التاريخ الإسلاميالتعليمالجهاد و الشهادةالفكر و التاريخسادة القافلةمقالات

تحرير القدس – حتمية الهية…

للقدس في قلوب وعقول أبناء الأمة الإسلامية مكانة متميزة جداً لأسبابٍ عقائدية ودينية وتاريخية، فهي تضمّ المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى التي صلّوا إليها قبل تحويل القبلة إلى الكعبة المشرّفة، وهي منتهى رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهي مبدأ رحلة معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماوات العلى، وفيها صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إماماً في مجموعةٍ من أنبياء الله العظام، وهي أرض مباركة مقدّسة بدليل قوله تعالى:﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ … ﴾ 1.

والقدس في نظر المسلمين ليست مكاناً جغرافياً فحسب، بل هي محفورة في القلوب كأحد أهم الأماكن قدسية في الإسلام، ولا تقلّ مرتبتها عن مكّة والمدينة اللتين فيهما المسجد الحرام والكعبة المشرّفة والمسجد النبوي، ولذا ورد في الحديث عن الإمام علي بن أبي طالب :(أربع من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسجد بيت المقدس ومسجد الكوفة)‌2.

ولا تقتصر مكانة القدس على المسلمين فقط، بل هي كذلك عند المسيحيين واليهود أيضاً، وقد حكى الله في قرآنه الكريم قوله للنبي موسى (عليه السلام) وقومه:﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ 3، ولذا ورد في العديد من الأحاديث أنّ “بيت المقدس” هو بيتٌ بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء، وليس فيه من موضع شبر إلاّ وقد صلّى فيه نبي أو أقام فيه ملك كما روي عن ابن عباس.

ولقد تعرّضت القدس عبر التاريخ لمحنٍ ومصائب كثيرة قبل الإسلام وبعده، ويكفي أن نذكر الإحتلال الصليبي لها بحجّة أنّهم يريدون تأمين المدينة للحجاج المسيحيين القادمين إليها لزيارة أماكنهم المقدّسة ككنيسة القيامة وكنيسة المهد، لكنّهم ارتكبوا فيها الجرائم الفظيعة التي حاولوا الإعتذار عنها في هذا الزمن وقد جاءوا إلى بلادنا للقيام بهذه المهمة، وقد تمكّن المسلمون من تحريرها من أيديهم لتعود واحة أمنٍ وسلام لكلّ أهل الأديان السماوية.

واليوم تعاني القدس من الإحتلال الصهيوني البغيض الجاثم فوق ترابها الطاهر، ويعمل على إزالة كلّ المقدّسات غير اليهودية، ويدّعي بأنّ القدس هي عاصمة دويلة إسرائيل الغاصبة إلى الأبد، وأنّ المسجد الأقصى مبنيٌّ على أنقاض هيكل سليمان النبي (عليه السلام)، مع أنّهم أقاموا الحفريات تحت المسجد ولم يعثروا إلى اليوم على أيّ دليلٍ مهما كان يثبت مزاعمهم وادعاءاتهم الكاذبة والباطلة.

واحتلال الكيان الغاصب للقدس صائر إلى الزوال حتماً ومن كلّ فلسطين الحبيبة والأبية، وهذا الوعد إلهي المنشأ والمصدر، وثابتٌ في القرآن الكريم من خلال الآيات الموجودة في سورة الإسراء، والتي سوف نقف معها ونفسّرها لكي تتبيّن هذه الحقيقة بوضوحٍ كامل.

وتقول تلك الآيات :﴿ وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ 4.

تشير هذه الآيات الكريمة إلى مجموعة حقائق قرآنية لا بدّ من التسليم بها لأنّ القرآن هو كتاب الله المنزل الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه.

الحقيقة الأولى- “الإفساد الأول”: وقيل بأنّه عبارة عن قتل اليهود لنبي الله “أشعيا” (عليه السلام)5، وقيل بأنّ قتلهم لنبي الله زكريا (عليه السلام)6، وقيل بأنّه قتل النبي زكريا، وحبس النبي “أرميا”7، ولا شكّ أنّ أيّ واحدٍ من هذه الإحتمالات هو جريمة منكرة وفساد كبير، وقد يكون احتمال الإفساد الأول هو ارتكاب كلّ تلك الجرائم، لأنّ تاريخ اليهود مليء بقتل الأنبياء (عليهم السلام)، حتّى ورد أنّ النبي يحيى (عليه السلام) قُتل وأهدي رأسه إلى بغيٍّ من بُغاة إسرائيل، وقد يشمل الإفساد الأول أيضاً جريمة تحريف التوراة والإضافة عليها أو الإنقاص منها بما يخدم مصالح اليهود وأهدافهم الفاسدة والمُضلّة، مُضافاً إلى جريمة أكل الربا وفعل المنكرات كما قالت الآية الكريمة:﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ 8.

أو كما في قوله تعالى:﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ … ﴾ 9 وكذلك في قوله عزّ وجلّ:﴿ … وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ … ﴾ 10.

فالمستفاد من مجموع هذه الآيات أنّ الإفساد الأول كان مُشتملاً على كلّ الجرائم التي ذكرناها ولذا كان لا بدّ من وضع حدٍّ لإفسادهم وتدميرهم للحياة الدينية والدنيوية للبشر، لأنّ تركهم من دون عقاب رادع سوف يجعلهم أكثر إفساداً في الأرض، وهذا ما يُخالف بوضوحٍ الهدف الإلهي من خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض ينشر فيها العبادة والإعمار بما ينسجم مع ما أراده الله سبحانه وتعالى.

الحقيقة الثانية-” العقاب الأول”: وهنا نجد أيضاً الإختلاف الكبير حول ماهية العباد الذين سلّطهم الله على بني إسرائيل وأنزلوا فيهم العذاب الأول، فقيل هم الكلدانيون في زمن نبوخذ نصر، وقيل بأنّهم “جالوت” و”جنوده”، وقيل بأنّهم “العمالقة”، وقيل غير ذلك أيضاً ممّا نجده في التفاسير المختلفة لهذه الآية، لكن الذي يبدو من ظاهر الآية الكريمة حيث تقول :﴿ … بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا … ﴾ 11بأنّ المبعوثين هم من العباد المؤمنين لأنّ الله تعالى قد نسبهم إليه مباشرة، ولا يُعقل أن ينسب الله غير المؤمنين به والملتزمين نهجه إليه، وهذا ما يفيدنا بأنّ الذين بعثهم الله لعقاب بني إسرائيل هم عبادٌ مؤمنون، وهذا لم يتحقّق إلاّ في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما حارب اليهود بسبب نكثهم العهود وتحالفهم مع قريش ضدّ الإسلام ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومواصفات العباد المؤمنين لا تطبّق على نبوخذ نصر أو العمالقة أو “جالوت” وجنوده، بينما تنطبق على النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من الرعيل الأول من المسلمين الذين حاربوا اليهود وانتصروا عليهم في معارك عديدة كما في غزوات بني قريظة والقينقاع والنضير وخيبر، حيث جاس المسلمون خلالها ديار اليهود فأذلّوهم وقتلوهم وسبوهم وفرضوا عليهم الجزية، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بإخراج من تبقّى من اليهود من الجزيرة العربية، ولعلّ آية﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا … ﴾ 12صادقة كثيراً في هذا المجال، وهي أقرب إلى الواقع وتسلسل الأحداث التاريخي من أيّ احتمالٍ آخر.

وما يؤيّد هذا التفسير والإحتمال هو أنّ اليهود كان لهم مجتمعٌ متكامل في المدينة المنوّرة ولم يكونوا شرذمة أو مجموعة صغيرة، وكانت لهم كلمتهم ودورهم الذي هو استمرار لديدنهم في الإفساد، ويكفي ما تآمروا به ضدّ الإسلام كمثالٍ على نكث الوعود ونقض العهود.

ومن هنا يمكن القول بأنّ العقاب الأول كان في زمن الإسلام، وتحديداً في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هزم اليهود وأذلّهم، وما يؤيّد هذا الإحتمال أيضاً أنّ دخول المسجد الأقصى في زمن الخليفة عمر لم يكن لتطهيره من اليهود بل من البيزنطيين الذين كانوا يحتلّون فلسطين آنذاك وكلّ بلاد الشام، وذلك لأنّ آيات العقاب الأول لا تشير إلى دخول المسجد صراحة، بل تشير إليه بشكلٍ غير مباشر في عقاب الإفساد الثاني، وهذا ما لعلّه يفيد بأنّ المسجد لم يكن تحت يد اليهود وسيطرتهم أثناء العقاب الأول، وإن كان المسجد تحت سيطرتهم كما سوف يتّضح عند التعرّض للعقاب الثاني الذي سيأتي ذكره.

الحقيقة الثالثة- الإفساد الثاني: ولا بدّ هنا من التمهيد بمقدمة وهي أنّه بعد حصول العقاب الأول، تمّ تشريد اليهود من الجزيرة العربية وتفرّقهم في بلاد العالم، شرعوا بحياكة المؤامرات للإنتقام من الإنسانية كلّها ومن الإسلام بالخصوص، لأنّ الإسلام سفّه أحلامهم وكسر شوكتهم وشتّت وحدتهم، وقد شكّلوا في كلّ مجتمعٍ عاشوا فيه “غيتو” أي -منطقة مستقلة- لهم لا يخالطون الناس ولا تخالطهم، حفظاً ليهوديّتهم من الزوال في المجتمعات التي عاشوا فيها.

وبما أنّ شهوة الإنتقام لديهم قوية بسبب “غلف قلوبهم” واسودادها وكفرها بآيات الله، بدأوا بتطبيق مؤامراتهم ضدّ شعوب العالم شيئاً فشيئاً، لكنّ العالم الإسلامي بقي ممتنعاً على حبائلهم وفتنهم قروناً طويلة، حتّى جاء الإستعمار الحديث الذي استطاع أن يسيطر على أرضنا الإسلامية وشعوبها بسبب تخلّي الأمّة عن الإلتزام الصحيح والسليم بدينها بدءًا من مقام الخلافة التي صارت ملكاً دنيوياً متوارثاً على خلاف دين الله وسنّة نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصولاً إلى شيوع الفواحش والمنكرات بين المسلمين، وانتهاءً بالإحباط الذي أصاب الأمّة فجعلها لقمة سائغة للقوى المستعمرة في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين الميلادية، وهذا ما فتح الباب أمام اليهود وأحيا آمالهم وأهدافهم الشريرة، فتحالفوا مع بريطانيا وفرنسا- القوّتان العظيمتان- في ذلك الوقت، مع أنّ اليهود يكرهون المسيحيين كما يكرهون المسلمين، إلاّ أنّ كرههم للمسيحيين يتعاملون معه بنحوٍ من “التقية” لحاجتهم إليهم لتمرير مؤامراتهم الدنيئة والخبيثة.

وقد سعى اليهود إلى امتلاك السبب الأساسي للقوّة وهو “المال” الذي كانوا يتعاملون به بواسطة “الربا” لكي يملكوا زمام الأمور في كلّ بلد، وقد حقّقوا هذا الهدف بنسبةٍ كبيرة، خصوصاً في الدول ذات التأثير الكبير في العالم في الفترة الماضية كفرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وألمانيا، وكانوا قد بدأوا بالتغلغل في أمريكا لكنّها لم تكن آنذاك من الدول الكبرى في العالم، لكن اليهود أسّسوا لأنفسهم فيها مكاناً مسبقاً لأنّهم كانوا يحتملون أن تصبح تلك الدولة قوّة عالمية في المستقبل، وهذا ما حصل فعلاً لاحقاً.

ومن التحالف غير الشرعي بين الدول الإستعمارية ورأس المال اليهودي شرع اليهود بالتخطيط الفعلي لإفسادهم الثاني على المستوى العالمي عموماً، وعلى مستوى المنطقة العربية والإسلامية بالخصوص، وكان تأسيس الحركة الصهيونية على يد اليهودي “تيودور هرتزل” وانعقاد مؤتمر “بال” في سويسرا سنة “1897” البداية الفعلية لتنفيذ المؤامرة الشيطانية ضدّ العالم كلّه.

ولا تستغرب أن نعرف أنّ الذين نشروا الفلسفة المادية في العديد من نواحي الحياة هم من اليهود، وهذا كان من مقدّمات الإفساد الثاني “كالفلسفة الشيوعية” لكارل ماركس و”النظرية الجنسية” لفرويد، والنظرية الإجتماعية لدور كايم، هذه النظريات التي شجّعت على نشر الفسق والفجور والفساد الإجتماعي وابتعاد الناس عن المثل والقيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية النبيلة، وهذا كلّه سهّل على اليهود في مراحل لاحقة تنفيذ مؤامراتهم، خصوصاً ضدّ العالم الإسلامي.

وإذا أردنا أن نحصر الإفساد الثاني بعناوين سريعة يمكننا تحديد التالي:

1- الإعتماد على عنصر المال والتعامل الربوي للإمساك بمقدّرات البلاد التي كانوا فيها.

2- نشر الفلسفات المادية لإبعاد الناس عن القيم وتسهيل دخولهم في مداخل الفساد الأخلاقي والإجتماعي والجنسي، وهذا ما حصل فعلاً في كلّ دول العالم الغربي بالأساس.

3- التعاون مع القوى المستعمرة التي مهّدت لهم السيطرة على فلسطين عبر طرد أهلها منها إلى الدول المجاورة والإتيان باليهود من كلّ دول العالم للعيش فيها.

4- السعي لامتلاك إسرائيل- الكيان غير الشرعي ووليد المؤامرة الصهيونية ضدّ الإسلام والمسلمين- القوة العسكرية التي تستطيع بها السيطرة على العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما حصل فعلاً بحيث صارت إسرائيل دولة نووية تملك من هذا السلاح ما تدمّر به العالم الإسلامي، وهذا حلم يُراود كلّ قادة إسرائيل والصهيونية العالمية.

5- التحالف مع أمريكا وريثة الدول الإستعمارية سابقاً والسيطرة على الأمور السياسية والمالية والإعلامية فيها لتكون الغطاء الواقي والدرع الحامي لإسرائيل أمام كلّ دول العالم، ولذا لا نستغرب أبداً أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة في عالم اليوم التي تنتهك الأعراف الدولية والإتفاقات العالمية ولا تجرؤ الأمم المتحدة أو أيّة قوّة في العالم على استنكار ذلك، لأنّ أمريكا تحمي إسرائيل بالمطلق، وتؤمّن لها التغطية الإعلامية والسياسية، فضلاً عن تزويدها بأسباب القوّة العسكرية من خلال أحدث ما تنتجه المصانع الحربية في أمريكا.

ونحن اليوم نعيش في عمق مرحلة الإفساد الثاني لليهود على مستوى العالم والمنطقة الإسلامية الذي هو أعظم وأخطر من الإفساد الأول بسبب امتلاك اليهود مفاتيح السيطرة على الدول القوية في العالم وعلى رأسها أمريكا، واحتلالها لأكبر شبكات الإعلام في العالم إمّا بشكلٍ مباشر أو عبر الهيمنة عليها بطريقةٍ أو بأخرى، وامتلاكها أكثر الأسلحة فتكاً ودماراً وهو “السلاح النووي” الذي سعت إسرائيل لامتلاكه والحصول عليه مباشرة بعد تأسيس الكيان الغاصب في فلسطين.

ونعتبر أنّ قمة الإفساد اليهودي اليوم هو “السيطرة على القدس” التي احتلّتها إسرائيل بالكامل في حرب سنة سبع وستين مع باقي الأراضي التي اغتصبتها من فلسطين “الضفة الغربية وغزّة” والجولان وسيناء ومن لبنان في الجنوب والبقاع الغربي.

والإجرام الذي مارسته العصابات الصهيونية قبل تأسيس الكيان الغاصب، والمجازر التي ارتكبتها أثناء إنشاء دويلتهم، وفي الحروب اللاحقة ضدّ العرب بما هم مسلمون، لأنّ اليهود لا يرون فرقاً بين العروبة والإسلام”، وهذا ما يؤكّد طبيعتهم العدوانية وحقدهم وحرصهم على الإنتقام من هذا الدين الذي أذلّهم وأهانهم وجاس خلال ديارهم.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ القتل والمجازر البشعة التي يرتكبونها هي بتوجيه من توراتهم المحرّفة وإلههم المزيّف الذي يزعمون أنّه جعلهم شعبه المختار وأباح لهم قتل كلّ من هو غير يهودي كما في هذا النص: (أقتلوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء حتّى الفناء)13، أو كما في نصٍ آخر: (فاضرب أهل تلك المدينة بحدّ السيف وأبسلها بجميع ما فيها حتّى بهائمها بحدّ السيف، وجميع سلبها إجمعه إلى وسط ساحتها، واحرق بالنار تلك المدينة وجميع سلبها للرب إلهك فتكون ركاماً إلى الدهر لا تبنى من بعد)1314.

ومن هنا لا نستغرب المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية وجيش العدو في فلسطين ولبنان قبل التحرير كمجزرة صبرا وشاتيلا وقانا والمنصوري، أو مجازر دير ياسين وكفر قاسم ومخيم جنين ونابلس وغيرها من مدن فلسطين الأسيرة.

ولهذا نجد اليوم أنّ الصهيونية العالمية قد وصلت إلى القمة في إفسادها وهي التي تهيمن وتسيطر على مقدّرات الأمور في العالم كلّه، من خلال الإمساك بزمام السياسة الأمريكية التي صارت أداةً في يد دولة إسرائيل، فضلاً من قوى الضغط اليهودية الموجودة في معظم دول العالم الأول لتمنعها من اتّخاذ أيّة توجّهات أو قرارات تتعارض مع هيمنة اليهود على فلسطين سواء في المحافل الدولية أو في نفس تلك البلدان.

وهذا الجو ينسجم تماماً مع الآيات التي تلت العقاب الأول :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ 15.

الحقيقة الرابعة- العقاب الثاني: وهذا يحصل بعد وصول الإفساد الثاني إلى قمّته وإلى ذروته، وهذا ما نراه يحصل اليوم، حيث لم يصل اليهود وفي أيّ عصرٍ من العصور السابقة إلى ما وصلوا إليه اليوم من طغيانٍ واستكبار وإفسادٍ في الأرض، والعقاب الثاني سوف يكون على أيدي العباد المؤمنين بالله سبحانه الذين سيذيقون اليهود العذاب الذي يستحقّونه في الدنيا قبل الآخرة، وسيدخلون المسجد الحرام، لكنّ دخولهم إليه في هذه المرة الثانية لإنقاذه من دنس اليهود أنفسهم، وليس كما دخلوه في المرة الأولى.

ونحن نعتقد أنّ الإفساد الثاني هذا لليهود لن يطول أمده، لأنّ علائم النصر عليهم وتحقّق العقاب الثاني لم يعد بعيداً، خصوصاً بعد حصول جملة من الأحداث التي تؤشّر إلى قرب حصول ذلك وهي:

1- انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، حيث اعتبرت إسرائيل بكلّ قياداتها السياسية والعسكرية أنّ هذه الثورة تشكّل بداية النهاية لدولة إسرائيل ولزوال الصهيونية.

2- انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان الذي كان معجزة بحدّ ذاته في ظلّ موازين القوى غير المتكافئة بين المقاومة وإسرائيل، فهذا الإنتصار هو مؤشّرٌ مهم لأنّه أحيا الأمل عند كلّ المسلمين وخصوصاً عند أبناء شعبنا المُستضعف المظلوم في فلسطين.

3- الإنتفاضة المباركة في فلسطين سواء الأولى في آواخر الثمانينات، أو الثانية التي انطلقت عام ألفين والتي نعيش ذكرى انطلاقتها الثانية هذه الأيام، فإنّ هذه الإنتفاضة استطاعت أن تزلزل الكيان الغاصب، وأن تشعره بأنّه ما زال في مرحلة التأسيس كما كان الأمر أيام سنة ثمان وأربعين، وهذه الإنتفاضة المستمرّة والتي لم يستطع العدو بكلّ جبروته وبطشه وإجرامه وسفكه للدماء وتدميره لكلّ أشكال الحياة أن يوقفها لهي خير دليلٍ على قوّة وبأس هذه الأمّة عندما تتمسّك بدينها وتنطلق منه ومن مفاهيمه وشعاراته لتحرير الأرض والإنسان والقرار.

4- الصحوة الإسلامية على امتداد العالمين العربي والإسلامي التي تتّسع وتنمو يوماً بعد يوم، والتي ستصل إلى مرحلة تتفجّر فيها لتغيير الأوضاع في بلاد المسلمين تمهيداً لتحرير القدس وفلسطين وإنزال العقاب الإلهي باليهود والغاصبين على يد أبناء الإسلام المحمدي الأصيل المؤمنين بربّهم وبحقّهم في استعادة المسجد الأقصى وكلّ فلسطين.

