مقالات

الفرقة الناجية…

إنّ الحديث المتواتر بين الفريقين عن النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” إنّ أُمّتي ستفترق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة ، فرقة منها ناجية و اثنتان و سبعون في النار ” 1 يلزم الباحث المسلم الطالب للنجاة الأُخروية الفحص عن خصوص تلك الفرقة الناجية ، و التمسّك بها دون بقية فرق المسلمين ; لأنّ مؤدّى الحديث النبوي أنّ الاختلاف الواقع ليس في دائرة الظنون و الاجتهاد المشروع ، بل هو في دائرة الأُصول و الأركان من الأُمور القطعية و اليقينية ، أي ممّا قام الدليل القطعي و اليقيني عليها ، و إن لم تكن ضرورية في زمن أو أزمان معيّنة نتيجة التشويش أو التعتيم الذي تقوم به الفرق الأُخرى .

و الحديث ـ مضافاً إلى كونه ملحمة نبوية ـ يحدّد معالم الوحدة التي يجب أن تقيمها الأُمّة الإسلامية بأن تكون على منهاج الحقّ و الهدى الذي تسير عليه الفرقة الناجية ، و إنّ الأُمّة و إن اشتركت في الإقرار بالشهادتين و الانتماء إلى الملّة الواحدة إلاّ أنّ ذلك لا يعدو الأحكام بحسب ظاهر الإسلام في النشأة الدنيوية ، إلاّ أنّها مفترقة بحسب واقع الإسلام و الإيمان الذي به النجاة الأُخروية ; فهناك ديانة بحسب إقرار اللسان تترتّب عليها أحكام المواطنة في النظام الاجتماعي السياسي ، و هناك ديانة بحسب القلب و الأعمال تترتّب عليها أحكام الآخرة من النجاة من النار و إعطاء الثواب .
و هذه الأُمور المستفادة من الحديث الشريف المتواتر إنّما هي بلحاظ الإنسان البالغ العاقل المكلّف ، الذي قد اجتمعت فيه شرائط التكليف ، أمّا الصبي و المجنون و الجاهل القاصر أو المعتوه أو الأبله و حديث العهد بالإسلام و نحوهم ممّن لم تقم عليه الحجّة و تتمّ شرائط التكليف لديه ، فهم معذورون ، و عاقبة المعذور ـ كما سيأتي ـ موقوفة على المشيئة الإلهية الأُخروية ، التي فُسّرت في الروايات بإقامة امتحان إلهي له يوم القيامة إن أطاع فيه نجا و إن عصى هلك .
و قد أُطلق على أفراد المعذور في الكتاب و السُـنّة عدّة تسميات ، كـ : ﴿ … الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ 2 ، و ﴿ … مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ … ﴾ 3 ، و ﴿ … أَصْحَابُ الأَعْرَافِ … ﴾ 4 ، و الّذين ﴿ … خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا … ﴾ 5 ، و ﴿ … وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ … ﴾ 6 ، و أُطلق عليهم أيضاً : ” الضلاّل ” ، بمعنى : الضالّ ” القاصر ” ; إذ هذا أحد معانيه ، و إلاّ فهو يطلق على ” المقصّر ” المخلّد في النار أيضاً . .
لذلك لا مفرّ لهذا الإنسان ـ المكلّف المختار ـ و لا مخلص و لا نجاة له إلاّ بالفحص عن الفرقة الناجية من فرق المسلمين ، و ليس له أن يتعامى عن عمد و يسلك طريق الضلال و الغواية و يرجو مع ذلك النجاة ، كما أنّ البحث الجادّ بين فرق المسلمين في إطار الوحدة لا بُدّ أن يُتحرّى فيه ـ بمقتضى الحديث الشريف و التوصية النبوية ـ عن الحقّ الذي تسلكه الفرقة الناجية لكي تتّبعها بقيّة الفرق ، فإنّ منهاج الهدى لا يرسم بضلال القاصر المستضعف .
و لكي تتمّ الفائدة من هذا الحديث المتواتر ـ حديث الفرقة الناجية ـ الذي أقرّت بمضمونه جلّ فرق المسلمين ، نذكر بعض النقاط التالية :

الأُولى

إنّ الكلام في النجاة في الحديث الشريف هو بحسب الاستحقاق و الامتثال ، لا بحسب الشفاعة و الشفقة الإلهية و الرحمة الواسعة ، أي بحسب ما يلزمه حكم العقل باتّباع الأدلّة و البراهين الشرعية و العقلية الأولية ، فإنّ العقل يوجب التجنّب عن التعرّض للسخط الإلهي و احتمال العقوبة الأُخروية ، و إن لم يكن بين استحقاق العقوبة و وقوعها تلازم ; لاحتمال الشفاعة و نحوها ، فإنّ التعرّض لمثل العقوبة الأُخروية التي أشفقت منها السماوات و الأرض يعدّ من الإلقاء في الهلكة ، هذا فضلا عن الأصناف الأُخرى لحكم العقل من وجوب شكر المنعم و قبح التمرّد و الطغيان على المولى ، و غيرها من أنماط حكم العقل و الفطرة .

الثانية

إنّ المقصود من النجاة في الحديث الشريف هو النجاة من الدخول في النار و من ذوق حريق العذاب ، لا في النجاة من الخلود فيها و من دوام العذاب ; فإنّ آراء المتكلّمين تكاد تتّفق أنّ الخلود للجاحدين و أهل العناد ، سواء كان الجحود في توحيد الذات أو الصفات ، أو في التشريع و الرسالة ، أو في الولاية والإمامة ، أو في الغاية و المعاد ، و نحوها من أُصول الاعتقاد . .
و بعبارة أُخرى : إنّ مفاد الحديث في دخول الجنّة عند الحساب و الميزان ، لا في دخول الجنّة بعد أحقاب من العذاب في النار .

الثالثة

إنّ معذورية أفراد المعذور ـ كما يأتي ـ لا يعني تنجّز نجاته بل هي مرهونة بالمشيئة الإلهية ، و التي فُسّرت في عدّة من الأخبار بالامتحان ، كما لا يعني أنّ مسار هؤلاء هو طريق هدى بل مفروض العذرية تخبّط المعذور في الضلال و الغواية ، فلا تلازم بين العذرية والأمان و لا بينها و بين ضمان النجاة ، و لا بينها و بين اتّخاذ خطأ و ضلال المعذور منهاجاً يتبجّح به . و سيأتي أنّ في الروايات ما يدلّ على أنّه يبيّن الحقّ لأفراد المعذور في امتحان يوم القيامة .

الرابعة

إنّ هناك جملة من الآيات و الأحاديث النبوية المستفيضة و المتواترة الأُخرى الدالّة على مفاد حديث الفرقة الناجية نفسه ، لكن بألفاظ مختلفة و دلالات متعدّدة التزامية و مطابقية . .
منها : ” مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ” 7 ; و في بعض الطرق : ” و ليس في عنقه بيعه لإمام زمانه ” 8 ، و نحو ذلك .
و منها : “مثل أهل بيتي كسـفينة نوح ، مَن ركبها نجا ومَن تركها هلك ” 9 .
و منها : ذيل حديث الثقلين ; و مفهومه : ” ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا أبداً ” .
و غيرها من الأحاديث النبوية الواردة في عليّ ( عليه السلام ) و أهل بيته .

الخامسة

قد وردت جملة من الروايات المستفيضة في امتحان أقسام المعذور يوم القيامة ، منها : صحيحة هشام ; عن أبي عبـد الله (عليه السلام) : سُئل عمّن مات في الفترة ـ أي في زمان انقطاع الرسل و غياب الحجّة ـ و عمّن لم يدرك الحنث ـ أي البلوغ ـ و المعتوه ، فقال : ” يحتجّ الله عليهم يرفع لهم ناراً فيقول لهم : ادخلوها ، فمَن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً ، و من أبى قال : ها أنتم قد أمرتكم فعصيتموني ” 10 .
و في صحـيحة أُخرى قال ( عليه السلام ) : ” ثلاثة يحتجّ عليهم : الأبكم ، و الطفل ، و من مات في الفترة ، فيرفع لهم نار فيقال لهم : ادخلوها ، فمَن دخلها كانت عليه برداً و سلاماً ، و مَن أبى قال تبارك و تعالى : هذا قد أمرتكم فعصيتموني ” 11 .
و في بعض الروايات : ” إنّ أولاد المشركين خدم أهل الجنّة ” 12 .
و منها : صحـيح زرارة ; قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : هل سئل رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن الأطفال ؟ فقال : ” قد سئل فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ” . .
ثمّ قال : ” يا زرارة ! هل تدري ما قوله الله أعلم بما كانوا عاملين ؟! “
قلت : لا . قال : ” لله عزّ و جلّ فيهم المشيئة ; إنّه إذا كان يوم القيامة أُتي بالأطفال ، و الشيخ الكبير الذي قد أدرك السن [ النبيّ ] ولم يعقل من الكبر و الخرف ، و الذي مات في الفترة بين النبيّين ، و المجنون ، و الأبله الذي لا يعقل ، فكلّ واحد يحتجّ على الله عزّ و جلّ ، فيبعث الله تعالى إليهم ملكاً من الملائكة و يؤجّج ناراً فيقول : إنّ ربّكم يأمركم أن تثبوا فيها . فمَن وثب فيها كانت عليه برداً و سلاماً ، و مَن عصاه سبق إلى النار ” 13 .
و هناك جملة عديدة من الروايات ، فلاحظها في محالّها 14 ، كما أنّ هناك جملة أُخرى من الروايات دالّة على دخول أطفال المشركين مع آبائهم في النار ، لكنّها محمولة على عصيانهم في الامتحان .
و في رواية لزرارة ، قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) ـ و أنا أُكلّمه في المستضعفين ـ : ” أين ﴿ … أَصْحَابُ الأَعْرَافِ … ﴾ 4 ؟! أين المرجون لأمر الله ؟! أين الّذين ﴿ … خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا … ﴾ 5 ؟! أين ﴿ … وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ … ﴾ 6 ؟! أين أهل تبيان الله ؟! أين ﴿ … الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ﴾ 2 ؟! ﴿ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ 15 ” 16 . .
و تعبـيره ( عليه السلام ) عـن أفراد المعـذورين بـ : ” أهل تبيان الله ” لعلّ المراد به أنّه يبيّن تعالى لهم الهدى من الضلال في الامتحان المقام لهم عند الحساب .

السادسة

هناك جملة أُخرى من الروايات يظهر منها دخول أفراد المعذور إلى الجنّة ، و لكنّها محمولة ومقيّدة بامتحانهم و طاعتهم فيه ، و من ثمّ نجاتهم ، كما تقدّم حمل جملة من الروايات الواردة في دخول أطفال المشركين النار على عصيانهم في الامتحان ; بمقتضى العديد من الروايات المستفيضـة المفصّلة المقيّدة لدخول الجنّة أو النار بالامتحان عند الحساب . .
منها : صحيح زرارة ; قال : دخلت أنا و حمران ـ أو : أنا و بكير ـ على أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : إنّا نمدّ المطمار ؟ قال : ” و ما المطمار ؟! ” قلت : التُتر ، فمَن وافقنا من علوي أو غيره تولّيناه ، و مَن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه . .
فقال : ” يا زرارة ! قول الله أصدق من قولك ; فأين الّذين قال الله عزّ و جلّ : ( إلاّ المستضعفينَ من الرجال والنساء . . . ) ؟! أين المرجون لأمر الله ؟! أين الّذين ( خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ) ؟! أين ( أصحاب الأعراف ) ؟! أين ( المؤلّفة قلوبهم ) . . . ” .
و زاد فيه جميل ، عن زرارة : فلمّا كثر بيني و بينه الكلام قال : ” يا زرارة ! حقّاً على الله أن [ لا ] يدخل الضلاّل الجنّة ” 17 ; بناءً على نسخة بدون ” لا ” النافية . .
و في رواية العيّاشي : ” يا زرارة! حقّاً على الله أن يدخلك الجنّة ” 18 .
و صدر الرواية قد روي بطرق متعدّدة ، و موردها في الأصل أنّه ( عليه السلام ) سأل زرارة : ” متأهّل أنت ؟! ” ، فقال : لا . ثمّ ذكر زرارة أنّه لا يستحلّ نكاح هؤلاء فذكر ( عليه السلام ) أنّ المستضعفين لا زالوا على الولاء ، لا ولاء الإيمان بل ولاء ظاهر الإسلام من المناكحة و حلّية ذبيحتهم و . . . ففي رواية لحمران عنه ( عليه السلام ) : ” هم من أهل الولاية . . . أما إنّها ليست بولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة ، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا بالكفّار ، و هم المرجون لأمر الله عزّ و جلّ ” 19 .
و الحاصل أنّ هذه الرواية و مثيلاتها محمولة على النجاة ـ و مقيّدة لها ـ بالطاعة عند الامتحان في الحساب مع تبيان الحقّ لهم و اختيارهم له ; لما مرّ من روايات مستفيضة دالّة على ذلك مضافاً إلى كون مثل هذه الروايات متعرّضة إلى أحكام الحياة الاجتماعية مع هؤلاء . .
و مثل هذا التقييد في صحيح ضريس الكناسي : عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : جعلت فداك ، ما حال الموحّـديـن المقـرّين بنبوّة محمّـد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من المسلمين المذنبين ، الّذين يموتون و ليس لهم إمام و لا يعرفون ولايتكم ؟
فقال : ” أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمَن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنّه يخدّ له خدّاً إلى الجنّة التي خلقها الله بالمغرب ـ أي البرزخية لا الأُخروية ـ فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى الله فيحاسبه بحسناته و سيئاته ، فإمّا إلى الجنّة و إمّا إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله ” . .
قال (عليه السلام) : ” و كذلك يفعل بالمستضعفين ، و البله ، و الأطفال ، و أولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم ” . . الحديث 20 .
وذيل الرواية صريح في كون حالهم موقوفاً على المشيئة الإلهية ، التي قد فسرت في روايات عديدة بالامتحان ، وحاشا لعدله تعالى أن يدخِل النار بغير موجب .
و مثلها رواية الأعمش ، عن الصادق (عليه السلام) : ” أصحاب الحدود فسّاق ، لا مؤمنون و لا كافرون ، و لا يخلدون في النار و يخرجون منها يوما ما ، و الشفاعة لهم جائزة ، و للمستضعفين إذا ارتضى الله دينهم ” 21 .
و ذيل هذه الرواية دالّ على التمييز بين ” أصحاب الحدود ” و بين ” المستضعفين ” في كون ” المستضعفين ” لا تجوز لهم الشفاعة حتّى يرتضي الله تعالى دينهم ، أي حتّى يدينوا بالعقائد الحقّة فحينئذ يكونوا على حدّ فسّاق المؤمنين من صلاح العقيدة لكنّهم أساؤوا العمل ; فهي تدلّ على إقامة الامتحان للمستضعفين ، و أنّه بالدرجة الأُولى في تبيان العقائد و الإيمان الحقّ ، كما مرّ في بعض الروايات أنّهم من : ” أهل تبيان الله ” .
و من جـملة هذا النمط من الروايات : رواية الصباح بن سيابة ، عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : ” إنّ الرجل ليحبّكم وما يدري ما تقولون فيدخله الله الجنّة ، و إنّ الرجل ليبغضكم و ما يدري ما تقولون فيدخله النار ” 22 .
و هذه الرواية تبيّن مدى أهمّية تولّي أولياء الله ، والهلاك في ترك ولايتهم ، و إنّ التولّي والتبرّي منشأه من الأُصول الاعتقادية .
و في بعض الروايات التقييد بمَن أحبّ الشيعة لحبّهم سيّدة نساء العالمين الزهراء فاطمة (عليها السلام) 23 .
و في بعض الروايات الأُخرى أنّ ذلك بعد شفاعة المؤمنين في مَن أحبّهم 24 .
و على أي تقدير ; ﴿ … وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى … ﴾ 25 ، كما في الآية الكريمة ، و رضاه بارتضاء دينه ، كما مرّ في رواية الأعمش ، و فُسّر بذلك في روايات الشفاعة ، فيدلّ على أنّ الامتحان الذي يقام للمستضعفين و نحوهم من أفراد الضلاّل القاصرين هو في الديانة و اعتناق الإيمان الحقّ .
أمّا كون الشفاعة موردها مَن ارتضى دينه فيدلّ عليه قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ 26 .
و في آية أُخرى : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ 26 ، و هو شامل للكفر ; لأنّه ضرب من الشرك .
و قد أُطلق الكفر على جحود ولاية خليفة الله في أرضه ، كما في إبليس لعنه الله ، فيعمّ ولاية عليّ ( عليه السلام ) و ولده ( عليهم السلام ) ، كما وردت بذلك روايات عديدة في ذيل الآيتين في تفسيري البرهان و نور الثقلين ، فلاحظها .
و قوله تعالى : ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ 27 .
و قوله تعالى : ﴿ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ 28 ، أي : معتقده .
و كذا قوله تعالى : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 29 ، فالآية قيّدت المغفرة بالهداية إضافةً إلى الإيمان و العمل الصالح .
فالهداية هي للولاية ; كما عرّفت في آيات عديدة أنّ الهداية الصراطية للإيصال إلى المطلوب هي الولاية و الإمامة ، كما في : ﴿ … إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ 30 ، و : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ … ﴾ 31 ، و : ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 32 ، و : ﴿ … أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ 33 .
و قد وردت روايات مستفيضة في ذيل الآية في بيان ذلك براهيناً ، فلاحظ تفسير البرهان 34 و نور الثقلين 35 ; فمقتضى الآية كون الامتحان و التبيان لأهل الأعذار من الضلاّل مستعقب لهدايتهم بالطاعة .
و يدلّ عليه رواية الحسين بن خالد ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) ، قال : ” قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : مَن لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، و من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شـفاعتي ” ، ثمّ قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” إنّما شـفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل ” . .
قال الحسـين بن خالد : فقلت للرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله! فما معنى قول الله عزّ و جلّ : ﴿ … وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى … ﴾ 25 ؟ قال : ” لا يشفعون إلاّ لمَن ارتضى الله دينه ” 36 .
و عمدة الباب ما في صحيحة ابن أبي عمير ; قال : سمعت موسى بن جعفر ( عليه السلام ) يقول : ” لا يخلد الله في النار إلاّ أهل الكفر و الجحود ، و أهل الضلال و الشرك ، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ” ، ـ ثمّ ذكر ( عليه السلام ) أنّ الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين ـ . .
قال ابن أبي عمير : فقلت له : يا بن رسول الله ! فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر و الله تعالى يقول : ﴿ … وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ 25 ، و مَن يركب الكبائر لا يكون مرتضىً ؟!
فقال : ” يا أبا أحمد ! ما من مؤمن يرتكب ذنباً إلاّ ساءه ذلك و ندم عليه ، و قد قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : كفى بالندم توبةً . و قال : مَن سرّته حسنة و ساءته سيّئة فهو مؤمن ; فمَن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، و كان ظالماً ، و الله تعالى يقول : ﴿ … مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ 37 ” .
فقلت له : يا بن رسول الله ! و كيف لا يكون مؤمناً مَن لم يندم على ذنب يرتكبه ؟!
فقال : ” يا أبا أحمد! ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلاّ نـدم على ما ارتكب ، و متى ندم كان تائباً مستحقّاً للشفاعة ، و متى لم يندم عليها كان مصـرّاً ، و المصـرّ لا يُغفر له ; لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، و لو كان مؤمناً بالعقوبة لندم ، و قد قال النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار . .
و أمّا قول الله : ﴿ … وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى … ﴾ 25 ، فإنّهم لا يشفعون إلاّ لمَن ارتضى الله دينه ، و الدين الإقرار بالجزاء على الحسنات و السيّئات ، و مَن ارتضى الله دينه ندم على ما يرتكبه من الذنوب ; لمعرفته بعاقبته في القيامة ” 38 ، فإنّه استدلال عقلي لتقييد الشفاعة بمَن ارتضى الله دينه و هو المؤمن ، و أنّ الضالّ القاصر لا تناله الشفاعة إلاّ بعد التبيان و الامتحان و تعرّفه على حقائق الإيمان فينخرط في زمرة المؤمنين .
و نظير الروايات المتقدّمة : ما رواه الصدوق بسنده عن أبي عبـد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ( عليهم السلام ) ، قال : ” إنّ للجنّة ثمانية أبواب . . . و باب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلاّ الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت ” 39 .
فإنّ غاية دلالتها : على عدم خلودهم في النار ، و لا تنافي ما دلّ على امتحانهم و توقّف دخولهم الجنّة على إطاعتهم بالإيمان ، كما لا تنافي ما دلّ على دخولهم النار حقبة لتطهيرهم ثمّ دخولهم الجنّة ; فهناك فرق بين الخلود في النار و بين الدخول فيها و لو لحقبة منقطعة الأمد ، و كذلك بين الدخول في الجنّة ابتداءً و بين الدخول فيها لاحقاً ، فحساب الأكثرية و الأقلية من الناجين يختلف بحسب المقامين ، و قـد ورد عنهم ( عليهم السلام ) : ” الناجون من النار قليل ; لغلبة الهوى و الضلال ” 40 ، و الرواية ناظرة للنجاة من النار لا النجاة من الخلود فيها ، و قد تقدّم في حديث الكاظم ( عليه السلام ) أنّ طوائف المخلّدين أربع و ما عداهم لا يخلد .

السابعة

قد دلّت الآيات و الروايات المتواترة على أنّ قبول الأعمال مشروط ، و صحّتها كذلك مشروطة بعدّة شرائط ، لا يثاب العامل على عمله إلاّ بها ، و إلاّ يكون مردوداً بالنسبة إلى الثواب الأُخروي ، لا سيّما مثل الدخول في الجنّة ، بل الأدلّة دالّة على أنّ صحّة الاعتقادات مشروطة بالولاية ، نظير قوله تعالى المتقدّم : ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ 29 ، فقد قيّد الإيمان و العمل الصالح بالهداية ; فإنّ المغفرة ـ و هي النجاة من العقوبة ـ إذا كانت مقيّدة فكيف بالمثوبة ؟!
و قوله تعالى : ﴿ … إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ 41 ، و الغاية في تعبير الآية : أنّه قد قيّد القبول ليس بوصف العمل بالتقوى بل بوصف العامل بذلك ، و الصفة لا تصدق إلاّ مع تحقّقها في مجمل الأعمال و أركانها ، و هي العقائد الحقّة .
و كذا قوله تعالى : ﴿ … أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ 42 ، فجعل تعالى أعمال إبليس كلّها هباءً منثوراً باستكباره على وليّ الله و عدم إطاعته لخليفة الله بتولّيه ، بل الملاحظ في واقعة إبليس ـ التي يستعرضها القرآن الكريم في سبع سور ـ أنّ كفره لم يكن شركاً بالذات الإلهية و لا بالصفات و لا بالمعاد و لا بالنـبوّة ، بل هو جحود لإمامة و خلافة آدم ( عليه السلام ) ، فلم يقبل الله تعالى اعتقاد إبليس ، كما لم يقبل أعماله ، و أطلق عليه الكفر بدل التوحيد . .
و السرّ في ذلك أنّ ذروة التوحيد و سنامه و مفتاحه و بابه هو التوحيد في الولاية ; فإنّ اليهود قائلون بالتوحيد في الذات و المعاد و هو توحيد الغاية ، و بالتوحيد في التشريع و هو النبوّة ، إلاّ أنّهم كافرون بالتوحيد في الولاية ; إذ قالوا : ﴿ … يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ … ﴾ 43 ، فإنّهم حجبوا الذات الإلهية عن التصرّف في النظام البشري ، و قالوا بأنّ البشر مختارين في نظامهم الاجتماعي السياسي ، و أنّ الحاكمية السياسية ليست لله تعالى . .
و إنّك و إن أجهدت و أتعبت نفسك فلن تجد ديناً و مذهباً يعتقد بحاكمية الله تعالى السياسية و التنفيذية كحاكميته تعالى في التشريع و القانون ، كما كان حال حكومة الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و سيرته السياسية ، التي يستعرضها القرآن الكريم ; فإنّ الحاكم السياسي الأوّل في حكومته ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان هو الباري تعالى في المهمّات والمنعطفات في التدبير السياسي والعسكري والقضائي ، وقد اختفت حاكمية الله تعالى هذه في عهد الخلفاء الثلاثة ثمّ عاودت الظهور في عهد الأمير (عليه السلام) ، فإنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) محالّ مشيئة الله تعالى و إراداته ، فتصرّفاتهم منوطة بإرادته المتنزّلة عليهم .
فهذه الحاكمية التوحيدية لا تجد لها أثراً في مذاهب المسلمين ، فضلا عن الأديان الأُخرى المحرّفة ، سوى مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فمن ثمّ كانت الإمامة و الولاية هي مظهر و مجلى التوحيد في الولاية ، و كان الاعتقاد بها هو كمال التوحيد و ذروته و سنامه ; إذ أنّ تجميد التوحيد في الذات أو في الصفات أو في التشريع أو في المعاد ـ إنّ إليه الرجعى والمنتهى ـ تعطيل له ، و لا تظهر ثمرته إلاّ بظهوره في الولاية و الحاكمية في مسـيرة البشـر .
و يمكن ملاحظة اشتراط الولاية في صحّة الاعتقاد ، فضلا عن الأعمال ، في جلّ الآيات الواردة في ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ، و كذلك في كثير من الروايات . .

أمّا الآيات

فنظير قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 44 .
فإنّه تعالى قد نفى تبليغ الرسالة ـ من الأساس ـ مع عدم إبلاغ ولاية عليّ ( عليه السلام ) للناس ، و هو يقتضي عدم الاعتداد بتوحيد الناس للذات الإلهية و بإقرارهم بالمعاد و النبوّة من دون ولاية عليّ ( عليه السلام ) ، أي أنّ التوحيد في جميع أبوابه و أركانه وحدة واحدة : توحيد الذات ، و توحيد الغاية و الخلوص ، و توحيد التشريع ، و توحيد الولاية .
و لازم الكفر و الإشراك في مقام من مقامات التوحيد هو الكفر و الإشراك الخفي المبطّن في بقية المقامات ، و ذيل الآية صريح في ترتّب الكفر على ذلك في مقابل الإيمان ، لا ما يقابل ظاهر الإسلام ; إذ الظاهر مترتّب على الإقرار بالشهادتين لساناً .
و نظير قوله تعالى : ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا … ﴾ 45 .
فإنّ الإكمال يستعمل في تحوّل الشيء في الأطوار النوعية من نوع إلى نـوع ، و الإتمام يسـتعمل في انضمام الأجزاء الخارجية بعضها إلى بعض ، ففي التعبير عناية فائقة في كون الدين لم يكتمل طوره النوعي التام إلاّ بالولاية ، و أمّا النعمة الدنيوية فلا تتمّ أجزاءها إلاّ بها أيضاً ، و إن كان للأجزاء قوام مستقلّ ، كمَن امتنع عن المحرّمات و الفواحش فإنّه يتنعّم بالوقاية من مفاسدها الدنيوية ، و هذا ممّا يبيّن الاختلاف الماهوي بين الإسلام في ظاهر اللسان و بين الإيمان في مكنون القلب و مقام العمل و هو الإسلام بوجوده الحقيقي .
ثمّ إنّ في الآية تقييد رضا الربّ بكون الإسلام ديناً بالولاية ، فالإسلام من توحيد الذات و التشريع ( النبوّة ) و المعاد و توحيد الغاية معلّق رضا الربّ به بشرطية الولاية ، فضلا عن العمل بفرائض الفروع .
و نظير ذلك : ما في سورة الحمد ( الفاتحة ) . .
فالمصلّي عندما يقرّ لربّه في النصف الأوّل من السورة بالتوحيد في الذات ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ 46 ، و الصفات ﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ 47 ، و في الغاية و المعاد ﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ 48 ، و في التشريع ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ 49 في جميع الأُمور في الحياة الفردية و الاجتماعية ; فإنّه يعود في النصف الثاني من السورة ليطلب الهداية إلى الصراط المستقيم ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ 50 .
فإنّ كلّ ما تقدّم من إقراره و تسليمه بالعقائد الحقّة لم يكفه حتّى يثمر ذلك في طيّه صراط التوحيد المستقيم ، و هو صراط ثلّة في هذه الأُمّة و مجموعة موصوفة بثلاث صفات : ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ … ﴾ 51 أي منعم عليهم بنعمة خاصّة لهم دون سائر الأُمّة و هي نعمة الاصطفاء و الاجتباء ، كما في الاستعمال القرآني لاصطفاء الأنبياء و الأوصياء .
وفي هذه الأُمّـة قد أنعم الباري تعالى على أهل البيت ( عليهم السلام ) قربى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالتطهير الخاص بهم ، و أنّهم الّذين يمسّـون و يصلون إلى الوجود الغيبي العلوي للقرآن في الكتاب المكنون في اللوح المحفوظ .
و الصفة الثانية : ﴿ … غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ … ﴾ 51 ، و هي العصمة العملية ، فلا يغضبون ربّهم قطّ .
و الصفة الثالثة : ﴿ … وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 51 ، و هي العصمة العلمية . .
فجعل الولاية لهؤلاء ثمرة لإقرار المصلّي بالتوحيد في المواطن الأربعة في النصف الأوّل من السورة .
و نظير ذلك قوله تعالى : ﴿ … قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى … ﴾ 52 .
فإنّه جعل مودّة و اتّباع و تولّي قربى النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عدل كلّ الرسالة المتضمّنة لتوحيد الذات و الصفات و التشريع و الغاية لبيان أنّ توحيد الولاية هو ثمرة التوحيد في سائر المقامات ، و هو الذروة والسنام ، و قد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصفه للمسلمين بعد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنّهم : ” أخذوا بالشجرة و ضيّعوا الثمرة ” 53 .
وكذلك سائر الآيات الواردة في ولايتهم (عليهم السلام) تبيّن هذه الحقيقة الدينية . .

و أمّا الروايات

فقد روى الفريقان مستفيضاً عنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، أنّه قال : ” لو أنّ عبـداً عبـد بين الركن و المقام ألف عام ثمّ ألف عام ولم يحبّنا أهل البيت أكبّه الله على منخريه في النار ” 54 .
و أخرج الطبراني في الأوسط ، أنّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : ” الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقى الله عزّ و جلّ و هو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، و الذي نفسي بيده لا ينفع عبـداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا ” 55 .
و في كثير من طرق العامّة : ” و كان مبغضاً لعليّ بن أبي طالب و أهل البيت [ أو : آل محمّـد ] أكبّه . . . ” 56 .
نعم ، في غالب الطرق الوارد فيها : ” مبغضاً ” جعل الجزاء دخول النار ، و في الطرق الوارد فيها : ” عدم محبّتهم ” ، أو : ” عدم معرفتهم ” ، أو : ” عدم ولايتهم ” جعل الجزاء عدم قبول عمله و صيرورته هباءً منثوراً .
و هكذا فـي طرقنا ; ففي صـحيح محمّـد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : ” كلّ مَن دان الله عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من الله فسعيه غير مقبول ، و هو ضالّ متحيّر ، و الله شانئ لأعماله . . . و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق . .
و اعلم يا محمّـد! إنّ أئمّـة الجـور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضـلّوا و أضـلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها ﴿ … كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ 57 ” 58 .
و في رواية عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) في حديث ، قال : ” والله لو أنّ إبليس سجد لله بعد المعصية و التكبّر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ، و لا قبله الله عزّ و جلّ ; ما لم يسجد لآدم كما أمره الله عزّ وجلّ أن يسجد له ، وكذلك هذه الأُمّة العاصية ، المفتونة بعد نبيّها ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، وبعد تركهم الإمام الذي نصّبه نبيّهم ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لهم ، فلن يقبل الله لهم عملا ، و لن يرفع لهم حسنة ، حتّى يأتوا الله من حيث أمرهم ، و يتولّوا الإمام الذي أُمروا بولايته ، و يدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم ” . .
و في رواية ميسر : ” ثمّ لقى الله بغير ولايتنا لكان حقيقاً على الله عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنّم ” 59 .
و في رواية أُخرى : ” ولم يعرف حقّنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئاً أبداً ” 60 ، و مثلها رواية المفضّل 61 .
و في صحيح آخر لمحمّـد بن مسلم ، عن أحدهما ( عليه السلام ) ، قال : قلت : إنّا لنرى الرجل له عبادة و اجتهاد و خشوع و لا يقول بالحقّ ، فهل ينفعه ذلك شيئاً ؟!
فقال : ” يا أبا محمّـد ! إنّـما مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل ، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلاّ دعا فأُجيب ، وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثمّ دعا فلم يستجب له ، فأتى عيسى بن مريم ( عليه السلام ) يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء ، قال : فتطهّر عيسى و صلّى ثمّ دعا الله عزّ وجلّ ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا عيسى بن مريم ! إنّ عبدي أتاني من غير الباب الذي أُوتى منه ، إنّه دعاني و في قلبه شكّ منك ، فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له . قال : فالتفت إليه عيسى ( عليه السلام ) فقال : تدعو ربّك وأنت في شكّ من نبيّه ؟! فقال : يا روح الله وكلمته! قد كان والله ما قلت ، فادع الله لي أن يذهب به عنّي . قال : فدعا له عيسى ( عليه السلام ) فتاب الله عليه و قبل منه و صار في حدّ أهل البيت ” 62 .
و قد جعل تعالى مودّة ذوي القربى سبيلا إليه فقال : ﴿ … مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ 63 ، و قد قال تعالى : ﴿ … وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ … ﴾ 64 ، فلم يكن التعبير : ” فابتغوه ” بل : ﴿ … وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ … ﴾ 64 ، و قال تعالى : ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا … ﴾ 65 ، فجعل الأسماء أبواباً لدعوته ، و الاسم آية للمسمّى و ليس عينه .

الثامنة

في تحديد معنى المستضعف و ذوي العذر من الضلاّل القصّر ; فقد وردت عدّة آيات في تحديده :
في قوله تعالى : ﴿ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ 66 ، فالآية تعدّد عدم قدرتهم على الوسيلة ، و عدم دركهم السبيل إلى الحقّ .
و قوله تعالى : ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ 67 .
و قوله تعالى : ﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ 68 .
فالآية الأُولى من البراءة تحدّده بالاعتراف بالذنوب ، و هذا نوع و نمط من التوبة و الإيمان بالحقّ و الإعراض عن الضلال .

و وردت أيضاً روايات عديدة في تحديده

في رواية ابن الطيّار عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن المستضعف ، فقال : ” هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، و لا يهتدي سبيلا إلى الإيمان فيؤمن ، لا يستطيع أن يؤمن و لا يستطيع أن يكفر ، فهم الصبيان ، و مَن كان من الرجال و النساء على مثل عقول الصبيان ، و من رُفع عنه القلم ” 69 .
و روى أيضاً ، قال : قال أبو عبـد الله ( عليه السلام ) : ” المرجون لأمر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة و جعفر و أشباههما من المؤمنين ثمّ دخلوا بعده في الإسلام ، فوحّدوا الله و تركوا الشرك ، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار ، فهم على تلك الحالة مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم ” 70 .
و ظاهر الرواية الثانية أنّ ” المُرجأ ” هو الذي أسلم ولم يؤمن ، نظير قوله تعالى : ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ … ﴾ 71 .
و روى الحلبي عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : ” الناس على ستّ فرق : مستضعف ، و مؤلّف ، و مرجى ، و معترف بذنبه ، و ناصب ، و مؤمن ” 72 .
و روى عبـد الغفّار الجازي عن أبي عبـد الله ( عليه السلام ) ، قال : ” إنّ المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضاً ، و مَن لم يكن من أهل القبلة ناصباً فهو مستضعف ” 73 .
و هذه الرواية تبيّن أنّ القصور على درجات عديدة ، شـدّة و ضعفاً ، و هو هكذا عقلا ، و الضابطة فيه : أن لا يكون ناصباً ، و هي تشير إلى اشتراط انتفاء درجات نصب العداء التي قد فسّرت في روايات عديدة بأنّ منها : معاداة الشيعة لكونهم أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و منها : تولّي أصحاب السقيفة و الائتمام بهم ، ومنها : بغض أهل البيت قلباً وإن لم يكن لساناً ، ومنها : إنكار و جحد فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، و ستأتي الروايات في ذلك .
و في رواية سفيان بن السمط ، قال : قلت لأبي عبـد الله ( عليه السلام ) : ما تقول في المستضعفين ؟ فقال لي شبهاً بالمفزّغ : ” و تركتم أحداً يكون مستضعفاً ؟! و أين المستضعفون؟! فو الله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهنّ ، و تحدّث به السقايات بطرق المدينة ” 74 .
و روى عمرو بن إسحاق ، قال : سئل أبو عبـد الله ( عليه السلام ) : ما حدّ المستضعف الذي ذكره الله عزّ وجلّ؟ قال : ” مَن لا يحسن سورة من القرآن وقد خلقه الله عزّ وجلّ خلقة ما ينبغي له أن لا يحسن ” 75 ; و الحدّ في هذه الرواية من هو متخلّف عقلياً .
و في رواية حمران ، قال سألت أبا عبـد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عزّ وجلّ : ( إلاّ المستضعفين )؟ قال : ” هم أهل الولاية ” ، قلت : و أي ولاية؟! فقال : ” أما إنّها ليست بولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة ، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا بالكفّار ، و هم المرجون لأمر الله عزّ و جلّ ” 76 .
و روى سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبـد الله ( عليه السلام ) عن قول الله عزّ وجلّ : ( إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) . . الآية؟ قال : ” يا سليمان! في هؤلاء المستضعفين مَن هو أثخن رقبة منك ، المستضعفون قوم يصومون ويصلّون ، تعفّ بطونهم وفروجهم ، لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا [ غيرها ] آخذين بأغصان الشجرة ، ( فأُولئك عسى الله أن يعفوَ عنهم ) ; إذ كانوا آخذين بالأغصان وإن لم يعرفوا أُولئك ، فإن عفى عنهم فبرحمته ، وإن عذّبهم فبضلالتهم عمّا عرّفهم ” 77 .
و على نسخة : ” غيرها ” ; يكون المعنى : لا يرون أنّ الحقّ في غير الأعمال الصالحة ، كالصوم و الصلاة و العفّة ، و لا يعرفون حقائق الإيمان و الولاية ، فعسى أن يعفو الله تعالى عنهم بأخذهم بتلك الأعمال و بعد امتحانهم ـ كما تقدّم في مستفيض الروايات ـ و إن لم يعرفوا أُولئك أصحاب السقيفة بالباطل ، فإن عفى عنهم بعد الامتحان فبرحمته ، و إن عذّبهم فبضلالتهم عن حقيقة الإيمان التي عرّفها لهم ، و مَن هو أثخن رقبة منك ، أي الساذج البله . .
و على نسخة : ” غيرنا ” ; أي : لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا ، و لكنّهم لم يعرفوا أصحاب السقيفة بالباطل ، فلديهم تولّي و لكن ليس لديهم تبرّي .
و في موثّق سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن المستضعفين؟ فقال : ” البلهاء في خدرها والخادم تقول لها : صلِّ فتصلّي لا تدري إلاّ ما قلت لها ، و الجليب المجلوب ، وهو الخادم الذي لا يدري إلاّ ما قلت له ، والكبير الفاني ، والصبي الصغير ، هؤلاء المستضعفين ، فأمّا رجل شديد العنق ، جدل خصم ، يتولّى الشراء و البيع ، لا تستطيع أن تغبنه في شيء تقول : هذا مستضعف؟! لا و لا كرامة ” 78 .
و روى الصدوق عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ، قال : ” مَن عرف الاختلاف فليس بمستضعف ” 79 ، و في رواية أبي بصير : ” مَن عرف اختلاف الناس . . . ” 80 .
و في رواية سليم بن قيس في جواب أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث بن قيس ; قال الأشعث ـ رأس الفتنة ـ : والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الأُمّة غيرك و غير شيعتك ؟!
قال : ” فإنّ الحقّ والله معي يا ابن قيس كما أقول ، و ما هلك من الأُمّة إلاّ الناصبين و المكابرين و الجاحدين و المعاندين ، فأمّا من تمسّك بالتوحيد و الإقرار بمحمّـد و الإسلام ، ولم يخرج من الملّة ، ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة ، و شكّ في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ، ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة ، فإنّ ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله و يُتخوّف عليه ذنوبه ” 81 . .
فذكر (عليه السلام) للمستضعف تسعة قيود لفظاً قد ترجع خمسة منها إلى أن لا يتوالى أعداء أهل البيت ، و الغاصبين للخلافة ، و يكون شاكّاً ، و لا يظاهر عليهم النصّاب .
و روى في مستطرفات السرائر مسائل محمّـد بن على بن عيسى مكاتبة لمولانا أبي الحسن الهادي (عليه السلام) ، قال : كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما؟! فرجع الجواب : ” مَن كان على هذا فهو ناصب ” 82 .
و روى في العلل ، بسنده إلى عبـد الله بن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) ، قال : ” ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ; لأنّك لا تجد رجلا يقول : أنا أبغض محمّـداً و آل محمّـد ، ولكنّ الناصب مَن نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا ” 83 .
و روى المعلّى بن الخنيس ، قال : سمعت أبا عبـد الله (عليه السلام) يقول : ” ليس الناصب مَن نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد أحداً يقول : أنا أبغض محمّـداً و آل محمّـد ، و لكنّ الناصب مَن نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا و تتبرؤون من أعدائنا ” 84 .
و روي في الأمالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال : ” من سرّه أن يعلم أمحبّ لنا أم مبغض؟! فليمتحن قلبه ، فإن كان يحبّ وليّاً لنا فليس بمبغض لنا ، و إن كان يبغض وليّاً لنا فليس بمحبّ لنا ” 85 .
و روي في تفسير العسكري عن السجّاد ـ عليهما السلام ـ قال : ” قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ما من عبد و لا أمَة زال عن ولايتنا ، و خالف طريقتنا ، و سمّى غيرنا بأسمائنا و أسماء خيار أهلنا ، الذي اختاره الله للقيام بدينه و دنياه ، و لقّبه بألقابنا ، و هو كذلك يلقّبه معتقداً ، لا يحمله على ذلك تقّية خوف ، و لا تدبير مصلحة دين ، إلاّ بعثه الله يوم القيامة و مَن كان قد اتّخذه من دون الله وليّاً و حشر إليه الشياطين الّذين كانوا يغوونه فقال له : يا عبدي! أربّاً معي هؤلاء كنت تعبد ؟! و إيّاهم كنت تطلب ؟! فمنهم فاطلب ثواب ما كنت تعمل ، لك معهم عقاب إجرامك ” 86 .
فيتحصّل أنّ الناصب على أقسام والمستضعف على درجات ، كلّها خارجة عن التقصير ، و لا يندرج فيه الموالي لأئمّة الضلال ، و من ثمّ روي عنهم (عليهم السلام) : ” الناجون من النار قليل ; لغلبة الهوى و الضلال ” 87 ، و مفاده : في النجاة من النار ، لا النجاة من الخلود ، و بينهما بون كما مرّ .

التاسـعة

إنّ شرطية النجاة بالولاية لا تعني التواكل في العمل ، و إنّما تعني أهمّية الولاية و أهمّية هذا المقام التوحيدي ، فإنّ روح العمل و قوامه بالنيّة ; قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” إنّما الأعمال بالنيّات ” 88 ، و قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” نيّة المؤمن خير من عمله ” 89 .
و قد روى العسكري (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، أنّه قال لبعض أصحابه ذات يوم : يا أبا عبـد الله! أحبّ في الله و أبغض في الله ، و والِ في الله و عادِ في الله ; فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك ، و لا يجد رجل طعم الإيمان و إن كثرت صلاته و صيامه حتّى يكون كذلك ، و قد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادّون و عليها يتباغضون ، و ذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً ” 90 .
فكما أنّ أهمّية الولاية لا تعني التفريط في العمل و التهاون فيه ، فكذلك صلاح العمل في صورته و قالبه لا يعني التفريط بالولاية و الإيمان ، إذ أنّ الولاية لهم (عليهم السلام) هي توحيد الولاية له تعالى و إخلاص له في التولّي .
و من ثمّ أكّدت عدّة آيات وروايات على خواء العمل بدونها ، و إنّه هباءً منثوراً ; قال تعالى : ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ ﴾ 91 .
و قال : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾ 92 .
و قال : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا … ﴾ 93. .
و قال : ﴿ … وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 94 .
و قال : ﴿ … وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ 95 .

العاشـرة

إنّ مفاد الحـديث النبوي المعروف بين الفريقـين بـ : ” حديث الفرقة الناجية ” هو الدعوة لتمييزها و معرفتها كي تُتّبع ، و النهي عن اتّباع غيرها ، و عن التوقّف و التبلبل و الحيرة و الاضطراب . .
روى الشيخ المفيد بسنده عن سلمان رضي الله عنه ، يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” تفترق أُمّتي ثلاث فرق : فرقة على الحقّ لا ينقص الباطل منه شيئاً ، يحبّونني و يحبّون أهل بيتي ، مثلهم كمثل الذهب الجيّد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ جودة ، و فرقة على الباطل لا ينقص الحقّ منه شيئاً ، يبغضونني ويبغضون أهل بيتي ، مثلهم مثل الحديد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ شرّاً ، وفرقة مدهدهة ، على ملّة السامري ، لا يقولون : لا مساس ، لكنّهم يقولون : لا قتال ، إمامهم عبـد الله بن قيس الأشعري ” 96 . .
و يشير ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إلى اضطراب الفرقة الثالثة ، و أنّ شعارهم : ” لا قتال ” ، أي : لا فيصلة بين الحقّ عن الباطل ، و يمزجون المذاهب و المسارات ، مدهدهة البصيرة 97 .
و روي ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، إلاّ أنّه وصف الفرقة المذبذبة بأنّها شـرّ الفرق ; فقال : ” إنّ هذه الأُمّـة تفترق على ثلاث و سبعين فرقة ، فرقة واحـدة منها في الجـنّة و اثنتان و سـبعون في النار ، و شرّها فأبغضها إلى الله و أبعـدها منه السامـرة ، الّذين يقولون : ” لا قتال ” و كذبوا ، و قد أمر الله عزّ و جلّ بقتال هؤلاء الباغين في كتابه و سُـنّة نبيّه ، و كذلك المارقة ” 98 .
و روى في كشف الغُمّة أنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال : ” قد انتحلت طوائف من هذه الأُمّة ـ بعد مفارقتها أئمّة الدين و الشجرة النبوية ـ إخلاص الديانة وأخذوا أنفسهم في ضحائل الرهبانية و . . . حتّى إذا طال عليهم الأمد وبعدت عليهم الشقّة و امتحنوا بمحن الصادقين رجعوا على أعقابهم ناكصين . . . و ذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، و احتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوا بآرائهم ، و اتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات و دياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ، و لا أثرة علم من مظانّ العلم ، بتحذير مثبطين زعموا أنّهم على الرشد من غيّهم . .
و إلى مَن يفزع خلف هذه الأُمّة ، و قد درست أعلام الملّة ، و دانت الأُمّة بالفرقة و الاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً ، و الله تعالى يقول : ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ … ﴾ 99 ؟! فمَن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكمة ، إلاّ أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى؟! . . . ” 100 .

الحادية عشـرة

إنّ جملة من أتباع الشيخين قد ذهبوا إلى وجود النصّ من النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عليهما . .
قال التفتازاني : المبحث الرابع : الجمهور على انّه (صلّى الله عليه [ وآله ] و سلّم) لم ينصّ على إمام ، و قيل : نصّ على أبي بكر (رض) نصّاً خفيّاً ، و قيل : جليّاً .
و قالت الشيعة : على عليّ (كرّم الله وجهه) خفيّاً ، و الإمامية منهم : جليّاً أيضاً 101 . انتهى .
و قال في شرح كلامه السابق : ذهب جمهور أصحابنا و المعتزلة و الخوارج إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم ينصّ على إمام بعده ، وقيل : نصّ على أبي بكر ; فقال الحسن البصري : نصّاً خفيّاً ، وهو تقديمه إيّاه في الصلاة ، وقال بعض أصحاب الحديث : نصّاً جليّاً 102 .
ثمّ إنّ التفتازاني يناقض نفسه ; فمع إنكاره للقول بالنصّ يستدلّ على إمامة أبي بكر بالنصّ!!
قال : المبحث الخامس : الإمام بعد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]و سلّم أبو بكر ، و قالت الشيعة : عليّ .
لنا إجماع أهل الحلّ و العقد . . . و قد يتمسّك بقوله تعالى : ﴿ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ … ﴾ 103 . . الآية ، فالداعي المفترض الطاعة أبو بكر عند المفسّرين !! و عمر عند البعض !! و فيه المطلوب ، و بقوله صلّى الله عليه [ و آله ] و سلّم : اقتدوا باللّذين من بعدي : أبي بكر و عمر . . . ثمّ قال : يأبى الله و المسلمون إلاّ أبا بكر . . . و بأنّ النبيّ صلّى الله عليه [ و آله ] و سلّم استخلفه في الصلاة ولم يعزله . . . و هذه ظنّيات ربّما تفيد باجتماعها القطع ، مع أنّ المسألة فرعية يكفي فيها الظنّ 104 .
و استدل في موضع آخر بعدّة نصوص رووها في فضائل أبي بكر و عمر 105 .
ثمّ إنّ التفتازاني ـ ككثير من متكلّمي و محدّثي أهل سُـنّة الجماعة ـ عقد بحثاً آخر مستقلاًّ في ذيل الإمامة ، و هو البحث عن الأفضلية في هذه الأُمّة لمَن ؟! و ترتيبها و أدلّتها . .
قال : المبحث السادس : الأفضلية عندنا بترتيب الخلافة ، مع تردّد فيما بين عثمان و عليّ (رضي الله عنه) ، و عند الشيعة و جمهور المعتزلة الأفضل عليّ . لنا أجمالا 106 .
و كذلك لاحظ الأيجي في المواقف ، و الشريف الجرجانى في شرحها في المرصد الرابع ، فإنّهما مع نفيهما للنصّ قالا في جواب النصوص على إمامة عليّ (عليه السلام) : ” هذه النصوص معارضة بالنصوص الدالّة على إمامة أبي بكر ، و هي من وجوه : الأوّل : قوله تعالى : . . . ” ، ثمّ استدلّ بعدّة آيات قرآنية و نصوص روائية 107 .
كما أنّه في المقصد الخامس من المرصد الرابع عقد البحث في الأفضلية .
هذا ، و الإمعان في كلماتهم في عدالة الصحابة و فضائلهم ، و بالخصوص أصحاب السقيفة ، و بالأخصّ الشيخين ، يدلّ بوضوح على أنّهم يستدلّون بها بنحو يوازي الاستدلال بالعصمة و امتناع ارتكاب الباطل ، إلاّ أنّهم يغلّفوها بعبارات و عناوين عائمة غائمة تغطية للمعنى المستدلّ به بألفاظ أُخرى كي تتم المغالطة و تنطوي ، و هذا النمط من الاستدلال من أوسع أنواع صناعة المغالطة مضافاً إلى اضطراب حدود المعاني بتوسّط هذا النمط من الاستدلال ، كما أنّهم إذا ضاق بهم الخناق في الاستدلال و الجواب عن دلائل إمامة عليّ (عليه السلام) تراهم يتأمّلون في كون عصمة النبيّ ( صلى الله عليه و آله و سلم ) مطلقة . .
لاحظ مثلا : ما ذكر الأيجي في المواقف عن الاستدلال بـ : ” فاطمة بضعة منّي ” 108 . و هذه هي عاقبة الأمر ، و قد رووا : إنّ عمر محدَّث هذه الأُمّة!! و : لو كان نبيّاً بعدي لكان عمر!!!

الثانية عشـرة

هناك طوائف عديدة من الروايات بألفاظ مختلفة تنهى عن الذوبان في المخالفين و التسيّب في مخالطتهم ، و تأمر بالتحفّظ في كيفية التعايش معهم ، و هذه الطوائف متوافقة مع الطوائف الأُخرى الآمرة بالمداراة لهم و التعامل معهم بالحسن و التجمّل ; لأنّ الأُولى تحدّد هذا التعامل بكونه سطحيّاً لا في العمق ، و الثانية إنّما تحثّ على حسن التعامل على صعيد السطح . .
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ، أنّه أتاه قوم من أهل خراسان من ما وراء النهر فقال لهم : ” تصافحون أهل بلادكم و تناكحونهم ، أما إنّهم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام و إذا ناكحتموهم انتهك الحجاب فيما بينكم و بين الله عزّ و جلّ ” 109 .
و في موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : كانت تحته امرأة من ثقيف و له منها ابن يقال له : إبراهيم ، فدخلت عليها مولاة لثقيف فقالت لها : من زوجك هذا ؟ قالت : محمّـد بن علي . قالت : فإنّ لذلك أصحاباً بالكوفة قوم يشتمون السلف ويقولون . قال : فخلّى سبيلها ، فرأيته بعد ذلك قد استبان عليه و تضعضع من جسمه شيء . . الحديث 110 .
و في صحيح عبـد الله بن سنان ، عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : ” و لا يتزوج المستضعف المؤمنة ” 111 .
و في مـوثّق زرارة عن أبي عبـد الله (عليه السلام) ، قال : تزوّجوا في الشُكّاك و لا تزوّجوهم ; فإنّ المرأة تأخذ أدب زوجها و يقهرها على دينه ” 112 ; و رواها الصدوق بطريق صحيح 113 .
و هذه الروايات في مورد النكاح و إن اختلفت أقوال الفقهاء في المنع أو الكراهة أو التفصيل ، إلاّ أنّ مفادها إجمالا يسوس باتّجاه التحفّظ عن الذوبان فيهم ، و إبقاء عازل في ضمن نظام التعايش معهم 114 .

  • 1. بحار الأنوار : 28 / 2 ـ 36 .
  • 2. a. b. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 98 ، الصفحة : 94 .
  • 3. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 203 .
  • 4. a. b. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 48 ، الصفحة : 156 .
  • 5. a. b. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 102 ، الصفحة : 203 .
  • 6. a. b. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 60 ، الصفحة : 196 .
  • 7. دعائم الإسلام : 1 / 27 ، قرب الإسناد : 351 ضمن ح 1260 ، المحاسن : 1 / 251 ـ 252 ح 474 و ح 476 .
  • 8. صحيح مسلم : 3 / 1478 ح 1851 ، المعجم الكبير : 19 / 334 ح 769 ، سُنن البيهقي : 8 / 156 .
  • 9. المناقب ـ للكوفي ـ 1 / 296 ح 220 و 2 / 146 ح 624 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 27 ح 10 ، المسترشد ـ لابن جرير الطبري ـ : 260 ذيل ح 73 و 578 ح 250 ، مسند البزّار : 9 / 343 ح 3900 .
  • 10. الكافي : 3 / 249 ح 6 ، بحار الأنوار : 5 / 292 ح 14 .
  • 11. الكافي : 3 / 249 ح 7 ، بحار الأنوار : 5 / 293 ح 15 .
  • 12. المعجم الكبير : 7 / 295 ح 6993 ، حلية الأولياء : 6 / 308 ، بحار الأنوار : 5 / 291 ح 5 .
  • 13. الكافي : 3 / 248 ح 1 ، معاني الأخبار : 407 ح 86 ، بحار الأنوار : 5 / 290 ح 3 .
  • 14. الكافي : 3 / 248 ـ 249 ح 1 ـ ح 7 ، بحار الأنوار : 5 / 288 ـ 297 ح 1 ـ ح 22 .
  • 15. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 99 ، الصفحة : 94 .
  • 16. تفسير العيّاشي : 1 / 269 ح 246 ، بحار الأنوار : 72 / 164 ح 23 .
  • 17. الكافي : 2 / 282 ح 3 ، كتاب الإيمان و الكفر : باب أصناف الناس .
  • 18. تفسير العيّاشي : 2 / 93 ح 74 ، بحار الأنوار : 72 / 164 ـ 165 ح 26 .
  • 19. تفسير العيّاشي : 1 / 269 ح 249 ، معاني الأخبار : 202 ح 8 ، بحار الأنوار : 72 / 160 ح 13 .
  • 20. الكافي : 3 / 247 ضمن ح 1 ، تفسير القمّي : 2 / 260 ، بحار الأنوار : 6 / 286 ح 7 و 290 ضمن ح 14 و 72 / 158 ح 3 .
  • 21. الخصال : 608 ضمن ح 9 ، عيون الأخبار : 2 / 125 ضمن ح 1 ، بحار الأنوار : 8 / 40 ح 22 و 72 / 159 ح 6 .
  • 22. معاني الأخبار : 392 ح 40 ، بحار الأنوار : 72 / 159 ح 7 .
  • 23. تفسير فرات الكوفي : 298 ح 403 ، بحار الأنوار : 8 / 52 ضمن ح 59 .
  • 24. تفسير القمّي : 2 / 202 ، الخصال : 408 ح 6 ، ثواب الأعمال : 206 ح 1 ، بحار الأنوار : 8 / 38 ح 16 و 39 / 19 و 41 / 26 .
  • 25. a. b. c. d. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 324 .
  • 26. a. b. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 48 ، الصفحة : 86 .
  • 27. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 87 ، الصفحة : 311 .
  • 28. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 109 ، الصفحة : 319 .
  • 29. a. b. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 82 ، الصفحة : 317 .
  • 30. القران الكريم : سورة الرعد ( 13 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 250 .
  • 31. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 73 ، الصفحة : 328 .
  • 32. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 و 7 ، الصفحة : 1 .
  • 33. القران الكريم : سورة يونس ( 10 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 213 .
  • 34. تفسير البرهان : 3 / 28 ـ 30 ح 4885 ـ ح 4894 .
  • 35. تفسير نور الثقلين : 2 / 302 ـ 304 ح 57 ـ ح 63 .
  • 36. عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 136 ح 35 ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 56 ح 11 ، بحار الأنوار : 8 / 19 ح 5 و 34 ح 4 .
  • 37. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 469 .
  • 38. التوحيد : 407 ح 6 ، بحار الأنوار : 8 / 351 ح 1 .
  • 39. الخصال : 407 ح 6 ، بحار الأنوار : 8 / 39 ح 19 .
  • 40. غرر الحكم ـ للآمدي ـ : 1 / 85 ح 1749 ، مستدرك الوسائل : 12 / 113 ضمن ح 13 .
  • 41. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 27 ، الصفحة : 112 .
  • 42. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 6 .
  • 43. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 118 .
  • 44. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 .
  • 45. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 107 .
  • 46. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 1 .
  • 47. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 1 .
  • 48. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 4 ، الصفحة : 1 .
  • 49. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 5 ، الصفحة : 1 .
  • 50. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 1 .
  • 51. a. b. c. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 1 .
  • 52. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 486 .
  • 53. نهج البلاغة : الخطبة القاصعة .
  • 54. شرح إحقاق الحقّ : 9 / 491 .
  • 55. المعجم الأوسط : 3 / 26 ح 2251 ; و ذكره الهيثمي في مجـمع الزوائد : 9 / 172 ، و ابن حجر في الصواعق ، والنبهاني في الشرف المؤبّد : 96 ، و الحضرمي في رشفة الصادي : 43 .
  • 56. لاحظ : شرح إحقاق الحقّ : 9 / 492 ـ 494 ، و 15 / 579 ، و 18 / 448 ، و 20 / 290 ـ 315 ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 149 ، الغدير : 2 / 301 ، و 9 / 268 . .
    و أخرجه الطبراني والسيوطي و الثعلبي و النبهاني ، وابن حجر في الصواعق : 172 . و غيرهم .
  • 57. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 257 .
  • 58. الكافي : 1 / 140 ح 8 ، الوسائل : 1 / 118 ح 297 .
  • 59. عقاب الأعمال : 250 ذيل ح 16 ، الوسائل 1 / 123 ذيل ح 312 .
  • 60. علل الشرايع : 250 ح 7 ، الوسائل : 1 / 123 ذيل ح 310 .
  • 61. عقاب الأعمال : 244 ذيل ح 3 ، الوسائل : 1 / 124 ح 314 .
  • 62. الكافي : 2 / 294 ح 9 .
  • 63. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 57 ، الصفحة : 365 .
  • 64. a. b. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 113 .
  • 65. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 180 ، الصفحة : 174 .
  • 66. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 98 و 99 ، الصفحة : 94 .
  • 67. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 102 ، الصفحة : 203 .
  • 68. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 106 ، الصفحة : 203 .
  • 69. تفسير القمّي 1 / 149 ، بحار الأنوار 72 / 157 ح 1 .
  • 70. تفسير القمّي 1 / 304 ـ 305 ، بحار الأنوار 72 / 157 .
  • 71. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 517 .
  • 72. الخصال : 333 ح 34 ، بحار الأنوار 72 / 158 ح 4 .
  • 73. معاني الأخبار : 200 ح 1 ، بحار الأنوار : 72 / 159 ح 8 .
  • 74. معاني الأخبار : 201 ح 6 ، بحار الأنوار : 72 / 160 ح 11 .
  • 75. معاني الأخبار : 202 ح 7 ، بحار الأنوار : 72 / 160 ح 12 .
  • 76. مرّت تخريجات الحديث في ص 106 .
  • 77. تفسير العيّاشي 1 / 270 ح 250 ، معاني الأخبار : 202 ح 9 ، بحار الأنوار 72 / 161 ح 14 .
  • 78. تفسير العيّاشي : 1 / 270 ح 251 ، معاني الأخبار : 203 ح 10 ، بحار الأنوار : 72 / 161 ح 15 .
  • 79. معاني الأخبار : 200 ح 2 ، بحار الأنوار : 72 / 162 ح 17 .
  • 80. معاني الأخبار : 201 ح 3 ، بحار الأنوار : 72 / 162 ح 18 .
  • 81. كتاب سليم بن قيس الكوفي : 2 / 670 ضمن ح 12 ، بحار الأنوار : 72 / 170 ح 36 .
  • 82. مستطرفات السرائر : 3 / 583 .
  • 83. علل الشرائع : 601 ح 60 ، طبعة النجف الأشرف .
  • 84. معاني الأخبار : 365 ح 1 .
  • 85. الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ : 334 ح 4 ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 113 ح 172 ، بحار الأنوار : 27 / 53 ح 6 .
  • 86. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 579 ح 341 .
  • 87. مرّت تخريجات الحديث في ص 112 .
  • 88. دعائم الإسلام : 1 / 156 ، الهداية ـ للشيخ الصدوق ـ : 62 ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 618 ضمن ح 1274 .
  • 89. الكافي : 2 / 69 ح 2 ، علل الشرائع : 524 ح 1 .
  • 90. تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 49 ضمن ح 22 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 1 / 291 ح 41 ، علل الشرائع : 140 ح 1 ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 61 ح 21 ، معاني الأخبار : 37 ضمن ح 9 و 399 ح 58 ، بحار الأنوار : 27 / 54 ح 8 .
  • 91. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 257 .
  • 92. القران الكريم : سورة الفرقان ( 25 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 362 .
  • 93. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 39 ، الصفحة : 355 .
  • 94. القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 104 ، الصفحة : 304 .
  • 95. القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 544 .
  • 96. الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ : 29 ح 3 .
  • 97. مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن مردويه ـ : 124 ح 157 ، بحار الأنوار : 28 / 9 ـ 10 ح 12 و 16 .
  • 98. كتاب سليم بن قيس الكوفي : 2 / 663 ضمن ح 12 .
  • 99. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 105 ، الصفحة : 63 .
  • 100. كشف الغمّة : 2 / 98 ـ 99 ، بحار الأنوار : 27 / 193 ح 52 .
  • 101. شرح المقاصد : 5 / 258 .
  • 102. شرح المقاصد : 5 / 259 .
  • 103. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 16 ، الصفحة : 513 .
  • 104. شرح المقاصد : 5 / 263 ـ 264 .
  • 105. فلاحظ : شرح المقاصد : 5 / 292 ـ 294 .
  • 106. شرح المقاصد : 5 / 290 .
  • 107. شرح المواقف : 8 / 363 .
  • 108. المواقف : 3 / 607 ـ 610 .
  • 109. الكافي : 5 / 352 ح 17 .
  • 110. الكافي : 5 / 351 ح 13 .
  • 111. الكافي : 5 / 351 ح 8 .
  • 112. الكافي : 5 / 351 ح 5 .
  • 113. من لا يحضره الفقيه : 3 / 408 ح 4426 .
  • 114. كتاب عدالة الصحابة لسماحة العلامة الشيخ محمد السند : 401 ـ 437.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى