رُوِيَ عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ، أنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ 1 عليه السلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَ سَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَلَمَّا هَمَّ حُمْرَانُ بِالْقِيَامِ قَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: أُخْبِرُكَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ لَنَا وَ أَمْتَعَنَا بِكَ، أَنَّا نَأْتِيكَ فَمَا نَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى تَرِقَّ قُلُوبُنَا وَ تَسْلُوَ أَنْفُسُنَا 2عَنِ الدُّنْيَا، وَ يَهُونَ عَلَيْنَا مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ نَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ فَإِذَا صِرْنَا مَعَ النَّاسِ وَ التُّجَّارِ أَحْبَبْنَا الدُّنْيَا؟
قَالَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: “إِنَّمَا هِيَ الْقُلُوبُ مَرَّةً تَصْعُبُ وَ مَرَّةً تَسْهُلُ”.
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: “أَمَا إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَخَافُ عَلَيْنَا النِّفَاقَ.
قَالَ فَقَالَ: “وَ لِمَ تَخَافُونَ ذَلِكَ”؟
قَالُوا: إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ فَذَكَّرْتَنَا وَ رَغَّبْتَنَا وَجِلْنَا، وَ نَسِينَا الدُّنْيَا وَ زَهِدْنَا حَتَّى كَأَنَّا نُعَايِنُ الْآخِرَةَ وَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ نَحْنُ عِنْدَكَ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ وَ دَخَلْنَا هَذِهِ الْبُيُوتَ وَ شَمِمْنَا الْأَوْلَادَ وَ رَأَيْنَا الْعِيَالَ وَ الْأَهْلَ يَكَادُ أَنْ نُحَوَّلَ عَنِ الْحَالِ الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا عِنْدَكَ، وَ حَتَّى كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ عَلَى شَيْءٍ، أَ فَتَخَافُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقاً؟
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: “كَلَّا إِنَّ هَذِهِ خُطُوَاتُ الشَّيْطَانِ فَيُرَغِّبُكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَ اللَّهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَصَفْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَا لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ وَ مَشَيْتُمْ عَلَى الْمَاءِ، وَ لَوْ لَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ فَتَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً حَتَّى يُذْنِبُوا ثُمَّ يَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ فَيَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ مُفَتَّنٌ تَوَّابٌ 3، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ … إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ 4 وَ قَالَ: ﴿ … اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ … ﴾ 5 ” 6.
- 1. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) ، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 2. أي تنسى أنفسنا الدنيا.
- 3. المفتن: الممتحن يمتحنه اللّه بالذنب، ثمّ يتوب، ثمّ يعود، ثمّ يتوب.
- 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 222، الصفحة: 35.
- 5. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 3، الصفحة: 221.
- 6. الكافي : 2 / 423 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .