مقالات

الإمام الكاظم…

سابع أئمّة أهل البيت الطاهر. ولد بالأبواء بين مكة والمدينة يوم الأحد في 7 صفر سنة 128 واستشهد بالسم في سجن الرشيد عام 183 ودفن في بغداد في الجانب الغربي في المقبرة المعروفة بمقابر قريش المشهورة في أيامنا هذه بالكاظمية.يعرف بالعبد الصالح، وبالكاظم، والصابر، والأمين.هو الإمام الكبير القدر والأوحد الحجة الحبر، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظما.قال الشيخ المفيد: هو الإمام بعد أبيه، والمقدّم على جميع بنيه لاجتماع خصال الفضل فيه، وورود صحيح النصوص وجلي الأقوال عليه من أبيه بأنّه ولي عهده والإمام القائم من بعده 1.إنّ الكلام في خلقه، وحلمه، وكظمه الغيظ، وفي مناقبه وفضائله، وفي تواضعه ومكارم أخلاقه، وكرمه وسخائه، وشدّة خوفه من اللّه سبحانه، وكثرة صدقاته، وأخباره مع الرشيد وأخيراً في القاء القبض عليه من قبله، وحبسه في ظُلم السجون قرابة سبع سنين واستشهاده، يحتاج إلى تأليف مفرد قام به المحققون ونحن نترك البحث في جميع ذلك ونشير إلى بعض الجوانب خصوصاً في ما يتعلق بعلمه والذين تخرّجوا على يده من الشيعة والسنّة حتّى يقف القارئ على انّه إمام الكل.1- روى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده قال: حجّ هارون الرشيد فأتى قبر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ زائراً وحوله قريش ومعه موسى بن جعفر ولمّا انتهى إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول اللّه يابن عمّي ـ افتخاراً على من حوله ـ ، فدنى موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة، فتغيّر وجه الرشيد وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقّاً 2.2- ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار أنّ هارون كان يقول لموسى بن جعفر: خذ فدكاً ـ وهو يمتنع عليه ـ ، فلمّا ألحّ عليه قال: ما آخذها إلاّ بحدودها قال: وما حدودها؟ قال: الحد الأوّل عدن ـ فتغيّر وجه الرشيد ـ قال: والحد الثاني؟ قال: بسمرقند ـ فأربد وجهه ـ قال: والحد الثالث؟ قال: أفريقيا قال: والحد الرابع؟ قال: سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينيا فقال هارون: فلم يبق لنا شيء فتحوّل من مجلسي فقال موسى: قد أعلمتك انّي إن حدّدتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله واستكفى أمره 3.3- كان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثمّ يعقّب حتّى تطلع الشمس ويخرّ للّه ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتّى يقرب زوال الشمس وكان يدعو كثيرا. فيقول: اللّهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب، ويكرّر ذلك، وكان من دعائه ـ عليه السلام ـ : عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك وكان يبكي من خشية الله حتّى تخضل لحيته بالدموع وكان أوصل الناس لأهله ورحمه وكان يتفقّد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين والورق والادقة والتمور فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو4.4- في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة: قال أبو حنيفة: حججت في ايام أبي عبداللّه الصادق ـ عليه السلام ـ فلمّا أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: على رسلك. ثمّ جلس مستنداً إلى الحائط، ثمّ قال: توقَّ شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية المساجد، وقارعة الطريق، وتوار خلف جدار، وشل ثوبك ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها وضع حيث شئت، فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له: ما اسمك؟ فقال: أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فقلت له: يا غلام ممّن المعصية؟ فقال: إنّ السيّئات لاتخلو من احدى ثلاث: إمّا أن تكون من اللّه وليست من العبد فلا ينبغي للرب أن يعذّب العبد على ما لا يرتكب، وإمّا أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وإمّا أن تكون من العبد وهي منه، فإن عفا فكرمه وجوده وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته، قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبداللّه واستغنيت بما سمعت. ورواه ابن شهر آشوب في المناقب نحوه إلاّ أنّه قال: يتوارى خلف الجدار ويتوقّى أعين الجار وقال: فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني، وعظم في قلبي. وقال في آخر الحديث: فقلت: ذرّية بعضها من بعض 5.5- روى أبو الفرج الاصفهاني: حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى من جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير. وكان صراره ما بين الثلاثمائة وإلى المائتين دينار، فكانت صرار موسى مثلا.وقال: إنّ رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسى بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه، فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثمّ مضى راكباً حتّى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح: لا تدس زرعنا.فلم يصغ إليه وأقبل حتّى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم، قال: فكم ترجو أن تربح؟ قال: لا أدري، قال: إنّما سألتك كم ترجو. قال: مائة اُخرى. قال: فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبه له فقام فقبّل رأسه، فلمّا دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلّم عليه وجعل يقول: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.وكان بعد ذلك كلّما دخل موسى خرج وسلّم عليه ويقوم له. فقال موسى لجلسائه الذين طلبوا قتله: أيّما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟ 6.6- حكي انّ الرشيد سأله يوماً: كيف قلتم نحن ذرّية رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأنتم بنو علي وانّما ينسب الرجل إلى جدّه لأبيه دون جدّه لاُمّه؟ فقال الكاظم ـ عليه السلام ـ : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بِسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم: ﴿ … وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ … ﴾ 7 وليس لعيسى أب إنّما اُلحق بذريّة الأنبياء من قبل اُمّه وكذلك اُلحقنا بذريّة النبي من قبل اُمّنا فاطمة الزهراء، وزيادة اُخرى يا أميرالمؤمنين: قال اللّه عزّوجلّ: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ … ﴾ 8 ولم يدع ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء 9.7- أمّا علمه واحديث عنه فقد روى عنه العلماء في فنون العلم ما ملأ الكتب وكان يعرف بين الرواة بالعالم. وقد روى الناس عنه فأكثروا وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب اللّه 10.وقد ذكر الشيخ الطوسي أسماء الرواة عنه في رجاله فبلغ عددهم مائتين واثنين وستين شخصاً وقام الزميل المتتبّع الشيخ العطاردي بجمع اسماء من رووا عنه الأحاديث في مجالات شتّى فبلغ ستمائة وثمانية وثلاثين رجلا وأسماه بمسند الامام موسى الكاظم فجاء جميع ذلك في أجزاء ثلاثة.ولقد اتّفقت كلمة المؤرّخين على أنّه استشهد مسموماً في سجن السندي ابن شاهك بأمر من الرشيد وكان الخليفة يخاف من أن ينتشر خبر شهادته في بغداد ولأجل ذلك لمّا مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه بغداد وفيهم الهيثم بن علي وغيره حتّى يشهدوا على أنّه مات بأجله، واُخرج ووضع على الجسر ببغداد فنودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه فجعل الناس يتفسّرون في وجهه وهوميّت 11.وأمّا الكلام في شهادته وأخباره ممّا يطول بنا الكلام إذا أردناه ذكره فليرجع إلى محلها.ومن أحسن كلماته ما وصّى به هشام بن الحكم 1213.

  • 1. لاحظ للوقوف على تلك النصوص الكافي 1 / 307 ـ 311، إثبات الهداة 3 / 156 ـ 170 فقد نقل في الأخير 60 نصّاً على إمامته.
  • 2. وفيات الأعيان 5 / 309.
  • 3. الزمخشري: ربيع الأبرار، كما في أعيان الشيعة 2 / 8.
  • 4. المفيد: الارشاد 296.
  • 5. تحف العقول 303، المناقب لابن شهر آشوب 4 / 314.
  • 6. مقاتل الطالبيين 499 ـ 500، تاريخ بغداد 13 / 28.
  • 7. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 84 و 85، الصفحة: 138.
  • 8. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 61، الصفحة: 57.
  • 9. الفصول المهمة 238، والآيتان من سورتي الأنعام 84 وآل عمران 61.
  • 10. المفيد: الارشاد 298.
  • 11. مقاتل الطالبيين 504.
  • 12. لاحظ الكافي 1 / 13 ـ 20 وتحف العقول 283 ـ 297.
  • 13. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى