نص الشبهة:
فإن قيل فما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: “ان الله خلق آدم على صورته”، أو ليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه وان له تعالى عن ذلك صورة؟
الجواب:
قلنا قد قيل في تأويل هذا الخبر أن الهاء في قوله في صورته، إذا صح هذا الخبر راجعة إلى آدم (ع) دون الله، فكان المعنى انه تعالى خلقه على الصورة التي قبض عليها، وأن حاله لم يتغير في الصورة بزيادة ولا نقصان كما تتغير أحوال البشر.
وذكر وجه ثان: وهو ان تكون الهاء راجعة إلى الله تعالى، ويكون المعنى انه خلقه على الصورة التي اختارها واجتباها، لان الشئ قد يضاف على هذا الوجه إلى مختاره ومصطفيه.
وذكر أيضا وجه ثالث: وهو ان هذا الكلام خرج على سبب معروف لان الزهري روي عن الحسن أنه كان يقول: مر رسول الله صلى الله عليه وآله برجل من الأنصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول قبح الله وجهك ووجه من تشبهه، فقال النبي صلى الله عليه وآله بئس ما قلت، فإن الله خلق آدم على صورة المضروب.
ويمكن في هذا الخبر وجه رابع: وهو ان يكون المراد ان الله تعالى خلق صورته لينتفي بذلك الشك في أن تأليفه من فعل غيره، لان التأليف من جنس مقدور البشر، والجواهر وما شكلها من الأجناس المخصوصة من الاعراض التي ينفرد القديم تعالى بالقدرة عليها. فيمكن قبل النظر ان يكون الجواهر من فعله، وتأليفها من فعل غيره.
ألا ترى انا نرجع في العلم من أن تأليف السماء من فعله تعالى إلى السمع، لأنه لا دلالة في العقل على ذلك. لما نرجع في أن تأليف الإنسان من فعله تعالى في الموضوع الذي يستدل به على أنه عالم من حيف ظهر منه الفعل المحكم، إلى ان يجعل الكلام في أول إنسان خلقه، لأنه لا يمكن أن يكون مؤلفه سواه إذا كان هو أول الاحياء من المخلوقات. فكأنه عليه السلام اخبر بهذه الفائدة الجليلة وهو أن جواهر آدم عليه السلام وتأليفه من فعل الله تعالى.
ويمكن وجه خامس: وهو ان يكون المعنى ان الله تعالى انشأه على هذه الصورة التي شوهد عليها على سبيل الابتداء، وأنه لم ينتقل إليها ويتدرج كما جرت العادة في البشر. وكل هذه الوجوه جائزة في معنى الخبر والله تعالى ورسوله أعلم بالمراد 1.
- 1. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء: 176 ـ 177 .