نهض ابن سعد عشية الخميس لتسع خلون من المحرم و نادى في عسكره بالزحف نحو الحسين، و كان عليه السّلام جالسا أمام بيته محتبيا بسيفه و خفق برأسه فرأى رسول اللّه يقول: إنك صائر إلينا عن قريب و سمعت زينب أصوات الرجال و قالت لأخيها : قد اقترب العدو منا.
فقال لأخيه العباس: «اركب بنفسي أنت» «1» حتى تلقاهم و اسألهم عما جاءهم و ما الذي يريدون فركب العباس في عشرين فارسا فيهم زهير و حبيب و سألهم عن ذلك قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب.
فانصرف العباس عليه السّلام يخبر الحسين بذلك و وقف أصحابه يعظون القوم، فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما و اللّه لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه و قد قتلوا ذرية نبيه و عترته و أهل بيته و عبّاد أهل هذا المصر المتهجدين بالاسحار الذاكرين اللّه كثيرا فقال له عزرة بن قيس: إنك لتزكي نفسك ما استطعت.
فقال زهير: يا عزرة، إن اللّه قد زكاها و هداها فاتق اللّه يا عزرة فإني لك من الناصحين، أنشدك اللّه يا عزرة أن لا تكون ممن يعين أهل الضلالة على قتل النفوس الزكية.
ثم قال عزرة : يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت على غير رأيهم قال زهير: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم أما و اللّه ما كتبت إليه كتابا قط و لا أرسلت إليه رسولا و لا وعدته نصرتي و لكن الطريق جمع بيني و بينه فلما رأيته ذكرت به رسول اللّه و مكانه منه و عرفت ما يقدم عليه عدوه فرأيت أن أنصره و أن أكون من حزبه و اجعل نفسي دون نفسه لما ضيعتم من حق رسوله.
و أعلم العباس أخاه أبا عبد اللّه بما عليه القوم فقال عليه السّلام: ارجع إليهم و استمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أني أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار.
فرجع العباس و استمهلهم العشية فتوقف ابن سعد و سأل من الناس فقال عمرو بن الحجاج: سبحان اللّه لو كانوا من الديلم و سألوك هذا لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليه و قال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليستقبلك بالقتال غدوة فقال ابن سعد: و اللّه لو أعلم أنه يفعل ما أخرتهم العشية ثم بعث إلى الحسين إنّا أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير ابن زياد و إن أبيتم فلسنا تاركيكم «2».
ضلت أمية ماتر يد غداة مقترع النصول
رامت تسوق المصعب الهدار مستاق الذليل
و يروح طوع يمينها قود الجنيب أبو الشبول
رامت لعمرو ابن النبي الطهر ممتنع الحصول
و تيممت قصد المحال فما رعت غير المحول
ورنت على السغب السرا ب بأعين في المجد حول
و غوى بها جهل بها و البغي من خلق الجهول (3)
______________________________
(1) الطبري ج 6 ص 137 و روضة الواعظين ص 157 و الارشاد للمفيد و البداية لابن كثير ج 8 ص 176.
غير خاف ما في هذه الكلمة الذهبية من مغزى دقيق ترى الفكر يسف عن مداه و أنى له أن يحلق إلى ذروة الحقيقة من ذات طاهرة تفتدى بنفس الإمام علة الكائنات و الفيض الأقدس للممكنات.
نعم عرفها البصير الناقد بعد أن جربها بمحك النزاهة فوجدها مشبوبة بجنسها ثم اطلق عليها تلك الكلمة الغالية «و لا يعرف الفضل إلا أهله».
و لا يذهب بك الوهم أيها القارىء إلى القول بعدم الأهمية في هذه الكلمة بعد قول الإمام عليه السّلام في زيارة الشهداء من زيارة وارث بأبي أنتم و أمي طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم، لأن الإمام عليه السّلام في هذه الزيارة لم يكن هو المخاطب لهم و إنما هو عليه السّلام في مقام تعليم صفوان الجمال عند زيارتهم أن يخاطبهم بذلك فإن الرواية تنص كما في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي أن صفوان استأذن الصادق في زيارة الحسين و أن يعرفه ما يقوله و يعمل عليه فقال له: يا صفوان صم قبل خروجك ثلاثة أيام إلى أن قال: ثم إذا أتيت الحائر فقل: اللّه أكبر، ثم ساق الزيارة إلى أن قال: ثم اخرج من الباب الذي يلي رجلي علي بن الحسين و توجه إلى الشهداء و قل: السلام عليكم يا أولياء اللّه إلى آخرها.
فالإمام الصادق عليه السّلام في مقام تعليم صفوان أن يقول في السلام على الشهداء ذلك و ليس في الرواية ما يدل على أنه عليه السّلام كيف يقول لو أراد السلام على الشهداء.
(2) الطبري ج 6 ص 337.
(3) للكعبي رحمه اللّه.
المصدر: http://h-najaf.iq