مقالات

ارتباط الإجماع بالتَّواتُر…

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات
10 ـ 10 ـ 2022


قال إمامُ الزيديَّة مجدُ الدِّينِ المؤيَّدي في “كتاب فصل الخطاب” ص34 (المطبوع ضمن كتاب مجمع الفوائد) ، وهو يناقش دعوى تخصيص الكتاب بالآحاد من الأخبار، فذكر تمسُّك المدَّعي بإجماع السَّلف على التخصيص بالآحاد من الأخبار، وردَّه بأنَّ من المحتمل أنَّ الإجماع حصل بسبب تواتر الأخبار عندهم وتلقِّيهم لها بالقبول.

ثمَّ ذكر دفاعاً محتملاً من المدَّعي بإنَّ الأخبار لو كانت متواترةً لنُقلت وبلغتنا، فعدم الوجدان دليل على عدم التواتر.

وردَّ السيِّدُ مجدُ الدِّين على هذا الدِّفاع بقوله إنَّ “الإجماع أسقط مؤنة نقلها وأغنى عن التعرُّض للاستدلال بها”، ثمَّ قال: “وقد نصَّ الكلُّ بأنَّه إذا أُجمع على الحكم سقط وجوبُ البحثِ عن المستَنَد”. انتهى.

أقول: هذه معطيات مهمَّة يحتاجها المناظر في الإمامة، فإنَّ الإماميَّة تقول بتواتر النَّصِّ على الاثني عشر بأسمائهم مع النَّصِّ على غيبة الثَّاني عشر صلوات الله عليهم، وقد بيَّنوا طرُقَهم وأسانيدهم بالتفصيل في مختلف الكتب.. وهم بالإضافة إلى ذلك مُجمعون على الاعتقاد بمفاد هذه الأخبار المتواترة. ومع ذلك نجد بعض الزيديَّة لا يقبلون ذلك منهم، ويطعنون في التَّواتُر فضلاً عن الإجماع..!

والإنصاف أن يُقال: إنَّ إجماعهم دليل على التواتر وتلقِّي الأخبار بالقبول، فالإجماع كاشفٌ عن تحقُّق التواتر كما نصَّ إمامُ الزيديَّة فيما نقلنا عنه آنفاً.

فإن قلتَ: وما السبيل إلى الوثوق بصحَّة الإجماع مع اعتقاد الزيديَّة بعدم استقامة الإماميَّة في هذا المعتقد؟

قلتُ: إنَّ المنصفين من أئمَّة الزيديَّة وعلمائهم لا يرتابون في صدق علماء الإماميَّة، بل يعتمدون عليهم ويوثِّقونهم، ولنضرب أمثلةً من ذلك:

1 ـ تلقِّي إمام الناصر الأطروش في كتابه البساط بشكل مباشر للحديث عن مرجع الإماميَّة في زمانه وزعيم مدينة قم: أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري.

2 ـ إكثار إمام الزيديَّة أبي طالب الهاروني للرِّواية عن علماء الإماميِّة ومُحدِّثيهم في كتابه الأمالي، انظر: تيسير المطالب بترتيب أمالي أبي طالب.

3 ـ رواية عالم الزيديَّة وفقيهها القاضي المهلَّا في كتابه مطمح الآمال لروايات معاجز الإمام الباقر عليه السلام من كتاب الخرائج والجرائح لعالم الإماميَّة القطب الراوندي. وقول القاضي المهلَّا في المصدر نفسه أنَّ عالم الإماميَّة النُّعماني مؤلِّف كتاب الغيبة، من علماء الأمَّة المحمَّدية. مع العلم بأنَّ كتاب الغيبة للنُّعماني مشتملٌ على إثبات حديث الاثني عشر وإثبات الغَيبة.

4 ـ الثَّناء البليغ والتوثيق من قبل إمام الزيديَّة السيِّد بدر الدِّين الحوثي في كتابه الغارة السريعة، لعالم الإمامية وعلامتهم الشهير السيِّد شرف الدِّين العاملي مؤلِّف كتاب المراجعات. وكذا دفاع السيِّد بدر الدِّين الحوثي في كتابه “تحرير الأفكار” عن الإماميَّة.

5 ـ قال إمامُ الزيديَّة السيِّد العلَّامة محمَّد بن محمَّد مطهَّر المنصور في كتابه “برقٌ يمان” (ص183) بأنَّ الإمامَ الخمينيَّ نعمَ الإمامُ هو، ونعم الخلف لنعم السَّلف.

ولو فرضنا ـ جدلاً ـ وجودَ عذر عند غير الإماميَّة لعدم قبول هذا الإجماع والتواتر، فلا أقلَّ من الحكم بأنَّ الإماميَّة معذورون في اعتقادهم بالاثني عشر والغَيبة بما قام عندهم من إجماع ودليل قطعي على ذلك، ولكننا نجد أهل التعصُّب يتحاملون على الإماميَّة في ذلك بالتشنيع الفظيع، ممَّا يدلُّ على عدم الإنصاف مع الإفلاس العلمي والأخلاقي معاً.

ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى