نور العترة

في رحاب ادعية الامام الحسين …

لقد تميّز تراث أهل البيت (عليهم السّلام) بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.

فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الإنسان في الحياة، كما قال تعالى:﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ … ﴾ 1، هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت (عليهم السّلام) عمّن سواهم، وعلى ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.
والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحجّ وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) وشيعتهم.
وتفرّدت أدعية أهل البيت (عليهم السّلام) في المحتوى والمقاصد، والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم ؛ فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم. فأين الثرى وأين الثريّا؟
وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين (عليه السّلام) على سرّ هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.

  1. قال (عليه السّلام): ” أعجز النّاس مَنْ عجز عن الدعاء، وأبخل النّاس مَنْ بخل بالسّلام”2.
  2. وجاء عنه أنّه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو: ” اللهمّ إنّك تَرى ولا تُرى، وأنت بالمنظر الأعلى، وإنّ إليك الرجعى، وإنّ لك الآخرة والاُولى. اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزى”3.
  3. من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله (عليه السّلام): ” اللهمّ لا تستدرِجني بالإحسانِ، ولا تؤدِّبني بالبلاء”4. وقال في معنى الاستدراج: ” الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ ويَسْلُبَه الشُكرَ”5.
  4. ومن أدعيته في قنوته: ” اللهمّ مَنْ آوى إلى مأوى فأنتَ مأوايَ، ومَنْ لجأ إلى مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ. اللهمّ صلّ على محمّد وآلِ محمّد، واسمع ندائي، وأجب دُعائي، واجعل مآبي عندك ومثوايَ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان، ولُمَّةِ الشّيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين، ولا واردُ طيف بتظنين، ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتّى تقلبني إليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون، ولا مُراب ولا مُرتاب، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ”6.
  5. وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: ” اللهمّ منك البدءُ ولك المشيئةُ، ولك الحولُ ولك القوّةُ، وأنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ. جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ، ومكمَناً لإرادتكَ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ، فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، وأبَدأتَ من إرادتك على ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك، وتدعو إليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ على ما منه أريتني، وإليه آوَيتني”.
  6. وله دعاء يُسمّى بـ (العشرات).
  7. وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو: ” إلهي، أنعمتني فلم تجدني شاكراً، وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ. إلهي، ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ”7.
  8. وروي أن شُريحاً دخل مسجد الرّسول (صلّى الله عليه وآله) فوجد الحسين (عليه السّلام) في المسجد ساجداً يُعفِّر خدّه على التراب وهو يقول: ” سيّدي ومولاي، ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي، لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك. سيّدي، انّ طاعَتي لا تنفعُك، وَمعصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك، واغفر لي ما لا يضرّك؛ فإنّك أرحم الراحمين”8.
  9. وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: ” اللهمّ ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ، والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ، التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخِل عليهم رَوْحاً منك وسلاماً مِنّي”. وقال (عليه السّلام): ” إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم السّاعةُ حسنات”9.
  10. ومن دعائه في الصّباح والمساء قوله: ” بسم الله الرحمن الرحيم. بسم الله وبالله، ومن الله وإلى الله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله، وتوكّلت على الله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللهمّ إنّي أسلمْتُ نفسي إليك، ووجّهت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك، إياك أسألُ العافية من كلّ سوء في الدنيا والآخرة. اللهمّ إنّك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك، فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ، واجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً؛ إنّك تعلمُ ولا أعلم، وتقدرُ ولا أقدِر، وأنت على كلّ شيء قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين”10.
  11. وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين (عليه السّلام) فهو من غرر الأدعية المطوّلة، والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه على الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة، وقد أشرنا إلى مقاطع منه في بحوث سابقة. وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء: ” الحمد لله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه! لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطّرتا، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد! الحمد لله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّى الله على خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين. اللهمَّ اجعلني أخشاك كأنّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخرْ لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّى لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت”11 12.
  • 1. القران الكريم: سورة الفرقان (25)، الآية: 77، الصفحة: 366.
  • 2. بحار الأنوار 93 / 294.
  • 3. كنز العمال 8 / 82، ومسند الإمام أحمد 1 / 201.
  • 4. بحار الأنوار 78 / 128.
  • 5. تحف العقول / 175.
  • 6. نهج الدعوات / 49.
  • 7. إحقاق الحق 11 / 595.
  • 8. المصدر السابق 11 / 424.
  • 9. مستدرك الوسائل 2 / 373 ح 2323.
  • 10. مهج الدعوات / 157.
  • 11. بحار الأنوار 98 / 218 – 219.
  • 12. من کتاب الإمام الحسين (عليه السّلام) سيد الشهداء، تاليف لجنة من الكُتاب بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى