نص الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جاء في الباقيات الصالحات للشيخ عباس القمي، في الباب السادس في الأمر الثامن عشر، وأيضاً روي في خلاصة الأذكار عن الزهراء (عليها السلام)، قالت: دخل عليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد افترشت فراشي للنوم، فقال لي: يا فاطمة لا تنامي إلا وقد عملت أربعة: ختمت القرآن، وجعلت الأنبياء شفعاءك، وأرضيت المؤمنين عن نفسك، وحججت .. واعتمرت .. ألا تتنافى مكانة الزهراء بكونها أفضل من الأنبياء وهي التي تشفع لهم ـ دون أبيها ـ مع قول النبي لها: .. وجعلت الأنبياء شفعاءك؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد ..
فإنني أسأل الله تعالى لكم دوام التوفيق والتأييد والتسديد إنه ولي قدير ..
وأقول: إنه يمكن أن يجاب على هذا السؤال بما يلي:
أولاً: إنه على فرض صحة سند الحديث المذكور، فإما أن يقال: إن المقصود به ليس هو السيدة الزهراء (عليها السلام)، وأنه وارد في سياق تعليم الناس من خلال توجيه الخطاب إليها (عليها السلام)، وذلك على طريقة: إياك أعني واسمعي يا جارة ..
ثانياً: إنه إذا وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى السيدة فاطمة عليها السلام خطاباً يتضمن فقرات عديدة، فيها العديد من الأوامر والزواجر، بحيث يكون الهدف هو مجرد تسجيل الحكم في عالم الاعتبار، ليكون حكماً عاماً، يطبقه من تتوفر فيه شرائطه، فإنه يكفي في صحة ذلك أن يكون المخاطب به واجداً لشرائط فعلية الخطاب في بعض الفقرات، أما سائر فقرات المنظومة الخطابية، فتجد منطبقاتها لدى الآخرين، حين تتوفر فيهم الشرائط تماماً كما هو الحال في قوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ … ﴾ 1 . فإن الصلاة إنما تجب بعد البلوغ، والزكاة إنما تجب إذا ملك المكلف تلك الأصناف، ومع بلوغها النصاب، وتوفر سائر الشرائط ..
ثالثاً: إن الوارد في الحديث هو أن عليها صلوات الله وسلامه عليها، أن تجعل الأنبياء شفعاءها ..
ومن الواضح: أنه لا يجب مراعاة الأفضلية في هذا الجعل. إذا كان المراد به مجرد وجوب البناء منها على أن للأنبياء حق الشفاعة في البشر، فمقام الشفاعة كمقام الإمامة، لا بد من الإقرار به لأهله، ويجب على السيدة الزهراء، والنبي، والإمام علي صلوات الله وسلامه عليهم، كما يجب على غيرهم، أن يقروا بإمامة جميع الأئمة، وبنبوة جميع الأنبياء، ولا تقبل أعمالهم إلا بذلك .. وإن كانوا أفضل منهم.
كما أن على النبي والإمام أن يتعاملا فيما يرتبط بإجراء الأحكام على أنفسهم، على أساس أنهم بشر، مطالبون بكل ما يطالب به غيرهم. من اعتقادات وتكاليف، وأن يجعلوا أنفسهم في مصاف سائر المكلفين، فلا يميزون أنفسهم عنهم. ويلزمون أنفسهم بكل الأحكام التي ألزم الله بها عباده. وأما التفضيل فإنه يأتيهم من قبل الله، فإنه هو الذي يفضلهم ويميزهم. أما هم فلا يحق لهم ذلك ، في مرحلة الظاهر على الأقل ..
والخلاصة: أن الأفضلية لا تنافي الإقرار والالتزام بأمور الدين والعقيدة ..
رابعاً: تقول الرواية: إن المطلوب من السيدة الزهراء عليها السلام هو أن تجعل الأنبياء شفعاءها، وذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وعليهم.
وليس بالضرورة أن تكون شفاعتهم لها على حد شفاعتهم للعصاة، أو لأجل إبلاغها مقامات لا تنالها إلا بشفاعتهم، فإن الشفاعة هي الانضمام إلى آخر، ناصراً له وسائلاً عنه، فمن انضم إلى غيره وعاونه صار شفيعاً ..
فإذا كانت السيدة الزهراء عليها السلام، هي المرأة التي فضلها الله على نساء العالمين، ويعلم النبي صلى الله عليه وآله، ما سيجري عليها، وأنها ستكون المرأة المقهورة، المظلومة، الشهيدة، التي تُظلم في نفسها، وفي حقها، وفي ذريتها، وفي كل شيء، فإن استنصارها بالأنبياء على ظالميها، إنما هو لمضاعفة العذاب عليهم، وليشفي الله صدرها وصدور شيعتها، وكل الصالحين منهم بذلك. لهو أمر مطلوب ومحبوب وليس فيه أية غضاضة عليها، ولا يحط من شأنها .. ولا ينافي شفاعتها هي لهم في مجالات أخرى ..
خامساً: وأخيراً .. إننا حتى لو لم نستطع أن نجد التأويل المقبول والمعقول لهذه الرواية، فإن علينا أن لا نبادر إلى تكذيبها بصورة قاطعة، بل نرد علمها إلى أهلها .. والله المستعان ..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 2 ..
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 43، الصفحة: 7.
- 2. مختصر مفيد .. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السادسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (299).