إسئلنا

دور الشباب…

‏أولى الإسلامُ الشبابَ إهتماماً خاصّاً، لافتاً إلى أهمية دورهم في مجتمعاتهم ومستقبل أُمَّتهم.

ولعلَّ الإسلام لا يُوافق على كثير من المسلَّمات العالمية التي باتت مقدَّسة، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، ضمن إطار الاتفاقيات والمعاهدات المعولمة، والتي يندرج قسمٌ كبير منها بقرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف… ومن بينها اعتبار من دون الثامنة عشرة من بني آدم، طفلاً، فيُتعاملُ معه على هذا الأساس!‏

الشباب في الإسلام‏‏

الشباب في دين اللَّه جلَّ جلاله يتحمَّل مسؤولية كاملة تجاه بارئه تبارك وتعالى فيما يُصطلح تسميته «بالتكليف الشرعي»، فيُصبح موضع توجهٍ للقيام ببعض الأمور وترك بعضها على سبيل الإلزام، على أن يُعاقب في حال المخالفة، دنيوياً وأخروياً، ومن جملة ذلك، القيام بالأدوار الاجتماعية المختلفة، والعبادية، والإنقاذية والتطوعية، والسياسية، والجهادية، وطلب العلم، والمؤازرة، وسائر أنواع ما يُمكنه تحمُّله تحت عنوان «التكليف الشرعي» في حال البلوغ والقدرة وسائر الشروط الأخرى…‏

من هنا يُمكن للمتمعِّن والضليع في الأحكام الإسلامية الإلهية أن يرى بوضوح وتمييز أن الشاب، من وجهة نظر إسلامية، ليس طفلاً صغيراً ساذجاً تافهاً مهمَّشاً، همُّه بطنه وطلباتُه ولِعَبُهُ وعبثه «وتضييعُ وقته» ومَنْ يُسيِّر شؤونه، وبتعبيرهم «مراهقاً»، يعيش على هامش تطورات وأخطار الحياة، ومصير أمَّته.‏

بل على العكس تماماً، الشباب في الإسلام، له دوره الفاعل والحاسم والمتقدِّم، فنراه دائماً في الطليعة الجهادية، والمقدَّمة الميدانية، يُحيط بقضايا الأمة الأساس، كما كان ذلك في الرعيل الأول، وكلِّ تاريخ الإسلام والأولياء والصلحاء، إلى يومنا هذا، حيث شهدنا العمود الفقري للمقاومة الإسلامية الميدانية منذ أواسط الثمانينات، وعمليَّاتها الفاصلة، حتى أيامنا هذه بعد التحرير والظفر، من خلال حضور الشباب في كافة أشكال ووجوه صيانة الإسلام.‏

وليس هذا مستغرباً إلاَّ لِمَن يجهل الإسلام، أو مُستنكراً إلاّ لِمَنْ يُبغض دينَ اللَّه تبارك وتعالى.‏

فالشاب الذي أراده دينُ اللَّهِ الخاتم، هو:‏

1. المتَّزن، المنضبط، الجاد، الهادى‏ء، الحكيم، الذي لا ينصرف إلى شكله ومظهره وشعره، والحركات المشبوهة، والتصرفات المستنكرة… كما هو شائع، بل ومطلوب في عالم اليوم، المتخم بالتحرر، إلى حدِّ الانتحار!‏

ورد في الحديث عن قدوة شبابنا رسول اللَّه محمد (ص) قوله: «خير شبابكم مَنْ تشبَّه بكهولكم».‏

2. الملتزم، المتعبِّد، الساعي إلى رضا اللَّه جلَّ جلاله، الذي يقضي وقته فيما يُفتخر به في الآخرة، ولا يُخجل منه في الدنيا.‏

في الحديث عن رسول اللَّه (ص): «ما من شاب يَدَعْ للَّه الدنيا ولَهْوَها، وأهرم شبابَه في طاعة اللَّه، إلاَّ أعطاه اللَّه أجر اثنين وسبعين صدِّيقاً».‏

وعندما أظهر أمير المؤمنين (ع) أَلَمَهُ من فساد الزمان، أشار إلى الشباب السيِ‏ء الخُلُق، تماماً كزماننا هذا، كمظهرٍ للانحراف المضيِّع للطاقات والدور المأمول، فهو زمان «القائلُ فيه بالحق قليل، واللِّسان عن الصدق كليل… أهلُهُ معتكفون على العصيان، مصطلحون على الادهان، فتاهم عارم» )شرس سيِ‏ء الخلق قارن كلام الإمام (ع) بما نحن فيه اليوم1.‏

