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال “ان أحب الأعمال إلى الله تعالى ادومها وان قل فعليكم من الأعمال بما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا”.

الجواب: 

قلنا في تأويل هذا الخبر وجوه كل واحد منها يخرج كلامه صلى الله عليه وآله من حيز الشبهة:
(أولها) انه أراد نفي الملل عنه تعالى، وأنه لا يمل أبدا، فعلقه بما لا يقع على سبيل التبعيد كما قال عزوجل ﴿ … وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ … ﴾ 1.

وكما قال الشاعر: فانك سوف تحكم أو تباهي *** إذا ما شبت أو شاب الغراب

أراد انك لا تحكم أبدا.
فان قيل ومن أين لكم ان الذي علقه به لا يقع، حتى حكمتم بأنه أراد نفي الملل على سبيل التأبيد.
قلنا: معلوم ان الملل لا يشمل البشر في جميع أمورهم وأطوارهم، وأنهم لا يعرفون من حرص ورغبة وأمل وطمع، فلهذا جاز ان يعلق ما علم الله تعالى انه لا يكون تمللهم.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى انه تعالى لا يغضب عليكم فيطرحكم ويخليكم من فضله وإحسانه حتى تتركوا العمل له وتعرضوا عن سؤاله والرغبة في حاجاتكم إلى جوده. فسمى الفعلين مللا وان لم يكونا على الحقيقة كذلك على مذهب العرب في تسميتها الشئ باسم غيره إذا وافق معناه من بعض الوجوه، قال عدي بن زيد العبادي:

ثم اضحوا لعب الدهر بهم *** وكذاك الدهر يودى بالرجال
وقال عبيد بن الأبرص الاسدي:

سائل بنا حجر بن ام قطام إذ *** ظلت به السمر الذوابل تلعب

فنسب اللعب إلى الدهر والقنا تشبيها.
وقال ذو الرمة:

وابيض موشى القميص نصبته *** على خصر مقلاة سفيه جديلها

فسمى اضطراب زمامها سفها، لان السفه في الأصل هو الطيش وسرعة الاضطراب والحركة، وانما وصف ناقته بالذكاء والنشاط.
والوجه الثالث: ان يكون المعنى انه تعالى لا يقطع عنكم خيره ونائله حتى تملوا من سؤاله، ففعلهم ملل على الحقيقة، وسمي فعله تعالى مللا وليس على الحقيقة. وكذلك للازدواج والتشاكل في الصورة، وان كان المعنى مختلفا.
ومثله قوله تعالى ﴿ … فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ … ﴾ 2 .
ومثله قول الشاعر: الا لا يجهلن احد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وإنما أراد المجازاة على الجهل، لان العاقل لا يفخر بالجهل ولا يتمدح به.
واعلم ان لهذه الأخبار والمضافة إلى النبي صلى الله عليه وآله مما يقتضي ظاهرها تشبيها لله تعالى بخلقه أو جورا له في حكمه أو إبطالا لأصل عقلي، نظائر كثيرة، وان كانت لا تجري في الشهرة مجرى ما ذكرناه، ومتى تقصينا الكلام على جميع ذلك طال الكتاب جدا وخرج عن الغرض المقصود به، لا بأشرطنا أن لا نتكلم ولا نتأول فيما يضاف إلى الأنبياء عليهم السلام من المعاصي إلا على آية من الكتاب، أو خبر معلوم أو مشهور يجري في شهرته مجرى المعلوم وفيما ذكرناه بلاغ وكفاية.
نحن نبتدئ بالكلام على ما يضاف إلى الأئمة عليهم السلام مما ظن ظانون انه قبيح ونرتب ذلك كما رتبناه في الأنبياء عليهم السلام، ومن الله نستمد حسن المعونة والتوفيق 3.

  • 1. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 40، الصفحة: 155.
  • 2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 194، الصفحة: 30.
  • 3. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء: 179 ـ 181.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى