مقالات

طاعة الإمام…

نص الشبهة: 

إنّ الإيمان بِكوْن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته ، فمن ثبت عنده أنّ محمداً عليه الصلاة والسلام رسول الله ، وأنّ طاعته واجبة ، واجتهد في طاعته بحسب الإمكان ، إن قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة ، ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام . وإن قيل : لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم ، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن ، ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً؛ كمثل قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ . وقوله تعالى : ﴿ … وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ . فلو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر ، أو هي أعظم أركان الدين التي لا يقبل الله عمل العبد إلا بها كما تقول الشيعة ، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها؛ لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك . ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا : بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله وطاعة الرسول؛ لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير . بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله ، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه ، ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته ، بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله ، وطاعة الرسول) . وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة ، لأنّ الرسول مبلّغ عن الله ، ولأن طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً . ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله ، فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله ، والتزام أمره دون أمر الآخرين .

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . وبعد . .

أين هي طاعة الإمام في القرآن ؟!

ذكرتم قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ﴾ 1 .
وقوله تعالى : ﴿ … وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 2 .
وقلتم : إن من أطاع الله ورسوله دخل الجنة ، ويستغني بذلك عن مسألة الإمامة ، ولم يلزمه طاعة ما سوى الرسول « صلى الله عليه وآله » .
وإن قيل : لا يدخل الجنة إلا باتباع الإمام ، فهو مخالف للآيات القرآنية المذكورة .
ونجيب بما يلي :
أولاً : إن ما يقوله الشيعة ليس مخالفاً لقولكم هذا ، غير أنهم يقولون : إن النبي « صلى الله عليه وآله » بأمر من الله هو الذي جعل علياً إماماً وخليفة من بعده ، وجعل بعده اثني عشر إماماً ، آخرهم المهدي « عليهم الصلاة والسلام » .
ويقولون أيضاً : إن صحيحي البخاري ومسلم ذكرا : بأنه « صلى الله عليه وآله » قد صرح : بأنه يكون من بعده اثنا عشر إماماً ، أولهم علي وآخرهم المهدي .
ويقولون كذلك : إن آية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 3 . قد نزلت بهذا الخصوص ، ولذلك أخذ البيعة من الصحابة لعلي في يوم الغدير بعد حجة الوداع ، وذلك في الثامن عشر من ذي الحجة . . أي قبل استشهاده « صلى الله عليه وآله » بسبعين يوماً . فأنزل بعد هذا التنصيب قوله تعالى : ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا … ﴾ 4 .
ويقولون : إن هذا مروي في كتب أهل السنة أنفسهم بطرق كثيرة .
كما أن أهل السنة قد رووا في كتبهم : أن الذي آتى الزكاة وهو راكع هو علي بن أبي طالب ، وفيه نزل قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 5 .
بالإضافة إلى آيات كثيرة أخرى روى أهل السنة ، فضلاً عن الشيعة : أنها نزلت في علي « عليه السلام » ، وقد بينوا أنها كلها تدلُّ على جعل الولاية لعلي « عليه السلام » بعد وفاة الرسول الكريم « صلى الله عليه وآله » .
هذا عدا عن عشرات أو مئات النصوص الأخرى الدالة على ذلك . .
فظهر : أن إمامة علي وأحد عشر من ولده « عليهم السلام » مما أمر الله ورسوله به ، ولا بد من الطاعة والقبول لهذه الأوامر الإلهية والنبوية كما قررته الآية التي ذكرتموها ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ … ﴾ 6 .

لم تُذكر الإمامة في القرآن

ثانياً : قلتم : لو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر ، أو أعظم أركان الدين ، ولا تُقبل الأعمال إلا بها لذُكِرَتْ في القرآن .
ونقول :
ألف : قد ظهر الجواب على قولكم هذا مما تقدم ، فإن الشيعة يقولون : إن الإمامة قد ذكرت في القرآن . وذكرها رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، وأخذ البيعة للإمام من بعده في يوم الغدير ، ويوم إنذاره عشيرته الأقربين ، وهناك آيات وروايات كثيرة أخرى تدلُّ على الإمامة .
ب : لسنا نحن الذين نقرر ما الذي يذكره الله في كتابه صراحةً ، وما الذي يذكره ضمناً . بل هو تعالى الفعال لما يشاء ، وهو العالم بما يصلح عباده ، وبالأصلح لهم . وهو من يقرر أن يذكر أو أن لا يذكر هذا أو ذاك ، وهو الذي يختار الأسلوب والكيفية والطريقة . .
ج : مع أن الصلاة عمود الدين ، فإنه لم يبين عددها ، ولا عدد ركعاتها ، ولكنه بيَّن كيفية الوضوء لها . مع أنه بيَّن أيضاً أوقاتها ، وأوقات استئذان الولد على أبويه ، وأمر الناس بأن يعتزلوا النساء في المحيض . وذكر آية كتابة الدَين ، وهي أطول آية في القرآن بالرغم من أن تلك الأمور ليست لها أهمية كأهمية الصلاة ، كما أن كتابة الدين ليست واجبة .
هذا عدا عن أنه تعالى قد فرض الزكاة ، ولم يبين أنصبتها ، ومواضعها ، وفرض الحج ولم يبين الكثير من أحكامه ، وغير ذلك . وإنما أوكل بيان ذلك إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » وأمر المسلمين بالرجوع إلىه لأخذ أحكام وتفاصيل كل ذلك منه ، وأمرهم بالرد إليه في كل ما يمكن أن يتنازعوا فيه .
وهذا أمر تنازعوا فيه ، حتى لقد قال الشهرستاني : « وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة . . إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان » 7 . فلا بد من الرجوع فيه إلى رسول الله « صلى الله عليه وآله » لمعرفة حكمه .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 8 .

  • 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 69، الصفحة: 89.
  • 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 13، الصفحة: 79.
  • 3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 67، الصفحة: 119.
  • 4. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
  • 5. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
  • 6. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 36، الصفحة: 423.
  • 7. الملل والنحل ج 1 ص 24 .
  • 8. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (63) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى