تميزت سيرة النبي الأعظم محمد بن عبدالله الأخلاقية بأنها كانت من أروع ما عرفته البشرية في تاريخها الطويل من تجسيد عملي لمكارم الأخلاق وفضائلها، فلم يكن رسول الإسلام يُنَظِّرُ للقيم الأخلاقية فحسب، وإنما كانت حياته كلها تجسيداً عملياً للمثل والقيم والمبادئ الأخلاقية الراقية.
وقد أثنى القرآن الكريم على عظمة أخلاق نبينا بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 1 فقد كان المثل الكامل في التحلي بالأخلاق قولاً وعملاً وممارسة، وقد استطاع بمكارم أخلاقه، وملكاته النفسية الراقية أن يؤثر في مجتمعه، وأن يستقطب أشد أعدائه لحضيرة الإسلام وقيمه.
وإذا ما أردنا أن نتعلم مكارم الأخلاق، ونطبقها عملياً في حياتنا، علينا أن نتتلمذ في مدرسة الرسول الأعظم الأخلاقية، فقد ترك نبينا الأعظم تراثاً ضخماً في مكارم الأخلاق، ومحاسن الفضائل، وسمو الأفعال والسلوك.
لقد كان الرسول الأعظم المثل الأعلى في الالتزام بالأخلاق قولاً وفعلاً، وقد كان لأخلاقه الدور الأكبر للتأثير على الكثير من الناس وجلبهم نحو الإسلام (فقد قام الإسلام على ثلاثة: أخلاق محمد، وسيف علي، ومال خديجة).
وفي هذا العصر حيث طغت المادية على كل شيء أحوج ما نكون إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة والسلوك القويم. ومن المؤسف أن نرى البعض من الناس لا يلتزمون بأي أخلاق، ولا يتحلون بأية فضائل، ولا يتصفون بأي مثل إنسانية.
إننا اليوم – ونحن نعيش في الألفية الثالثة- أحوج ما نكون للاقتداء بالسيرة الأخلاقية لرسولنا العظيم محمد بن عبدالله، حيث تراجعت القيم الأخلاقية في البنية الاجتماعية ، وحلت مكانها المعايير المادية، فأصبح الإنسان يُقَوَّم بمقدار ما لديه من مادة ومال، وليس بما يملك من قيم أخلاقية أو روحية.
وأصبح غياب القيم الأخلاقية من مختلف الصعد والجوانب الحياتية هو السمة البارزة في واقعنا المعاصر، فلم يعد في عالم الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الإعلام أو الفن… أي مكان للضوابط الأخلاقية، أو التحلي بالمبادىء والمثل الأخلاقية العليا؛ بل حلّ مكان القيم الأخلاقية المصالح والمعايير المجردة من أية أخلاق أو قيم أو مثل إنسانية.
وبالرغم من وضوح السيرة الأخلاقية العطرة للرسول الأكرم في كل كتب التاريخ، إلا أننا نجد أن هناك من يحاول الإساءة للرسول ، فبعد الرسوم المسيئة لمكانة ومقام الرسول الأكرم الذي قامت به صحيفة “يولاندز بوستن” الدنماركية بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) 2005م، وما تلتها من صحف غربية أخرى من نشر اثني عشر رسماً كاريكاتيراً مسيئاً للنبي محمد ، التي نشرت في بعض الصحف الغربية، يأتي بث ونشر فيلم مسيء عن شخصية نبينا الكريم ووصفه بصفات غير لائقة، من أجل تشويه شخصيته العظيمة في نظر الناس، لكنهم لم ولن يستطيعوا ذلك أبداً، لأن الشخصية المباركة للرسول الأكرم أقوى وأعظم وأكبر من أن يؤثر في مقامها ومكانتها أي محاولة لتزييف الحقائق.
وعبر التاريخ هناك من أعداء الدين من يحاول التقليل من شخصية النبي العظيم محمد بن عبدالله من خلال الاستهزاء أو السخرية أو الاستهانة بشخصية نبينا إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع في تحقيق أهدافها وغاياتها الخبيثة.
وقد تكفل الله تعالى برد مكر وكيد واستهزاء أعداء الرسول إلى نحورهم في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ 2 ومجيء الفعل بصيغة الماضي مع أن المقصود به المستقبل إشارة إلى حتمية الحماية الإلهية، بمعنى: سندفع عنك شر المستهزئين، حتماً مقضياً.
إلا أن ذلك لا يعني عدم القيام بواجبنا الشرعي، بل مقتضى الواجب الديني والأخلاقي هو الدفاع عن قدسية ومقام الرسول الأكرم ، والتعريف بشخصيته ومناقبه وفضائله وصفاته وسيرته المباركة. كما أن على الواعين أن يعملوا بكل جد واجتهاد من أجل استنهاض الأمة وإحياء نهضتها الحضارية، ودفعها نحو العمل المنظم من أجل دينها، والدفاع عن نبيها، نبي الرحمة والإنسانية محمد بن عبدالله.
وإن التعبير عن الغضب والاحتجاج بالوسائل السلمية ضد بث الفيلم المسيء للرسول الأكرم أمر واجب لإرسال رسالة واضحة أن الإساءة للرسول الكريم هو إساءة لكل مسلم، وجرح لمشاعر كل مؤمن، وأن ذلك أمر مرفوض من جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وتوجهاتهم ومدارسهم الفكرية.
لكن ينبغي عدم الوقوف عند ردود الأفعال المؤقتة، لأن الإساءات للرسول الأكرم محمد بن عبد الله ليس بالأمر الجديد، ولن يكون الأخير من قبل أعداء الإسلام والمسلمين، ولذلك يجب أن نقوم كمسلمين بمشاريع كبيرة ودائمة للتعريف بمكانة ومقام الرسول الأكرم، وبيان فضائله ومناقبه وسيرته المشرقة التي هي أكمل السير وأجملها.
واستخدام الوسائل الحديثة والمؤثرة في ذلك الأمر في غاية الأهمية كالاستفادة من القنوات الفضائية العالمية، وإنتاج الأفلام التي تعرف بالنبي ومكانته، وتأليف الكتب عن شخصيته الشريفة بمختلف اللغات العالمية، ورد الشبهات المثارة حول شخصيته الشريفة……. وغيرها من الأعمال التي يجب الإتيان بها كرد عملي وفاعل ضد الإساءات المتكررة في الغرب بحق رسولنا الكريم .
وأتصور أن من المهم سن قانون عالمي تتبناه الأمم المتحدة بمنع الإساءة إلى الأنبياء والرسل والمقدسات الدينية، ووضع عقوبات صارمة ضد كل من يقوم بذلك.
كما أن إعلان يوم مولد الرسول الأكرم كيوم عالمي للتعريف بشخصيته ومكانته العظيمة، لكل الناس في كل مكان من الأرض أمر في غاية الأهمية؛ إذ يجب أن تدفعنا الإساءات المتكررة لرسولنا الكريم للتعريف بالإٍسلام، وبشخصية الرسول الأكرم للشعوب الأوروبية وغيرها. وتسخير كل الإمكانات الكبيرة في عالمنا الإسلامي لتعريف العالم برسول الإنسانية والأخلاق الفاضلة كي يطلعوا على السيرة المباركة والمشرقة لأفضل الخلق وسيد البشر محمد بن عبدالله 3.
- 1. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآية: 4، الصفحة: 564.
- 2. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 95، الصفحة: 267.
- 3. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالله اليوسف حفظه الله – نقلا عن «مجلة الخط- العدد العشرون» – 25 / 9 / 2012م – 12:50 م.