3. المقبل على التفقه، المحصِّلُ للعلم النافع الذي يحتاجه في سائر مواقع حياته «فالعلم في الصغر ، كالنقش في الحجر» كما عن أمير المؤمنين (ع).‏

والشاب الذي لا يتعلَّم2، يُنكِرُ الإسلام عليه ذلك، فالشاب المسلم إما طالبٌ للعلم وإمَّا معطٍ له إنْ كان أهلاً لذلك.‏

رُوي عن الإمام الباقر (ع) قوله: «لو أُتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقَّه، لأدَّبْتُه».‏

وعن مولانا الصادق (ع): «لستُ أُحبُّ أن أرى الشاب منكم إلاَّ غادياً في حالين: إمَّا عالماً أو متعلِّماً، فإنْ لم يفعل فرَّط، فإنْ فرَّط ضيَّع، فإنْ ضيَّع أَثِم، وإنْ أثم سكن النار، والذي بعث محمداً بالحق».‏

4. المُسخِّر لطاقته وحيويَّته ونشاطه وقوته في سبيل اللَّه تبارك وتعالى، وهذا دليل إدراكٍ لمعنى الشكر الحقيقي الذي ليس هو لَقْلَقَهُ لسان فقط كما يظن البعض، بل أعلى درجات الشكر الذي يُديم النِّعم، استعمالُ كلِّ العطايا الربانية في ما يُرضي اللَّه عزَّ وجلَّ.‏

وهذا من علامات عمق الإيمان، فكُلَّما ابتعد الشاب عن المعصية والتزم بما يرضى الخالق تعالى ويُحب، كُلَّما كان كبير الإيمان ثابت الجنان.‏

رُوي عن مولانا رسول اللَّه (ص): «إنَّ اللَّه يُحبُّ الشاب الذي يُفني شبابه في طاعة اللَّه».‏

وعنه (ص): «إنَّ أحبَّ الخلائق إلى اللَّه عزَّ وجلَّ شابٌ حَدَثُ السِّن في صورةٍ حسنة، جعل شبابه وجماله للَّه وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً».‏

5. الغيور الشاب المسلم غيور لا يرضى الاعتداء على مقدَّساته وحرماته ثم يجلس ساكتاً لا يُحرِّك ساكناً، فضلاً عن أن يكون راضياً أو مبتسماً… كما يحدث في المجتمع في هذا الزمان.‏

فالشاب المسلم لا يغضُّ الطَرْف عن العدوان، خاصة على المقدَّسات والأعراض… وفي هذا المجال، معروفةٌ فتوى العلماء رضوان اللَّه عليهم، في مَنْ مات دون ذلك فهو شهيد.‏

رُوي عن سيدنا رسول اللَّه (ص): «إنَّ اللَّه ليُبْغِضُ الرجلَ يُدْخَلُ عليه في بيته فلا يُقاتل».‏

وعنه (ص): «كان إبراهيم أبي غيوراً، وأنا أغير منه، وأرغم اللَّه أنف مَنْ لا يغار من المؤمنين».‏

وهذا كلُّه من علامة أهل الإيمان، وفي النص الشريف «إنَّ الغيرة من الإيمان».‏

وربَّما يجهل الكثيرون، خاصةً في هذه الأيام، أنَّ الغَيْرة واجبةٌ على الرجال3، وهذا للأسف ناتج عن حالة التفلُّت التي نراها عبر وسائل الإعلام، وكثرة الاعتداءات والشواذات، واعتياد المفاسد، وشياع الاختلاط والمفاكهة بين الرجال والنساء، في الجلسات المنزلية أو العامة، بل في وسائل الإعلام كذلك، مع تحفُّظ الإسلام على ذلك.‏

6. الحياء، من صفات الشاب المسلم، وهو من أبرز صفات سيدنا رسول اللَّه (ص)، خاصة في الكلام واللِّباس، وهما أمران يستحبَّان اليوم بشكل أكيد.‏

فمخالفة الحياء قولاً شائع من خلال السُّباب والشتائم والكلمات المحرَّمة التي تُطلق علناً في الشوارع والأماكن العامة وبصوت عالٍ، دون خجل.‏

«ولا إيمان لِمَنْ لا حياء له».

