مقالات

المساواة…

أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرات متعددة إلى حق الإنسان بالمساواة ، فقد جاء في ديباجة هذا الإعلان : ( لما كان الإعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية و حقوقهم المتساوية هو أساس الحرية و العدل … ).
المادة 1. ( يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة و الحقوق ، و قد وهبوا عقلاً و ضميراً ، و عليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء ) .

المادة 2. « لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق و الحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز ، كالتمييز العنصري أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي ، أو أي رأي آخر ، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد ، أو أي وضع آخر ، دون تفرقة بين الرجال والنساء ، وفضلاً عما تقدم فلن يكون هنالك تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي اليها الفرد ، سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي ، أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود » .
المادة 7. « كل الناس سواسية أمام القانون ، و لهم الحق بالتمتع بحماية متكافئة من دون أية تفرقة ، كما أن لهم الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان و ضد أي تحريض على تمييز كهذا » .
المادة 10. « لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه و التزاماته و أية تهمة جنائية توجه إليه » .
المادة 21. « 21 / 2 ( لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد » . « 221 إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة ، و يعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الإقتراع السري ، و على قدم المساواة بين الجميع ، أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت » .
المادة 22. « 22 / 2 ( لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساوٍ للعمل ) .
المادة 26. « 26 / 1 ( لكل شخص الحق في التعليم ، و يجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى و الأساسية على الأقل بالمجان ، و أن يكون التعليم الأولي الزامياً ، و ينبغي أن يعمم التعليم الفني و المهني ، و أن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع و على أساس الكفاءة » .
يتبين لنا من هذه المواد تعني أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعني بالمساواة : التماثل أو التشابه أو التعادل ، في الحقوق الثابتة للإنسان التي تضمنها هذا الإعلان . و أن أساس هذه المساواة التساوي في الكرامة و الحقوق الإنسانية ، و تمتع كل إنسان بكافة الحقوق و الحريات على قدم المساواة و التماثل .
و تعني أيضاً : مساواة الجميع أمام القانون . و حقهم بالحماية المتكافئة المتساوية ضد أي تمييز . و تعني أيضاً : حقهم باللجؤ إلى الحاكم . و حقهم بالمحاكمة العادلة . و حقهم بتقلد الوظائف العامة على قدم المساواة ، و حقهم بالإنتخاب . و تعني أيضاً : تيسير التعليم خاصة التعليم العالي للجميع على قدم المساواة .
هذا هو معنى المساواة و حدودها ودائرتها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و هي قواعد عامة مجردة و لا ضمانة لتطبيقها عملياً ، فالمهم حسب التحررية الرأسمالية الذي ألبس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثوبها ، هو إعلان الحق و الحرية كقاعدة عامة مجردة ، أما استفادة الإنسان عملياً منها فأمر آخر متروك لا علاقة للسلطة به ! فالتحررية الرأسمالية قررت حرية الإنسان في‏مسكنه ، ثم رفعت يدها عن الموضوع برمته ، فلا يعينها إذا كان الإنسان قادراً على امتلاك مسكن أو استئجاره ! و هكذا في‏كل الحقوق والحريات التي انبثقت عن التحررية الرأسمالية ، فليس للإنسان من الحقوق في الحق و الحقيقة إلا الناحية النظرية ! و هذا ما يقال في الكثير من الحقوق و الحريات التي تغنت بها الرأسمالية التحررية و نسبتها إلى نفسها ، مع أنها مسلمات بشرية ، و أعراف إنسانية مستقرة في كل المجتمعات و ذات أصول ومنابت دينية .
و يلاحظ أيضاً أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أفرط بالتركيز على الجانب المادي و أهمل الجانب الروحي أو المعنوي ، و هذا تفريط و تنكر بالغ القسوة للمنابت و الأصول الدينية لكافة الحقوق و الحريات ، و على الأخص حق الإنسان بالمساواة ، و فصل اعتباطي لهذه الحقوق و الحريات عن أصولها الحقيقية التي تغذيها و تثريها ، و تعمم فائدة ذلك على الجنس البشري كله .
و المدهش حقاً أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يشر و لو بكلمة واحدة إلى الذات الإلهية ولم يذكر حتى كلمة الله ! ولم يعترف له أي دور في إيجاد هذه الحقوق و الحريات !! فقطعها عن أصولها و منابتها الحقيقية ، فأصبحت كالأشجار الخضراء اقتلعت من جذورها ، و انبتت عن ماضيها و تجاربه كأنها وليدة يومها .

1ـ وحدة الخالق و التماثل و المساواة في بني آدم

مبدأ المساواة أصل ثابت من أصول الإسلام ، و قاعدة عامة من قواعد شريعته ، يتوجب على كافة المكلفين تنفيذه و العمل به كما تنفذ بقية الأوامر الإلهية التعبدية و يعمل بها . فالله سبحانه و تعالى هو الذي خلق كل الناس ، و الإنسان يتماثل ويتساوى من غيره من بني‏ الإنسان في بُناه الذاتية و حاجاته الأساسية ، في مراحل خلقه ، و في حياته و موته ، لذلك كانت المساواة أصلاً ثابتاً من الأصول الأساسية التي قامت عليها الحياة البشرية . قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ 1 . و قال الرسول ( صلى الله عليه و آله ) : « يا أيها الناس إنكم من آدم و آدم من تراب » 2 . و قال : « إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ، و لا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى » 3 .
و قال أيضاً ( صلى الله عليه و آله ) « إنما أنتم من رجل و امرأة كجَمام الصاع ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى » 4 .

2 ـ المساواة في حاجات الإنسان الأساسية و المساواة في إشباعها

الإنسان متشابه في الغرائز و الحاجات الأساسية ، فكل إنسان مهما كان وضعه أو لونه أو معتقده أو موطنه ، بحاجة أساسية لأن يأكل و يشرب و يلبس و يسكن و ينام و يصحو و يتزوج ، و أن تكون له أسرة ، و أن يعمل و يفكر و يتدين . ولكل إنسان مشاعر ، فهو يفرح و يحزن و يضحك و يبكي… الخ . وجميعهم يسعى لإشباع هذه الحاجات ، و هذا أساس متين و مرتكز صلب لمبدأ المساواة بين الناس .
و رزق الناس جميعاً في السماء عند الله ، و قد كتب على نفسه أن يؤمِّن لكل إنسان رزقه الذي يفي بحاجته ، قال تعالى : ﴿ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ 5 و سيجد الإنسان رزقه لا محالة ، و لن يموت قبل أن يستوفي ما كتب الله له من رزق !! و رزق الله في الأرض ، فهي مستودع أرزاق بني الإنسان و حاجاتهم ، و دخولها مباح لكل إنسان ، و هي بمثابة مائدة إلهية ممدودة ، دعا الله بني الإنسان اليها ، لأنها تكفي الجميع ، فكل منهم يجد رزقه و قوته في ‏الأرض قال تعالى : ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ 6 و لكن الشراكة و الخلطة من أسباب البغي ، و قد بغى بعض الخلطاء على بعض و أخذ ما ليس له و حرم الآخر مما هو له . و المساواة بين الناس تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى نصابها .
و ما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على أن الناس متساوون في أصول أرزاقهم ، لا فرق بين إنسان و آخر ، لأن خالقهم واحد و أباهم واحد و حاجاتهم واحدة ، و قد كرمهم الله جميعاً بصفتهم بني آدم ، فتساويهم حق طبيعي يولد بولادة الإنسان كحق الحرية و لا يملك أحد مصادرته ، و لقد أصاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عندما أعلن في مادته الأولى : « يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة و الحقوق » .

3ـ تحديد معنى حق الإنسان بالمساواة

حق الإنسان في المساواة يعني أن يكون في مركز قانوني متعادل مع المركز القانوني الذي يكون فيه غيره ، فينطلقان من نقطة واحدة متساوية بحيث يتم التعامل معهما بنفس الطريقة و نفس القانون ، و نفس الإجراءات و الموازين .
و يعني أن تكون أمامه نفس الفرصة التي لغيره في تقلد الوظائف العامة ، و الحماية القانونية المتساوية تماماً مع غيره ، و يحصل على نفس مقدار العطاء المالي الذي تعطيه الدولة لرعاياها ، و يتم ذلك بدون تمييز بسبب الصغر أو الجنس أو اللون ، أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الإقليم أو المكانة الإجتماعية و الإقتصادية ، أو الإنتماء المذهبي أو غيرها من الإعتبارات . و يُيَسَّر التعليم المجاني للجميع إلى المستوى الذي يرغب به الإنسان ، و تتحمله قدراته و طاقاته .
إن المساواة التي تبنها الإسلام أبعد مدى و أوسع أفقاً من أية مجالات أخرى عرفتها الشرائع التي حكمت الأرض ، فما دام الناس جميعاً خلق الله الواحد و إخوة أبوهم آدم و أمهم حواء ، فلا مبرر لانتهاك حق الإنسان في المساواة بينه و بين أخيه .

4ـ مجالات و آفاق حق المساواة

نستعرض طائفة من الحقوق الإنسانية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، مع تقديم حق على حق ، و نشير إلى منبع الحق و مصدره و الرداء الجديد الذي ألبسته إياه الرأسمالية التحررية ، لنتبين من ذلك مجالات و آفاق حق الإنسان بالمساواة :

5 ـ منابت حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

عندما خلق الله آدم علمه الأسماء كلها ، وعلمه علوماً لم يعلمها حتى للملائكة الأبرار ، وعندما أهبط آدم إلى الأرض و اختاره للنبوة ، علَّم كثيراً من هذه العلوم لأولاده ، و علَّم علومه كلها لأوصيائه ، فانتشرت هذه المعارف بينهم لأنها من ضرورات حياتهم ، و جاء الأنبياء و الرسل الكرام ( عليهم السلام ) بعلوم و معارف مشابهة رسَّخت ما نشره آدم ( عليه السلام ) . فكافة الحقوق و الحريات و خاصة حق الإنسان بالمساواة ذات أصول و منابع دينية و فطرية ، أكدها كل الأنبياء و الرسل الكرام ( عليهم السلام ) .
و نظراً لأنها تحولت إلى أعراف بشرية ملزمة ، قام الإنسان بقطعها الإنسان عن أصولها الدينية و نسبها إلى نفسه ، و أدخلها في التشريعات الوضعية في منظوماته القانونية ، فاستقرت نسبتها إلى الإنسان نهائياً !
و عندما أدركت الدول المعاصرة أهمية هذه الحقوق لتحقيق السلام في العالم ، و أن أحد أسباب الحروب هو الإنتهاك الصارخ لها ، قام واضعوا قائمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بجمع هذه الحقوق و ترتيبها و تبويبها ، ثم عرضوها على الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، فأقرتها بالإجماع بعد أن تعهدوا باعتمادها و اعتبارها ، و تمت نسبتة هذه القائمة إلى واضعيها و بالتحديد الجمعية العامة للأمم المتحدة ، مع أنها موجودة و متعارف عليها و مسلم بها ، قبل أن تنشأ الأمم المتحدة بمئات الآلاف من السنين !

6ـ الرداء الجديد لقائمة الحقوق في ‏الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

و لأن الدول الكبرى التي تتحكم في العالم تتبنى العقيدة السياسية التحررية الرأسمالية ، فقد تم إلباس قائمة الحقوق الواردة في الإعلان العالمي رداء جديداً هو رداء التحررية الرأسمالية ، فجمعت هذه الحقوق بطريقة التحررية الرأسمالية و اصطلاحاتها ، فبدت كأنها برمتها جديدة و من اختراع الرأسمالية التحررية التي نسبت الفضل كله إليها ، مع أن هذه الحقوق ذات منابت و منابع دينية وأعراف بشرية وهي ثمرة الجهد الإنساني ! و لا يتسع بنا هذا المقام لبيان نشأة العقيدة التحررية الرأسمالية ، و كيف آلت إليها هذه الحقوق و كيف نشأت تلك المصطلحات ، فليراجع كتابنا « مرتكزات الفكر السياسي في ‏الإسلام ، و التحررية الرأسمالية ، و الشيوعية » .

التساوي في الحقوق و الواجبات و العطاء

بعد هذا التوطيد نشير إلى مجالات و آفاق حق المساواة و هي : 1 ـ التساوي في الحقوق الإنسانية. 2 ـ التساوي في الواجبات . 3 ـ التساوي في العطاء الذي تقدمه الدولة الإسلامية لرعاياها ، و هو أفق جديد للمساواة لا مثيل له في أي نظام في العالم .

1 ـ مجال التساوي في الحقوق

أ. يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الحقوق ، فقد وهب الله سبحانه و تعالى لكل إنسان كافة حقوقه الإنسانية ، و قد تحول هذا المبدأ إلى واقع عاشه رعايا دولة النبي ( عليه السلام )و دولة الإمام علي ( عليه السلام ) ، و طالما ردد النبي أمام المسلمين قوله « الناس مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ، و لا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى » 3 .
« و إنما أنتم من رجل و امرأة كجمام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى » 4 .
فالمساواة كانت حقيقة من حقائق الحياة في دولة النبي ( صلى الله عليه و آله ) و دولة أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، و مسلمة من المسلمات الأساسية في المجتمع الإسلامي .
ب. لكل إنسان على قدم المساواة الحق في الحياة و سلامة شخصه و أعضاء بدنه ، فإذا فقد حياته انهدم عالمه ، ولم تعدله فائدة من كل حقوقه الإنسانية ، و لذلك اعتبر الإسلام أن من يقتل إنساناً فكأنه قتل الناس جميعاً ، ﴿ … مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا … ﴾ 7 و من هنا صار « كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه » .
ج. لكل إنسان و على قدم المساواة الحق أن يُعترف بشخصيته ككيان قائم بذاته ، حر و مسؤول عن تصرفاته ، و يتحمل نتائج تصرفاته نافعة كانت أم ضارة .
هـ . لكل إنسان على قدم المساواة الحق في الأمن التام ، فقد أوجد الإسلام حكماً رادعاً بحق من تسول له نفسه العبث أو الإعتداء على أمن الناس ، و للإنسان حق الدفاع عن نفسه و عرضه و ماله في الحالات الإضطرارية ، حسب شروط الدفاع .
و. لكل إنسان و على قدم المساواة ، الحق في الحرية الدينية و حرية التفكير و التعبير .
ز. لكل إنسان و على قدم المساواة الحق في الحرية السياسية .
حـ . لكل إنسان الحق بأن يتمتع بكافة حقوقه المدنية .
طـ . لكل إنسان الحق بالمساواة أمام القانون ، و له الحق بحماية قانونية متكافئة مع غيره ضد أية تفرقة أو أي تمييز أو التحريض على ذلك ، فكافة مواطني الدولة و الرعايا الأجانب المقيمون و المتواجدون فيها ، متساوون أمام القانون النافذ ، و يطبق عليهم نفس القانون على قدم المساواة .
ي . هناك حالات خاصة تقتضي أن يكون لأتباع كل عقيدة دينية ، قانون أحوال شخصية خاص بأتباعه ، فيتساوى كافة أتباعه أمام قانون الأحوال الشخصية ، و لا يجوز إجبار أحد من أتباع هذه العقيدة بالخضوع لقانون أحوال شخصية آخر .
ك . لكل إنسان الحق في أن يلجأ إلى المحكمة المختصة على قدم المساواة مع غيره ، طالباً إنصافه عن أعمال فيها اعتداء على حقوقه التي منحها له القانون . و يجب على المحكمة تحقيق المساواة بين الخصوم ، فلا يجوز التفرقة بين المسلم و الكافر و الشريف و الوضيع و العادل و الفاسق أو غيرهم ، قال الله سبحانه و تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ … ﴾ 8 . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى … ﴾ 9 . ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى … ﴾ 10 .
ل. الأصل براءة الذمة و على من يدعي انشغالها أن يثبت إثباتاً يقينياً ، و يطبق هذا المبدأ على كافة الإدعاءات الحقوقية .
م . الأصل براءة المتهم من الجرم ، و على من يدعي ارتكاب المتهم للجرم أن يثبت ذلك إثباتاً يقينياً ، و تدرأ الحدود بالشبهات ، و يجب إعلان براءته .
ن. الجريمة شخصية فالمجرم شخصياً هو الجاني ، و هو وحده الذي يتحمل تبعات جرمه ، و لا علاقة لذويه و أصدقائه بهذا الجرم و لا بنتائجه ﴿ … وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى … ﴾ 11 .
4ـ لا يعاقب إنسان على فعل أو ترك فعل ، إلا إذا كان جرماً حسب القانون النافذ ، الذي ينبغي أن يعرفه جميع أفراد المجتمع .
و مما يثلج الخاطر أن كافة الدول الحديثة اعترفت بحق الإنسان بكافة الحقوق و الحريات الإنسانية على قدم المساواة و بدون تمييز ، و أعلنت بأنها جميعاً ملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و أنها تسعى جاهدة لتمكين كل إنسان من التمتع بهذه الحقوق ، بالتساوي و بدون تمييز 4 .

2 ـ مجال التساوي في الواجبات

1ـ نصت المادة 29 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، على ما يلي : « 29 / 1 : على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يتاح فيه وحده لشخصيته أن تنمو نمو حراً كاملاً » . 29 / 2 : يخضع الفرد في ممارسة حقوقه و حرياته لتلك القيود التي يقدرها القانون فقط ، لضمان الإعتراف بحقوق الغير و حرياته و احترامها و لتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام ، و المصلحة العامة و الأخلاق في مجتمع ديمقراطي » .
المادة20 : ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم هذه الحقوق و الحريات الواردة فيه » .
فمن المهم أن يتمتع الإنسان بحقوقه و حرياته ، و لكن بنفس الدرجة يجب أن يتمتع الآخر بحقوقه و حرياته ، لذلك كانت أول واجبات الإنسان إطاعة القانون واحترام هذه القيود و الإعتراف بشرعيتها و عدالتها ، فإن لم يفعل ذلك فقد أخل بواجبه الأول و عقَّ المجتمع الذي احتضنه ، و أساء إلى نفسه لأنه عرض حقوقه و حرياته للخطر بمخالفة القانون الذي ينظمها و يحدد مساراتها . فالمطلوب من كل إنسان أثناء ممارسته لحقوقه و حرياته أن يكف أذاه عن غيره ، فإذا استعمل حقوقه بقصد الإعتداء على غيره أو إلحاق الضرر به ، تتصدى له السلطة و تمنعه من ذلك .
مثلاً يحق للإنسان إبرام الإتفاقيات و العقود التي يريد ، لكنه لا يستطيع التعاقد مع آخر ليقوم بقتل إنسان ، لأنه اتفاق مخالف للنظام العام فيكون باطلاً و بحكم المعدوم .
كذلك لا يحق لإنسان أن يمارس حقوقه و حرياته ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها ، فالدول الأعضاء ملزمة بأن لا يتناقض سلوكها مع هذه الأغراض والمبادئ ، و كذلك الأفراد بوصفهم رعايا لتلك الدول ، لا يحق لهم أن يمارسوا حقوقهم بشكل يناقض هذه المبادئ الرامية إلى تحقيق السلم العالمي ، والتقارب بين الشعوب ، و نشر العدل و الأمن .
و في النظام الإسلامي أول الواجبات الملقاة على عاتق كل مسلم القبول بالشريعة الإسلامية الإلهية كقانون نافذ في المجتمع والثقة بها لأنها من عند الله . و تعني الشريعة الإسلامية مجموعة القواعد و الأحكام و الأوامر و النواهي و المعلومات الأولية و التفصيلية ، التي أنزلها الله سبحانه و تعالى على نبيه محمد ( صلى الله عليه و آله ) . و هذه الشريعة بمثابة نظام للفرد و المجتمع والسلطة و البشر كلهم ، تنظم حياة كل منهم على انفراد و علاقاتهم مع بعضهم و علاقاتهم مع خالقهم ، و مع الكون و مع العالم المحيط بهم . و هي شريعة غائية ، أي لها أهداف و غايات ، فلكل قاعدة منها هدف وجدت من أجله ، و الأهداف كلها تلتقي و تصب في مكان واحد لتحقيق غاية كبرى واحدة ، قصدها واضع الشريعة جل شأنه و علا . و كما حددت الشريعة هذه الأهداف حددت السبل للوصول إليها ، و بينتها على وجه يزيل كل غموض ، و لذلك امتازت بأنها :
1ـ شريعة عالمية إلهية : تضع الحلول المناسبة المعللة بالتجربة الإنسانية و التكوين النفس الإنساني ، لتحقيق مقاصد الفطرة السليمة التي تترفع عن العدوان و الأذى .
2 ـ أنها شريعة إلهية ، فالقرآن الكريم هو كلام الله و هو أس الشريعة ، و سنة الرسول وحي إلهي ، بلغها و طبقها معصوم هو أعلم الناس بها وكذلك خلفاؤه الأئمة من ولده .
و الخضوع لهذه الشريعة و الإمتثال لها ليس خضوعاً لفرد و لا لهيئة و لا لطبقه ، بل هو خضوع لله الخالق و التعاون مع الرسول أو الإمام الشرعي لتطبيقها و تنفيذها و طاعته إنما هو في الحقيقة تعاون مع الله ، و طاعة له .
3 ـ أنها شريعة دينية ، فتطبيقها و الإمتثال لها مؤيد بزاجرين : زاجر دنيوي و هو العقوبة ، و آخر ذاتي ، و هو استشعار رقابة الله على السلوك .
4ـ أنها شريعة للبشر ، فهي واقعية لم تتنزل لتحكم مجتمعاً من الملائكة ، إنما لتحكم البشر بكل ما فيهم من خير و شر ، تقود النفس الإنسانية لتعطي أقصى ما لديها ، و تلجم قابليات الشر في نفس الإنسان ، فإذا صدر الشر من إنسان فهي لا تطلب منه أن يركع و ييأس ، بل تضمد جراحه و تساعده لينهض ، فباب التوبة مفتوح .
5 ـ بالرغم من شمول هذه الشريعة إلا أنها لا تُغرق الإنسان بمئات المصادر و المراجع كما تفعل القوانين الوضعية ، إنما لها مصدر واحد هو كتاب الله ، و بيان النبي ( صلى الله عليه و آله ) لهذا الكتاب ، و لها مرجع يقيني واحد هو النبي أو الإمام الشرعي القائم مقامه (عليه السلام) .
6 ـ الحقوق و الحريات في‏الشريعة الإسلامية ليست مطلقة ، بل هي مقيده بالقدر الذي يدفع الضرر و العدوان عن الغير ، و ينسجم مع الأهداف و الغايات التي أرادها الله سبحانه و تعالى للإنسان . و لا يكفي أن يقبل الإنسان طائعاً بتلك القيود على حقوقه و حرياته و يراعيها ، بل ينبغي أن يثق بأنها حق و أن تنفيذه لها عمل تعبدي يقربه من الله تعالى . كما يجب عليه أن يتناصح مع الإمام الشرعي ليطبقها على الوجه الأكمل .
7 ـ يجب على كل فرد أن يكف كل أذاه عن الناس ، أذى لسانه فيحفظه ولا يقول به إلا حقاً ، و أذى بصرة فلا ينظر به إلى محرم ، و أذى سمعه فلا يسمع به إلا حقاً ، و يكف أذى رجليه فلا يمشي بهما إلى ما لا يحل له ، وأذى يديه فلا يبسطهما إلى ما لا يحل له ، و أذى بطنه فلا يجعله وعاء لقليل من الحرام و لا لكثير ، وأذى فرجه فيحفظه مما لا يحل له . قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « و أما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله ، فتؤدي إلى لسانك حقه ، و إلى سمعك حقه ، و إلى بصرك حقه ، و إلى يدك حقها ، و إلى رجلك حقها و الى بطنك حقه ، و إلى فرجك حقه » ثم بين حقوق هذه الأعضاء و هي صيانتها عن الوقوع في الحرام أو الأذى 12 .
و لا تقف واجبات الإنسان عند هذا الحد ، فالإنسان مثقل بالواجبات نحو الله تعالى و نحو نفسه و بدنه ، و نحو إمامه الشرعي ، و نحو معلمه ، و نحو رعيته كالزوجة و الأم و الوالد و الابن و الأخ و الخادم ، و ذي المعروف ، و المؤذن ، و إمام الصلاة ، و الجليس و الجار ، و الصاحب ، و الشريك ، و الخليط ، و المال ، و الدائن ، و المستشير ، و المشير ، و الناصح ، و الكبير ، و الصغير ، و السائل ، و المبشر ، و المنذر و جميع أهل الملة ، بل إن لأهل الذمة حقوق عليه ، و هكذا تتكون شبكة من الواجبات الملقاة على عاتق الإنسان لكل أفراد مجتمعه » 13 فيكون المجتمع بالفعل بالجسد الواحد ، و يكون الإنسان بالفعل عضواً نافعاً فيه .
و ختاماً إذا أردنا أن نختصر واجبات الإنسان المسلم نحو المجتمع ، فهي أمران :
1 ـ حق الطاعة : قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ … ﴾ 14 . فطاعة الله تعني تقواه و الإلتزام بشريعته ، و طاعة الرسول تعني القبول بولايته ، و طاعة أولي الأمر تعني طاعة الأئمة الشرعيين الذين اختارهم الله و أعلنهم رسوله و هم اثنا عشر ، أولهم الإمام علي و آخرهم الإمام المهدي المنتظر ( عليهم السلام ) ، و كل واحد منهم يعلم الشريعة الإلهية علماً قائماً على الجزم و اليقين فهو أعلم أهل زمانه ، لأن الله و رسوله قد أعداه و أهلاه لذلك . و عند ما تم غصب منصب خلافة النبي و استولوا عليه بالقوة و التغلب و القهر ، زعم الغاصبون أن ولي الأمر هو القابض على منصب الخلافة بغض النظر عن دينه أو علمه ، و أن له حق الطاعة المقررة لرسول الله و لخلفائه الشرعيين و فرضوا هذه القناعة ، و قبل المسلمون تفسير الغاصبين بحكم الحال و الإضطرار ، إذ بدون السلطة يتعذر تنفيذ الأحكام الشرعية .
2 ـ حق التناصح و التعاون و التناصر : ففي الدول الغربية تتناوب على الحكم الأغلبية و المعارضة التي تلتقط أخطاء الأغلبية بلهفة و تتمناها لتجد المبرر للحلول مكانها ، و تستمر على ذلك حتى تستولي فيه على زمام الحكم ، فتصبح الأغلبية معارضة ، لتفعل كما فعلت المعارضة لها . أما في النظام الإسلامي المفترض فرئيس الدولة اختاره الله و أعلنه الرسول و بايعته الأمة ، و هو أعلم الناس بالشريعة ، و هو معصوم من الله و قائم بواجباته ، لذلك فإن طاعته واجبة ، و تصبح نصرته و الهبّ لمساعدته عملاً تعبدياً ، و كل مسلم يتعاون مع الإمام و مساعديه لتنفيذ الشريعة ، و أمنية المسلم هي الحق و الإلتزام بالشريعة ، و هي نفس أمنيّة الإمام و قصده ، فمقاصد أفراد الأمة تلتقي مع مقاصد الإمام و مقاصد الشريعة ، و تصبح الظروف مهيأة لتعميم الإحسان و الرحمة و المعروف في المجتمع . و في هذا المناخ تختفي الفوارق بين الحاكم و المحكوم ، فيؤدي كل واحد منهم واجبه طوعاً ، و يتساوى أفقر الناس مع الإمام بمستوى المعيشة .
قال الإمام علي (عليه السلام ) : « أأقنع من نفسي بأن يقال « أمير المؤمنين » و لا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش » 15 . و قال أيضاً : « إن الله تعالى فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيغ بالفقير فقره » 16 .
قيل للإمام الباقر : « ما حق الإمام على الناس ؟ فقال : حقه عليهم أن يسمعوا له و يطيعوا فقيل له فما حقهم عليه ؟ قال : يقسم بينهم بالسوية ، و يعدل في الرعية » 17 .
هذا الإمام هو الذي تجب طاعته ، فمن يستحق الطاعة هو والي العدل ، لكن كما قال الإمام الصادق : « لا يفرض الله على العباد طاعة من يعلم أنه يظلمهم و يغويهم » .
قال أبوحمزة الثمالي : « سألت أبا جعفر ( الباقر ) : ماحق الإمام على الناس ؟ قال: حقه عليهم أن يسمعوا له و يطيعوا ، قلت فما حقهم عليه ؟ قال : يقسم بينهم بالسوية و يعدل في الرعية . . . » 18 . و في هذا المناخ تتاح الفرصة كاملة لكل إنسان أن يتمتع بحقوقه و حرياته الإنسانية بدون بغي و لا ضرر و لا عدوان ، و يقوم بواجبه نحو أخيه الإنسان و نحو المجتمع كله و نحو السلطة . أما إذا كانت السلطة مفروضة بالجبر و القهر و الغلبة فإن المسلم يداريها و يتعاون معها في الخير دون الشر ، لأنه لا بد للناس من سلطان بر كان أو فاجراً 19 .

  • 1. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 517 .
  • 2. البحار : 21 / 128 و الكافي : 8 / 225 و الحياة : 5 / 156 .
  • 3. a. b. الاختصاص : 227 ، نقلاً عن الحياة : 5 / 125 .
  • 4. a. b. c. تحف العقول : 12 .
  • 5. القران الكريم : سورة الذاريات ( 51 ) ، الآية : 22 و 23 ، الصفحة : 521 .
  • 6. القران الكريم : سورة فصلت ( 41 ) ، الآية : 9 و 10 ، الصفحة : 477 .
  • 7. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 113 .
  • 8. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 58 ، الصفحة : 87 .
  • 9. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 8 ، الصفحة : 108 .
  • 10. القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 26 ، الصفحة : 454 .
  • 11. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 459 .
  • 12. رسالة الحقوق / الحق رقم 2 ـ 9 .
  • 13. رسالة الحقوق / رقم 1ـ 5 .
  • 14. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 87 .
  • 15. نهج البلاغة : 971 ، عبد : 2 / 81 .
  • 16. غرر الحكم : 202 ، نقلاً عن الحياة : 6 / 312 .
  • 17. الكافي : 1 / 205 نقلاً عن الحياة : 6 / 132.
  • 18. تحف العقول :210 ، نقلاً عن الحياة : 6 / 352 .
  • 19. المصدر : كتاب حقوق الانسان عند اهل بيت النبوة و الفكر المعاصر .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى