مناسبات عدة تمرُّ على الأمم والشعوب فتحتفل فيها بتاريخها، تستذكر الآلام فتحزن لها، وتستحضر الانتصارات فتفرحها، وهي بين الحزن والفرح تعيد قراءة تاريخها، وتعي ماضيها، وتعرف أين كانت وكيف أصبحت.
ولأن تاريخَ كل أمةٍ أو مجتمعٍ هو كمٌّ وكيفٌ وكلٌّ واحدٌ لا يمكن فكه وتجزئته؛ كان لابد لكل أمة أن تقرأ تاريخها بسعته وبوجوهه المتعددة، وألا تقتصر على جزئيةٍ من جزئياته، أو مساحةٍ من مساحاته، مهما يكن أثرها وقيمتها وقداستها ومفصليتها.
في التركيز على مساحة معينة من التاريخ هناك فائدة، لكن قراءة التاريخ كله، وإدراج هذه المساحة في السياق العام، تعطي ثمرةً أكثر نضجاً وفائدة، وتحافظ على سياقٍ ووعيٍ دقيق ومتوازن، دقته نابعة من الانسجام بين محطات التاريخ المختلفة، وتوازنه آت من وعي الظروف التي أحاطت بكل محطةٍ من محطاته.
ففي التاريخ الإسلامي العام؛ لا تكون النتائج دقيقةً إذا لم نتعرف على سيرة الرسول ، ولن تكون منضبطة ما لم نعِ التعاطي القرآني مع تلك المرحلة. ولن تؤتي ثمارها إذا لم نقرأ المجتمع الذي خالطه الرسول ونزلت فيه الرسالة. كما أن الفجوات ستبقى إن لم نحاول قراءة الفترات التي تلت فترة الرسول.
وفي التاريخ الإسلامي، لا يمكن مثلاً، إدراك معاني عاشوراء إذا فصلت عن سياقها العام، أي إذا فصلت عن الأئمة الذين سبقوا ولحقوا الحسين بن علي. والتركيز على هذه المساحة والحدث التاريخي هو غاية في الأهمية، لكن إغفال الفترات التي تتشارك مع هذه المساحة لن يعطينا الغاية المرجوة من قراءتنا لهذه المرحلة.
القريب من هذه الواقعة التاريخية الخاصة؛ يدرك كم نحن مقصرون في قراءتها بما تستحق، وكم نحن أكثر تقصيراً في قراءة سلسلة أئمة أهل البيت النبوي الشريف التي لحقت ذلك خصوصاً، هذا التقصير تلحظه عند الكثير من أبنائنا؛ فشخصية عاشوراء أكثر حضوراً في نفوسنا ونفوسهم من بقية أئمة البيت النبوي، وهذا الأمر لا شك أنه يسبب لنا بعض الخلل في قراءة تاريخنا الإسلامي.
لقد كتب الشهيد السيد محمد باقر الصدر عن تعدد الأدوار في حياة أئمة البيت النبوي ووحدة هدفهم، الأمر الذي يدعونا إلى استحضار كل الأدوار والاستنارة بها في حياتنا، ومعرفة الظروف التي ساعدت على تقدم هذا الدور وتأخر ذاك. ويدعونا كذلك إلى الاهتمام ببقية الأدوار بدرجة لا تقل عن الدور الحسيني، كي نقف على منهج متكامل في أدواره ومهامه وتعاطيه مع مختلف الظروف والتغيرات.
يمكنني هنا أن أشير أيضاً إلى أن الكثير من أبنائنا لا يعرفون من حياة الحسين سوى الفترة التي تضمنت رحلته من مكة إلى كربلاء ومن ثم استشهاده.
صحيحٌ أن عاشوراء قنديلٌ مشعٌّ في التاريخ، وهو أقل ما يقال في حقها، لكن القراءة المتأنية والدقيقة والمتكافئة لكل الأنوار المتصلة بالبيت النبوي تعطي إضاءةً تتسع باتساع التاريخ، وتساعد على وضوح منهجهم بطريقة أكثر فاعليةً وفائدة1.
- 1. صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3712 – الإثنين 05 نوفمبر 2012م الموافق 20 ذي الحجة 1433هـ