ومن جملة ابتلاءاتنا، أنَّ بعض هذه الكلمات آخذةٌ بالانتشار والشياع في بعض البرامج التلفزيونية والنشاطات المسرحية، حيث تُسمى الأشياء بأسمائها، تحت عنوان الحرية والانفتاح وإضحاك الجمهور… ويُنسب منكرُ ذلك إلى «التزمُّت والظلامية»!‏

أما مخالفة الحياء في اللباس، فمن جملة مظاهره لبس «الشورت» للشباب والتجوُّل به في الأسواق، أو الوقوف على الشرفات، أو إظهار أكثر الجسم، أو لبس الثياب الضَّيِّقة الشفَّافة، أو فتح الأزرار ليُظهر الصدر… «ومَنْ لم يستحِ من النَّاس، لم يستح من اللَّه سبحانه».‏

فالحياء من صفات الشاب المسلم، لأنَّ رسول اللَّه (ص) كان أشدَّ حياءً من الفتاة في خدرها، وإنْ كنا في زمان يعتبر البعض الحياء «عقدة نفسية»، وتركه انفتاح وجرأة!!!‏

وصدق اللَّه العظيم القائل:﴿ … وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ 4.‏

7. نُصرة الإسلام هي القضية الأساس والهدف الأسمى للشاب المسلم الذي يكون دوماً مستعداً للتضحية والجهاد في سبيل اللَّه، وهو يعلم أنَّه بقدر ما نكون أقوياء بقدر ما نحافظ على وجودنا وحقوقنا واستقلالنا… وفوق كل شي‏ء ديننا.‏

ورُوي عن أمير المؤمنين (ع) «تسلَّحوا ولو بشبر من حديد»، وهو الذي كان له بيتٌ ليس فيه إلاَّ مصحف… وسيف.‏

8. يُحبُّ المستحبات والسُّنن ويتقيَّد بها ويحرص عليها، وهدا تعبير عن حبِّه لرسول اللَّه (ص)، وإنْ لم يلتزم شبابُ الإسلام بها، فَمَنْ يكون لها؟!‏

وفي الحديث الشريف: «ومَنْ أحيا سنَّتي فقد أحياني، ومَنْ أحياني كان معي في الجنَّة».‏

والسُّنة والآداب تكون في قيامه وقعوده، وعند نومه، وفور استيقاظه، وعند طعامه وجلساته ومشيته وعباداته… وأن يبقى دوماً على وضوء، ويُصلِّي الصلاة في أول وقتها5.‏

رُوي عن مولانا أمير المؤمنين (ع) علي بن أبي طالب (ع) قال: «… واقتدوا بهَدْي نبيِّكم، فإنَّه أفضل الهدي، واستنُّوا بسُنَّته، فإنَّها أهدى السُّنن»6.‏

ويقول (ع): «أوِّه على إخواني الذين تَلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبَّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السُّنَّة، وأماتوا البدعة، دُعُوا للجهاد فأجابوا، ووثِقوا بالقائد فاتَّبعوه»7.‏

هذه بعض صفات الشباب المسلم الذين نأمل أن يفتح اللَّه على أيديهم الفتح المبين، وأن يُنجيِّ الضالين منهم من كيد الكافرين وعاداتهم ومسلكهم.8.

  • 1. نهج البلاغة، الخطبة 223.‏
  • 2. مفهوم «العلم» المقصود في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ والأحاديث الشريفة، مختلف تماماً عمَّا هو شائع اليوم، وما يُستشهد به في المناسبات… والأمر بحاجة إلى حديث مستقل.‏ونفس الكلام يَرِدُ في مفهوم العقل، التمدُّن، الحضارة، التجديد، الحداثة…‏
  • 3. انظر «وسائل الشيعة» الجزء 14، ص‏107، باب 77.‏
  • 4. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 15، الصفحة: 351.
  • 5. يُراجع «مستحبات وسُنن» و «أخلاق النَّبي» و «آداب السلوك» وهي موجودة في المكتبات.‏
  • 6. نهج البلاغة المبارك، الخطبة 110.‏
  • 7. المصدر نفسه، الخطبة 182. «آداب السلوك» وهي موجودة في المكتبات.‏
  • 8. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى