قال الله تعالى: ﴿ … وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ … ﴾ 1.
عرّف الفقهاء الغيبة بأنّها: (ذكر المؤمن بعيبٍ في غيبته، سواء أكان بقصد الإنتقاد، أم لم يكن، وسواء أكان العيب في بدنه، أم في نسبه، أم في خلقه، أم في فعله أو قوله أو دينه أو دنياه، أم في غير ذلك ممّا يكون عيباً مستوراً عن الناس، ولا فرق في تحقّق الغيبة بين القول أو الفعل الدالّ على ذلك، وحتّى تحقّق الغيب لا أن يكون المغتاب محدّداً) كما لو قال شخص “إنّ فلاناً بعينه يشرب الخمر في المنزل من دون أن يكون غير هذا المتكلم عالماً بذلك”.
وحكم الغيبة هو “الحرمة” والآية الكريمة تُشبِّه الغيبة بمن يأكل لحم أخيه وهو ميت، مع ما في هذا الفعل من القذارة والكراهة الشديدة، وفي هذا التشبيه ما لا يخفى من الدلالة على بشاعة الغيبة، وعلى كونها من الأمور الضارّة على المستويين الفردي والإجتماعي، نظراً لما تنتجه من المفاسد والفتن والخلافات بين الناس، ممّا يساهم في تباعد البشر عن بعضهم البعض وإيقاعهم في المشاكل التي تذهب بالكثير من الجهود والنشاطات إلى غير الوجهة السليمة والصحيحة.
وكلّ مناشئ الغيبة ترجع إلى ما يشبه الإنتقام الدالّ على نقصٍ في شخصية الذي يمارس هذا العمل الشنيع، وقد ورد في الحديث الشريف: “أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ، ومساعدة قوم، وتهمة، وتصديق خبر بلا كشفه، وسوء ظنّ وحسد، وسخرية وتعجّب وتبرّم وتزيّف، فإذا أردتّ السلامة فاذكر الخالق دون المخلوق، فيصير لك مكان الغيبة عبرة، ومكان الإثم صواباً” 2.
وتختصّ حرمة الغيبة بالمسلم المؤمن الملتزم الذي لا يؤذي الناس في فعلٍ أو قولٍ، ويكون حسن الظاهر فيما بين الناس فلا يسيء إليهم بما يجعله معرّضاً للتّهم وسوء الظن من المجتمع أو الناس المحيطين به.
ولهذا استثنت الشريعة الإسلامية البعض ممّن يجوز الكلام عنهم ولا يكون قول المتكلم أو فعله الدالّ عليهم حراماً وهم:
أولاً- المتجاهر بالفسق
وهو الإنسان الذي يجرأ على المعاصي علناً بين الناس فأهدر كرامته الشرعية وحقّر إنسانيته بنفسه، فمثل هذا لا حرمة لغيبته، بل لعلّ الحديث عنه بما هو متجاهر فيه قد يردعه في بعض الأحيان، وقد ورد في الحديث: (لا غيبة لفاسق) و (لا غيبة لفاجر).
ثانياً- الظالم لغيره
ففي هذا المورد يجوز للمظلوم على يد ذلك الظالم أن يتكلّم عن مظلوميته لعلّ ذلك يرفع الظلم عنه ويرتدع الظالم عن فعله بسبب افتضاح أمره، وقد قال تعالى عن ذلك: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ … ﴾ 3.
ثالثاً- نصح المؤمن
وهو عبارة عن إسداء النصح للمؤمن في بعض الموارد خوفاً عليه من الوقوع فيما لا تُحْمدُ عقباه، كمن نصح أخاه المؤمن بعدم الزواج من فتاة ارتضاها لنفسه، مع أنّ في هذا الإختيار مفسدة كبيرة عليه لأسبابٍ يعلمها مقدّم النصيحة، ومن موارد النصح ذكر عيب المؤمن بين الناس إذا عُلِمَ أنّ ذلك يردعه عن الحرام المبتلى به، وهناك بعض الموارد الأخرى يمكن لمن أراد الإطلاع عليها الرجوع إلى كتب الأحكام الشرعية للمراجع العظام لمعرفتها حتّى لا يقع المؤمن في الغيبة وهو جاهل بذلك، لأنّ الجهل لا يُعدُّ عذراَ للجاهل المغتاب4.
- 1. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 12، الصفحة: 517.
- 2. البحار، ج 75 ـ ص 257.
- 3. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 148، الصفحة: 102.
- 4. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.