اهتدى إليه أصحاب أبيه، بالرّغم من الرقابة الشديدة التي وضعها المنصور،يأخذون عنه المعارف والعلوم الإسلامية، ويكتبونها، ثمّ يقومون بنقلها إلى الناس.
وكانوا يشيرون إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام باسم «الرجل الصالح» أو «العالم» أو «ذاك الرجل».
وتميّز ممّن نقلوا هذه التعاليم ثلاثمئة شخص كانوا أصحاب كتب ورسائل ومخطوطاتٍ، ومن بين هؤلاء، ستة أجمع الرواة على تصديقهم وقبول رواياتهم عن الإمام، وهؤلاء الستة هم:
يونس بن عبد الرحمن(سلمان عصره )، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمدٍ
أمّا محمد بن عمير…..لمّا اشتدت ملاحقة أعوان الرّشيد له، أخفى ما كتبه تحت التراب. وقد ألقي به أخيراً في السجن،… وبعد أن أطلق سراحه. ذهب في طلب كتبه، فإذا بها قد اهترأت بكاملها.
توفّي الإمام في ذلك الوقت، فسارع ابن عمير إلى تدوين كل ما استطاع تذكّره من روايات وأقوال الإمام (ع)، وقد تقبل العلماء كتاباته على أنّها روايات صحيحة.
قصة صفوان بن مهران
كان صفوان رجلاً ثرياً يمتلك الكثير من الإبل، التي كان أصحاب القوافل يستخدمونها في التنقل بين بغداد ومكة، وغيرهما، كما كان هارون الرشيد يستأجر جماله.
دخل صفوان على الإمام الكاظم يوماً فقال له:
يا صفوان، كل شيءٍ منك حسن جميل، ما خلا شيئاً واحداً.
قال صفوان متعجّباً: جعلت فداك، أي شيءٍ هو؟
قال الإمام : إكراؤك جمالك من هذا الرجل. (يعني هارون الرشيد).
قال صفوان: والله ما أكريته لصيدٍ أو لهوٍ، ولكني أكريته لهذا الطريق (يعني طريق مكة). ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
قال الإمام: يا صفوان، أيقع كراك عليهم؟ (أي هل تتقاضى أجرة جمالك من هارون وجماعته؟).
قال صفوان: نعم، جعلت فداك.
قال الإمام: أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراك؟ (أي أتحبّ بقاء هارون الرشيد حتى لا تضيع عليك أجرة إبلك؟).
قال صفوان: نعم.
قال الإمام: فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فقد ورد النار.
فقام صفوان من عنده، وباع جماله من ساعته.
الإمام الكاظم (عليه السلام) وحكّام عصره
حكّام عصره من العباسييهم: المنصور والمهدي والهادي وهارون الرشيد.
طوى عليه السلام عشر سنواتٍ من إمامته في عهد المنصور، وكانت من أقصى أيام حياته، وأشدّ أيّام الإسلام ظلاماً وشدّةً، فقد كان المنصور يلقي القبض على أصحاب الإمام، ثم يقضي عليهم ويدفن أجسادهم في السّجون سراً، وقد اكتشف الأمر بعد موته، إذ فتحت السّجون، وعثر فيها على الجثث.
وبعد هلاك المنصور، خلفه ابنه الماجن، المهدي العباسي، وكان هذا لا يخفي عداوته لأهل بيت الرسول، غير أنّه لم يبلغ مبلغ أبيه في القسوة والتنكيل.
حاول المهدي مرّة مضايقة الإمام عليه السلام، فاستدعاه إلى بغداد، ورمى به في السجن، لكنّه بعد حلم مرعب أبصره في إحدى الليالي، سارع إلى إطلاق سراحه، وأعاده إلى المدينة. وقد تعدّدت لقاءاته به وجرت بينهما في إحداها محاورة تناولت قصة «فدك»
ويروى أنّ المهدي العباسي عرض على الإمام الكاظم عليه السلام أن يردّ له مزرعة «فدك»، فرفض قبولها، ولما سأله عن سبب رفضه أجاب بأنّه لا يقبلها إلا بحدودها، فسأله: وما حدودها؟ فأجاب: إنّي إن حددّتها لم تردّها، فألحّ عليه المهدي، فحددّها عليه السلام كما يلي:
الحدّ الأول: عدن إلى الجنوب. فتغيّر وجه المهدي، ثم قال (ع): والحد الثاني: سمرقند إلى الشرق، فاربد وجهه، ثم قال: والحدّ الثالث: إفريقية إلى الغرب، فقال المهدي: والحدّ الرابع؟ قال: سيف بحر الخزر وأرمينية. عندها قال المهدي: لم يبق لنا شيء. فتحول إلى مجلسي. (أي تفضّل واجلس مكاني على العرش). فكان جواب الإمام (ع): لقد أعلمتك بأنّي إن حدّدتها، لم تردّها.
فالإمام عليه السلام، كان يرمي إلى إفهام المهدي العباسي، أنّ البلاد الإسلامية كلّها ، هي حقّ لأهل بيت الرّسول (ص)، لم يدم حكم المهدي العباسي طويلاً، حيث خلفه ابنه الهادي. وكان هذا رجلاً ضعيفاً، كما كان عهده قصيراً أيضاً، وخلفه من بعده ابنه هارون الرّشيد.
الوشاة والمغرضون
استدعى الرشيد مرةً علي بن إسماعيل، ابن أخ الإمام الكاظم بناءً على نصيحة يحيى بن خالد البرمكيّ، عدوّ الإمام، والذي يعرف حسد ابن أخيه له، وبعد أن غمره الرشيد بالمال والهدايا سأله عن أحوال عمّه، فقال علي: خلّفت عمّي في المدينة وهو في أحسن حالٍ، ولديه المال والرجال، حتى كأنّ هناك خليفتين: أحدهما في العراق والآخر في الحجاز.
فصمّم الرّشيد على التخلّص من الإمام، ثمّ أمر بالقبض عليه ونقله إلى سجن السنديّ بن شاهك، بعد أن أوصاه بالقسوة عليه.
وبعد مدّةٍ أرسل الرشيد وزيره يحيى البرمكي، ينقل إليه أنّ الرشيد أقسم على إطلاقه شريطة الإعتذار، لإظهار ضعفه، وليثبت أنّه خليفة المسلمين.
وكان ردّ الإمام: سيقع الفراق بيني وبين هارون عاجلاً.
أصدر الرّشيد أوامره الى السنديّ بن شاهك،بأن يدسّ التّمرالمسمومةً وقضى الإمام عليه السلام شهيداً بالسّم.
من وصيته عليه السلام لهشام بن الحكم
(هشام هو ابومحمد وقيل: ابوالحكم هشام بن الحكم ممن اتفق الاصحاب على وثاقته و عظم قدره ورفعة منزلته عند الائمة عليهم السلام وكانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاصول وغيرها صحب أبا عبدالله وبعده أبا الحسن موسى عليهما السلام وكان من أجلة اصحاب أبى عبدالله عليه السلام وبلغ من مرتبة علوة عنده أنه دخل عليه بمنى وهو غلام أول ما اختط عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة……. فرفعه على جماعتهم وليس فيهم الا من هو اكبر سنا منه فلما رأى أبوعبدالله عليه السلام أن ذلك الفعل كبر على أصحابه قال: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده.
وكان له كتب كثيرة والاصحاب يأخذون عنه، توفى في أيام الرشيد…. وترحم عليه الرضا عليه السلام ):
…يا هشام….
ثم ذم الكثرة فقال: “وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله”. وقال: “ولكن أكثرهم لا يعلمون “.وأكثرهم لا يشعرون”.
يا هشام ثم مدح القلة فقال: “وقليل من عبادي الشكور”. وقال: “وقليل ما هم” وقال: “وما آمن معه إلا قليل”
يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس [ في يدك ] لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة. ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنها جوزة ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة…..
…..يا هشام إن المسيح عليه السلام قال للحواريين: ” يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها. كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها.
….يا هشام إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذووا العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
…..يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
….يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا، قال: فكل طلقك؟ قالت: لا بل كلا قتلت. قال المسيح عليه السلام: فويح لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين….1
- 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).