5- اجتماع لأكثرية اليهود في أرض فلسطين، وهذا من علامات نهاية دولة إسرائيل لأنّ العدد الأكبر من يهود العالم في فلسطين السليبة، وهذا ما يحصل الآن حيث وفد إلى فلسطين أكثر من مليون يهودي روسي في ظرف عقدٍ واحد “عقد التسعينات”، فهذا من المؤشرات الإيجابية وإن كان يبدو في ظاهره سلبياً لأنّه يزيد اليهود عدداً وقوّةً، ولعلّ الآية الكريمة التي تقول:﴿ وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴾ 16 تشير إلى ذلك. وفي الروايات الكثير ممّا ورد يدلّ على أنّ تحرير القدس من دنس اليهود ونزول العقاب الثاني بهم هو حتمي وقد اقترب زمانه، ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عدو يجمع لأهل الشام، يجمع لهم أهل الإسلام، فقيل له: “الروم تعني ؟ قال: نعم، ثمّ قال: ويكون عند ذلكم القتال ردة شديدة)1517، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً :(بين يدي الساعة، فتح بيت المقدس، وموتان فيكم كقص الغنم، وإفاضة المال، وفتنة لا يبقى بيت من العرب إلاّ دخلته، وهذه فتنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، ثمّ يغزونكم، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كلّ غاية إثنا عشر ألفاً)1618، وبنو الأصفر أو الروم هم اليهود لأنّ نسبهم ينتهي إلى الأصفر بن روم بن عيصون بن إسحاق بن إبراهيم ( عليه السلام)، والغاية في اللغة هي “الراية”، وكذلك ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث: (تخرج من خراسان رايات سود، لا يردّها شيء حتّى تنصب بإيلياء)19و”إيلياء” هو اسم لمدينة القدس الشريفة كما هو معروف.

من كل ما سبق نقول إنّ يوم تحرير القدس وفلسطين الحبيبة كلّها قد صار قريباً إن شاء الله ببركة الرجوع إلى الإسلام والإيمان بالله عزّ وجلّ، ولن ينفع إسرائيل كلّ من يساندها من أمريكا وغيرها، لأنّ البشر مهما كانوا أقوياء فليسوا أقوى ممّن خلقهم وجعلهم بمكان قوّة في زمنٍ ما أو مكانٍ ما.

بل حتّى أنّ اليهود أنفسهم يعلمون أنّ دولتهم هي دولة باطل وأنّها إلى زوالٍ لا محالة، وهذا مذكور حتّى في توراتهم المحرّفة التي بقي فيها شيء من الحقيقة، ونذكر هنا نصّاً واحداً يؤكّد ذلك وهو في الإصحاح التاسع الآيات -17إلى -22- جاء فيه :(هكذا قال ربّ الجنود، تأمّلوا واستدعوا الراثيات، وابعثوا إلى الحكيمات ليقبلن وليسرعن وينشدن لنا بالندب فتجري عيوننا بالدموع وتسيل جفوننا بالماء، قد سمع صوت الندب من صهيون، أن كيف دمّرنا وخزينا جداً، لقد فارقنا الأرض، قد هدموا مساكننا، فاسمعن أيّتها النساء كلمة الرب ولتعي آذانكن كلمة فمه، وعلّمن بناتكن الندب، ولتعلّم كلّ واحدة صاحبتها الرثاء، فإنّ الموت قد صعد إلى كوانا ودخل قصورنا ليجتاح الأطفال من الشوارع والشبان من الساحات، تكلّم هكذا قال الرب، إنّ جثث البشر تسقط كزبل على وجه الصحراء، وكالحزمة وراء الحاصد ولا يكون من يلتقط).

من هنا نقول إنّ الليل مهما طال سيبزغ بعده الفجر وسيطلّ النور ليشع على العالم، وليل القدس لن يطول إن شاء الله وسيحرّرها المسلمون المؤمنون كما حرّروها من الإنحراف إلى غير رجعة إن شاء الله العلي القدير.

والحمد لله ربّ العالمين.20

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى