مقالات

مع فضيلة الأستاذ عبد الجبار الرفاعي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال فضيلته في صفحته بالفيس:
لا يكفي الحكمُ على أية ديانة بما ورد في كتبها المقدّسة ونصوصها فقط، بل لابدّ من اختبار قوة حضور قيمها الروحية والأخلاقية في الواقع، وتحقّق تلك القيم في سلوك ومواقف مَنْ يعتنقها أفرادًا ومجتمعاتٍ، وقدرتها على توظيف الأخلاق الإنسانية في تعاملها مع المختلِف في الدين والمعتقَد داخل مجتمعاتها. لا يصحّ الحكمُ على الدين بمعزل عن أخلاقيةِ الإنسان الذي يعتنقه، ونوعِ ما ينتجه الدينُ من علاقات محكومة بقيم إنسانية في ‏التعامل مع المختلف والحرب والسلام.
انتهى كلامه.

أقول ـ وبالله التوفيق ـ :

ما ذكره فضيلة الأستاذ فيه نظر ظاهر؛ فإنَّ الدين ـ كمنظومة فكرية ـ يلزم أن توزن على أساس الحسابات العقليَّة والعقلائيَّة، ولا علاقة لذلك بمدى تأثير الدين في المجتمع وتفاعله مع قيمه..
مثلاً: الدين الذي كان يعتنقه ويؤمن به ويحمل رسالته نوح عليه السلام؛ كان ضعيف التأثير في المجتمع؛ فقد عارضه معظم البشر، فاستحقوا الإغراق والهلاك.. وهذا ليس دليلاً على عدم حقانية دين نوح عليه السلام.
مثال آخر: الدين الذي كان يؤمن به موسى وبنو إسرائيل؛ كان تأثيره ضعيفاً حتى على معتنقيه من بني إسرائيل، فاستحقوا اللعنة والخزي في الدنيا والآخرة.. ولا يزال أتباع الديانة اليهودية يعكسون أبشع الصور عن دينهم.. وهذا ليس دليلاً على بطلان الديانة اليهودية (الأصلية ما قبل التحريف) .
وهكذا نجد الأمَّة الإسلامية أمَّةً يغلب عليها الانحراف بإجماع الأمَّة نفسها.. ومع ذلك فهذا ليس دليلاً على عدم حقَّانية الدين الإسلامي، بل هو بسبب عدم التزام أتباع الدين الإسلامي بتعاليم دينهم بشكل كامل وصحيح..
في الحقيقة هناك مسألة أخرى صحيحة أثَّرت على كلام فضيلة الأستاذ، وهي أنَّ العقلاء ـ بطبيعتهم الساذجة ـ يتأثَّرون بسلوك أتباع الدين، ويحكمون على النظرية من خلال السلوك.. وهذا واقع لا يمكن إنكاره، وانطلاقاً من هذا الواقع يلزم أن يكون المؤمن زيناً ولا يكون شيناً.. ولكن هذا لا يعني أنَّ من يحكم على الدين من خلال أتباعه فهو مصيب تماماً وبشكل علميٍّ يخلو عن أيِّ إشكال.. فلو ترك إنسانٌ دين الله بسبب ما شاهده من انحرافات في سلوك أناس ينتمون إلى دين الله، فلن يكون معذوراً عند الله تعالى، وهذا لا خلاف فيه بين علماء الإسلام قاطبة.
نعم؛ إنَّ استكشاف حقانية الدين من خلال جمال السلوك والأخلاق بدلالة الإنَّ (كما يعبِّر المناطقة والفلاسفة) ، كما لو استكشف إنسانٌ جمال دين الله تعالى من خلال جمال سلوك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو أمرٌ صحيح و وجيه؛ ولكن هذا يختلف تماماً عمَّا قاله فضيلة الأستاذ من تصحيح تقييم الدين من خلال تأثيره في سلوك معتنقيه.
نسأل الله التوفيق، والحمدُ لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى