نص الشبهة:
نقل جامع الأسئلة حديثاً من أُصول الكافي ورد فيه ذكر « مصحف فاطمة » حيث أخذ لفظة المصحف بمعنى القرآن ، وقام بطرح أسئلة عديدة منها : هل كان رسول الله والصحابة يعرفون قرآن فاطمة ؟
الجواب:
إنّ السائل يتصوّر أنّ لفظة « مصحف » هي بمعنى القرآن في لغة العرب ، وكذا في عصر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، والحال أنّ لفظة « مصحف » أُخذت من لفظة « صحيفة » وهي بمعنى مطلق الكتاب .
وقد جاءت هذه الكلمة في القرآن ، قال تعالى :﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾ 1. وقال سبحانه :﴿ إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ﴾ 2.
كما أنّ التاريخ شاهد على أنّ « المصحف » في صدر الإسلام كان يُطلق على الدفتر أو الكتاب المجلّد ، وحتّى بعد وفاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن المصحف اسماً للقرآن بل كان اسماً لكلّ كتاب مجلَّد .
ينقل ابن أبي داود السجستاني في باب جمع القرآن في مصحف ، عن محمّد بن سيرين : عندما توفّي النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقسم عليّ على أن لا يضع رداءه على عاتقه إلاّ لصلاة الجمعة حتّى يجمع القرآن في مصحف .
كما ينقل ابن أبي العالية : أنّهم جمعوا القرآن في خلافة أبي بكر في مصحف . ونُقل أيضاً : أنّ عمر بن الخطّاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقُتل يوم اليمامة فقال : إنّا لله ، وأمر بالقرآن فجُمع ، وكان أوّل من جمعه في مصحف 3 .
وهذه الجمل المنقولة تحكي أنّ المصحف في تلك الأيّام بمعنى الكرّاس الكبير أو الكتاب المجلّد ، يوضع لحفظ الأوراق المبعثرة ، وبمرور الزمن أصبح المصحف مختصّاً بالقرآن .
والجدير بالذكر أنّ روايات أئمّتنا ( عليهم السلام ) تحكي أنّه حتّى في زمانهم كان لفظ المصحف بمعنى الكتاب والدفتر المكتوب .
يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « من قرأ القرآن في المصحف متّع ببصره وخفّف عن والديه » 4 .
وقال أيضاً : « قراءة القرآن في المصحف تُخفّف العذاب عن الوالدين وإن كانا كافرين » 5 .
ونقل المؤرّخون حول ترجمة خالد بن معدان : الحمصي ( المتوفّى 104 هـ ) ما رأيت أحداً ألزم للعلم منه ، كان علمه في مصحف له أزرار وعرى 6 .
وخالد بن معدان من التابعين وقد أدرك سبعين صحابيّاً 7 .
إلى هنا يتّضح أنّه إلى آخر القرن الأوّل كان لفظ «المصحف» بمعنى الكتاب المجلّد، والكرّاس المجلّد الذي يكتب فيه العلماء والمتعلِّمون علومهم ، فإذا سمّوا بعد ذلك القرآن مصحفاً ، فإنّه بسبب تبادر ذلك إلى أذهانهم بعدما كُتب في الأوراق ، وجُمع على شكل كتاب مجلّد.
وبالالتفات إلى ما ذكرنا ، يزول ذلك العجب من أن يكون لبنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مصحف جمعت فيه علومها لتتركه لأبنائها من بعدها كأفضل ميراث وأعزّ ذكرى.
ومن حسن الحظّ فإنّ أبناء فاطمة ( عليها السلام ) يعرفون حقيقة هذا المصحف ; فذكروا أنّه ليس إلاّ قسماً من الأخبار التي سمعتها ( عليها السلام ) من أبيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن الملائكة « لأنّها محدَّثة » وليس شيئاً آخر.
ولنذكر بعض الروايات في ذلك :
عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) . . . . إلى أن قال : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة ( عليها السلام ) وما يدريهم ما مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ؟ » قال : قلت : وما مصحف فاطمة ؟ قال : « مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرفٌ واحد » ، قال : قلت : هذا والله العلم ، قال : « إنّه لعلم وما هو بذاك » 8 .
وروى أبو حمزة عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّه قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء أُلقي إليها بعد موت أبيها صلى الله عليهما » 9.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه كان عند فاطمة مصحف ، حسب ما تضافرت عليه الروايات ، ولكن المصحف ليس اسماً مختصّاً بالقرآن حتّى تختصّ بنت المصطفى بقرآن خاصّ ، وإنّما كان كتاباً فيه الملاحم والأخبار .
وبالتمعّن في هذه الروايات يتّضح لنا أنّ مصحف فاطمة لا علاقة له بالقرآن 10 .
- 1. القران الكريم: سورة التكوير (81)، الآية: 10، الصفحة: 586.
- 2. القران الكريم: سورة الأعلى (87)، الآية: 18 و 19، الصفحة: 592.
- 3. كتاب المصاحف ، تأليف الحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني : 16 .
- 4. أُصول الكافي : 2 / 613 .
- 5. نفس المصدر .
- 6. تذكرة الحفاظ : 1 / 93 .
- 7. اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير : 3 / 123 .
- 8. الكافي : 1 / 239 .
- 9. بصائر الدرجات : 195، الحديث 27 .
- 10. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته .