نور العترة

تساؤلات في مسألة الخلافة بعد رسول الله …

غالبية المسلمين يظنون – بل يعتقدون – أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعين أحدا ليكون خليفةً من بعده، وترك مسألة اختيار الخليفة الى الناس فلم ينص على أحد بتوليه الخلافة وليس في ذلك نصاً صريحاً، ولقد توفي النبي و ترك امته بلا خليفة!

و أن الصحابة – و بالأحرى أن نقول بعض الصحابة – هم الذين تشاوروا و اتفقوا على إختيار أبي بكر خليفة بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم اجمع المسلمون على هذا الاختيار بعد ذلك 1. و من ثم تم تنصيب عمر بن الخطاب خليفة من قِبَل الخليفة الاول ابوبكر؛ و بعد موت الخليفة الثاني تم اختيار الخليفة الثالث على يد جمع من الصحابة اختارهم الخليفة الثاني ليعينوا الخليفة من بعده.
لماذا لم يعين النبي لنفسه خليفة ؟
هنا سؤال يطرح نفسه و هو أنه: لماذا لم يختار النبي (صلى الله عليه وآله) خليفته بنفسه؟!
نعم ! لماذا لم يعين خليفةً لنفسه ليمثله و به كان ينهي جميع الخلافات المحتملة التي قد تحصل بعده؟! والتي قد حصلت و تسببت في شرخ عظيم في كيان و جسم الامة الاسلامية إلى يومنا الحاضر؟ لماذا لم يفعل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) كما فعل الخلفاء من بعده؟! هل كان (صلى الله عليه وآله) – و العياذ بالله- أقل تدبيراً منهم؟! أم أقل معرفة منهم بحال الصحابة ؟!
من حق كل مسلم أن يتساءل مستغرباً فيقول: لماذا لم ينصب النبي حال حياته أميرا يتولى قيادة الامة ليقودهم الى الفلاح، و يقيم الحق بين المسلمين و يقوم الناس بالقسط؟!
وكيف يمكن أن يهمل النبي أمر تعيين الوصي الذي يتولى تطبيق وصاياه في أمته من بعده؟! و كيف يُعقل أن يترك المسلمين بلا وصية ولا وصي و لا خليفة هملا – والعياذ بالله -؟!
حقيقة مسألة الخلافة
والآن بعد هذه التساؤلات فهل لنا أن نتسائل عن حقيقة الخلافة ؟!
أيها القارئ العزيز! تعال معي لنبحث عن الجواب و عن الحقيقة وإن كانت مرة، ولندرس الموضوع بعقلانية و بذهنية خالية بعيدة عن التعصبات و الانحيازات مهما كانت النتيجة، طلبا للحقيقة، ذلك لأن من أراد الحقيقة وصل إليها والله خير معين:
حكم العقل بضرورة الاستخلاف
إن كان لديك شيء ثمين في غاية الأهمية، كما لو كانت لك حقيبة مملوءة بالنقود والذهب أو فيها مستمسكات مهمة أو ما شابه ذلك، و كنت تريد الذهاب إلى بلد بعيد فتغيب فترة غير قصيرة فماذا تفعل ؟ هل تتركه في مكانه؟! ام تخبئه في مكان آمنٍ، بعيد عن متناول اللصوص؟! أم تودعه الى شخص أمين يحافظ عليه، ولعلك توصيه بما ينبغي أن يفعله من أجل المحافظة عليه والاهتمام به لزيادة الاطمئنان على سلامة ما تودعه عنده؟!
من الطبيعي أنه كلما زادت أهمية الودعية زاد اهتمامنا وحرصنا على اختيار الشخص الأنسب و الأكثر أمانة و جدارة بتحمل هذه المسؤولية و طريقة حفظه لها، هذا شأن جميع العقلاء رغم اختلاف أذواقهم و مشاربهم الفكرية.
و الآن تعال لنفكر قليلا  فنناقش مسألة الاستخلاف بعيدا عن العصبيات المذهبية أو الإنحياز الى جهة فنتساءل و نقول:
كيف يمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وهو العقل الكامل و الانسان النموذجي والصادق الأمين الذي إئتمنه رب العالمين على الرسالة الإلهية و مصالح الدين والدنيا والامة، قد ترك أمر قيادة الامة واستمرارية إمامتها وهي في بادئ أمرها والأمور لم تستحكم بعد دون تعيين الخليفة و الامام و الوصي والقائم بالاعمال؟ خاصة وأنه صلى الله عليه وآله قد بذل الغالي و الرخيص من أجل هذه الرسالة الثمينة، وأنه عليه السلام عانى الكثير من أجل الحفاظ على سلامة هذا الدين و هذه الأمة من الانحراف؟ نعم كيف يعقل أن يهمل رسول الله هذا الجانب وهو الأهم من غير تدبير؟
تعيين الخليفة
إن من المتوقع من الرسول صلى الله عليه وآله وفقا للقواعد العقلية ومن منطلق المصلحة الدينية والاجتماعية ومن باب الشفقة و الرحمة على الذين آمنوا به و برسالته أن لا يتركهم سدى، بل يقوم بتعيين الخليفة الذي يقوم بأعباء المسؤولية و يتولى قيادتهم من بعده 2. و كيف يُعقل أن يترك الناس ليختاروا لأنفسهم من يتولى أمر دينهم و دنياهم خليفة للرسول، وهل كان هو صلى الله عليه وآله عاجزاً عن ذلك 3؟! و هل يصح أن يقوم الناس بتعيين الخليفة للرسول وهو لم يعين – حسب زعمهم – فيقوموا هم بهذا الدور وبحسب معاييرهم وأهوائهم ويبايعوه بعد ذلك؟4، أم  كيف يعقل أن يترك الرأي للقوم ليقوموا بتعيين الخليفة و فرض طاعته و مبايعته؟ 5 أم كيف يهمل قضية الخلافة بالكامل! 6 ويترك الناس و الأمة و الدين، و كل ما اجتهد من أجله وبذل قصارى جهده لتحقيقه، فيترك الامور المهمة عرضة للفساد والانهيار خلافاً للحكمة الالهية و المصلحة العامة و ما جاءت به الأديان السماوية و الدين الاسلامي الحنيف ﴿ … لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ … ﴾ 7 ؟!
لا يسعنا إلا أن نقول: حاشا لرسول الله أن يفعل هكذا ويترك الأمة و الدين سدى !!

خلاصة للقول
لا شك و أن من يراجع التاريخ الإسلامي و ينظر إليه بمنظار نقي و يتمعن في الأحداث والوقائع التي حصلت بعد وفاة سيدالمرسلين بنزاهة و بعيدا عن الرواسب الفكرية الحاصلة في الأذهان جراء التأثر بما يُملى على الإنسان في المنزل و المدرسة و المجتمع، لوَجَد نفسه أمام تساؤولات كثيرة نختصرها كالتالي:
*هل يُعقل أن شخصا كرسول الله (ص) وهو المسدد من قبل الله تعالى و أعقل الناس و أعلمهم أن يترك أمته هملاً و لا يعين من يتولى أمورهم، خاصة و هم محاطون بألد الأعداء (كالفرس والروم)، خارج بلاد المسلمين، و وجود المنافقين داخل بلاد المسلمين وكلهم كانوا للإسلام بمرصد؟!
*هل من المعقول أن شخصا كرسول الله (ص) الذي عانى ما عانى طوال 23 سنة وبذل الرخيص و الثمين في أداء حق رسالته الإلهية، أن يتركها بعد موته ولم يخلّف خليفة بعده ليكمل مشواره السماوي؟.
*هل من المعقول أنّ رسول الله (ص) الذي شاهد اختلاف الصحابة فيما بينهم وتخلّفهم عن أوامره بأمّ عينيه 8، ترك رسالته بين قومٍ اتهموه بالهجر قبل وفاته! 9
*هل من المعقول أن رسول الله (ص) الذي أمر المسلمين بالوصية قبل الوفاة، أن لا يبادر هو بالوصية فيرحل عن الدنيا بلا وصية وبلا وصي؟! خلافاً لما أوصى به القرآن الكريم ؟!
*وهل من المعقول أن يترك الحكومة الإسلامية و النظام الإسلامية الفتية والأمة الإسلامي و الأمور الدين بلا راع ولا أمير؟
كيف يمكن قبول هذه الفرضية و أن الرسالة الإلهية التي ألقى مسؤوليتها الله سبحانه وتعالى على عاتق رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله هي أهم وأعظم شيء عند رسول الله (ص)، ولقد بذل كل ما لديه  وضحى بكل غال و رخيص من أجل إعلاء كلمة و نشر كلمة التوحيد وبسط العدل والحرية ليعيش الإنسان تحت ظل ما جاء به معززاً مكرماً، ولقد كلفه أمر تبليغ هذه الرسالة الكثير فصمد وضحّى دون أن يتهاون حتى لحظة واحدة، ولم تثني عزمه التهديدات والتطميعات المعروضة عليه طوال فترة حياته الرسالية،  ولقد قال لعمه في جواب ما عرض عليه لترك أمر الدعوة: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركت الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه 10.
من الواضح أن الناس لا يقبلون حصول مثل هذا من أي انسان عادي فكيف يمكن أن قبول أن يكون سيد الأنبياء والمرسلين وأشرف الخلائق أجمعين يتسامح في أمر كهذا؟!
هذا واذا راجعنا التاريخ الاسلامي نرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله دأبه الاستخلاف عند خروجه من المدينة حتى لبعض الوقت حيث لم يخرج من المدينة يوما إلا وقد استخلف شخصا عليها 11.
فكيف يُتّهم بترك الأمة الاسلامية والدين الحنيف وهو المرجع الإلهي الوحيد للبشرية جمعاء، بلا خليفة و لا أمير ولا مرشد، و هو يعلم أن ذهابه هذا لا رجوع له أبدا.
الرأي الآخر
و هنا رأي آخر تقول به الشيعة الامامية ولها أدلتها خلاصته هو أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يترك أمور الدين والأمة إلى الناس بل أوصى وعيّن خليفته من بعده وبيَّن ما يلزم بيانه واستخلف ابن عمه علي بن أبي طالب على أمته، وهذه النظرية جديرة بالتأمل الدقيق و تستحق دراسة معمقة لتتضح معالمها بعون الله وتوفيقه.
*****************************
1. راجع على سبيل المثال: منهاج السنة النبوية لابن تيمية.
2. كما يعتقد الشيعة في تعيين الامام علي (ع) و الأئمة من بعده كأوصياء رسول الله حيث تم تعيينهم من قبل رسول الله (ص) و قد استشهدوا على ذلك بنصوص مأثورة منه (ص).
3. وهذا من عجيب القول أن نسمي من لم ينتخبه رسول الله (ص)، خليفة له.
4. وهذا هو رأي أهل الجماعة و السنة في طريقة تعيين الخليفة الأول ابي بكر.
5. كما يدعي اهل السنة في تعيين الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
6. كما يدعي البعض و ينسب هذا الفعل للرسول (صلى الله عليه وآله).
7. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 213، الصفحة: 33.
8. تخلف الصحابة عن الالتحاق بجيش اسامة و الكذب عليه ( و قد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس فقد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار. (وقد نقل هذ الحديث الفريقين باختلاف يسير، حتى وصل الى حد التواتر)) و ترك المعركة في غزوة احد و النبي في خطر و …
9. راجع: الطبقات الكبرى ج2 ص242 حيث منع الرسول من الكتابة ولم يُستجب في طلبه الدواة والقلم ليكتب.
10. السيرة النبوية ج2 ص 101 و راجع سيرة ابن اسحاق ج2 ص 135.
11. راجع السير و الكتب التاريخية التي ذكرت استخلاف النبي على المدينة في غزواته المختلفة، كاستخلاف ابن ام مكتوم، و سعد بن عباده و مولاه زيد بن حارثه و علي بن ابي طالب.

المصدر : مرکز الإشعاع الإسلامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى