
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز للمكلَّف أن يخالف إعلان مرجع تقليده في تحديد يوم العيد؟
حتى تتضح الإجابة بشكل جيد عن هذا السؤال؛ علينا أن نفهم الفرق بين (الفتوى) وبين (الإعلان) .
فالفتوى عبارة عن صياغة علمية كلية (عامة) لنظر مرجع التقليد في المسائل الفقهية لغرض التزام المقلِّد بمُفاد ذلك، بينما الإعلان هو موقف عملي خاص من موضوع خارجي هو ثبوت رؤية الهلال أو عدم ثبوتها مثلاً.
إذا فهمنا الفرق بين (الفتوى) وبين (الإعلان) ، فعلينا أن نتساءل ـ أولاً ـ عن أن المقلِّد هل يُلزم باتباع الفتوى بسبب الإعلان، أم هو ملزم باتباع الإعلان بسبب الفتوى، أم إن كلا منهما مستقل في الإلزام عن الآخر؟
الجواب: أنَّ اتباع إعلان مرجع التقليد إذا كان لازماً فهذا الإلزام ينشأ من وجود فتوى من مرجع التقليد نفسه توجب هذا الاتباع، وإلا لم يكن اتباع الإعلان لازماً.
والآن نتساءل: هل هناك فتوى من مرجع التقليد تقول: يجب على من يقلدني أن يتبع إعلاناتي بثبوت الهلال أو عدم ثبوته مطلقاً، أي حتى مع اختلاف الآفاق، أو حتى مع اطمئنان المقلد بخطأ الإعلان ـ مثلاً ـ ؟
الجواب: لا توجد فتوى بهذه الصياغة المطلقة عند الإمامين الخامنئي والسيستاني دام ظلهما، ولا نتوقع أن توجد هكذا فتوى عند أي مرجع تقليد أبداً.
فنكون ـ إلى هنا ـ قد عرفنا أنه لا يوجد مبرر للإلزام بالاتباع المطلق لإعلانات مرجع التقليد. ونتساءل ـ الآن ـ : هل يوجد في فتاوى مرجع التقليد ما يوجب عدم صحة أو عدم جواز اتباع إعلان مرجع التقليد نفسه؟ يبدو هذا السؤال غريباً عند المبتدئين، ولكن الحقيقة على خلاف ما يتصور أكثر الناس، فالواقع أن فتاوى مرجع التقليد فيها ما يوجب صحة مخالفة المقلد لإعلان مرجعه، بل لزوم ذلك..
توضيح ذلك: أنَّ مرجع التقليد حين يفتي باختلاف الآفاق، أي أن الهلال إذا ثبت في بلاد، فإنه لا يكون ملزماً بالنسبة لبلاد أخرى تختلف مع الأولى في الأفق، فإن هذه الفتوى تعني أن الإعلان لا يكون ملزماً إذا كان يعني أن الهلال ثبت في البلاد التي يقيم فيها مرجع التقليد، بينما البلاد التي يقيم فيها المقلد تختلف مع بلاد المرجع في الأفق، بما يعني أن ثبوت الهلال أو نفي ثبوته في بلاد المرجع، لا يوجب الحكم نفسه في بلاد المقلد.
إذا فهمنا هذا جيداً، فإننا سنفهم أن من يصر على اتباع الإعلان مطلقاً قد يكون مخالفاً للفتوى من حيث لا يشعر، وقد يكون بذلك مرتكباً لما يحرم عليه شرعاً.. مما يعني أن اتباع الإعلان من غير مراعاة الفتوى يجعل المقلد عُرضةً لمخالفة الشريعة الإسلامية، وبذلك يكون المتبع للإعلان غير مقلد بخلاف تصوره أنه مقلد؛ لأن التقليد يكون للفتوى، وإنما يجوز اتباع الإعلان إذا كان اتباعه موافقاً للفتوى.
فتلخص من ذلك أنَّ اتباع إعلان مرجع التقليد واجب بمقتضى فتوى مرجع التقليد، فإذا اقتضت الفتوى عدم اتباع الإعلان، لم يصح للمقلد أن يتبع الإعلان، وقد يكون في اتباع الإعلان حرمة شرعية.
والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.
بقلم: زكريا بركات
9 ذو الحجة 1446 هـ