بعد أن اتفقت كلمة قريش علىٰ قتل النبي صلى الله عليه و آله و سلم وتعاهدت قبائلها علىٰ ذلك ، ولم يبق له في مكة ناصر ولا مكان يأوي إليه، أُذن له بالهجرة إلىٰ المدينة، وتمت الهجرة بسلام علىٰ الرغم من ملاحقة قريش ومطاردتها له وبذلها الجوائز السنية لكلِّ من يرشدها إلىٰ مكانه أو يقبض عليه.
وكان صلى الله عليه و آله و سلم قبل هجرته أمر عليّاً عليه السلام أن يبيت علىٰ فراشه وأوصاه بما أهمّه وأن يلتحق به مع الفواطم وهنّ : فاطمة الزهراء عليها السلام ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة ، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب ( رضي الله عنهن ) وكان عمر الزهراء عليها السلام عند الهجرة ثمان سنين.
وبعد أن نفّذ علي عليه السلام وصايا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وسلّم وأدّىٰ الودائع والأمانات لأهلها ، هيّأ للفواطم الرواحل وأخرجهن من مكة في طريقه إلىٰ يثرب ، وأشار علىٰ من بقي في مكة من المؤمنين أن يتسلّلوا ليلاً إلىٰ ذي طوىٰ حيث يسير الركب منها باتجاه المدينة ، وخرج هو في وضح النهار بالفواطم ، ومعه أيمن ابن أمّ أيمن وأبو واقد الليثي ، فجعل أبو واقد يجدّ السير مخافة أن تلحقهم قريش وتحول بينهم وبين إتمام مسيرة الهجرة ، فقال له علي عليه السلام : « ارفق بالنسوة يا أبا واقد ، وارتجز يقول :
ليـس إلّا اللــه فارفـع ظنّكــا يكفيك ربّ الخلق ما أهمّكا »
ولما شارف ضجنان أدركه طلب قريش ، وكانوا ثمانية من فرسانهم ، فاستقبلهم أمير المؤمنين عليه السلام بسيفه وشدّ عليهم حتىٰ فرّقهم عن ركب الفواطم ، وقتل منهم جناح مولى حرب بن أُميّة ، ولاذ الباقون بالفرار ، ومكث أمير المؤمنين عليه السلام في ضجنان قدر يومه وليلته ، ولحق به نفرٌ من المستضعفين من المؤمنين ، وفيهم أُمّ أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فظلَّ ليلته تلك هو والفواطم طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلىٰ جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتىٰ طلع الفجر ، فصلّىٰ علي عليه السلام بهم صلاة الفجر ، ثم سار لوجهه ، فجعل يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهنّ ممّن صحبه عليه السلام حتىٰ قدموا المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالىٰ :﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ … ﴾ 1 إلىٰ قوله سبحانه : ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ … ﴾ 2 الذكر : علي عليه السلام ، والاُنثىٰ : الفواطم المتقدّم ذكرهنّ 3.
وعن ابن عباس : هاجرت فاطمة مع أمير المؤمنين عليهما السلام فقدمت المدينة ، فأنزلها النبي صلى الله عليه و آله و سلم علىٰ أمّ أيوب الأنصاري ، وخطب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم النساء ، وتزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة عليها السلام إليها ، ثم تزوج أُمّ سلمة فقالت أُمّ سلمة : تزوجني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وفوّض أمر ابنته إليّ ، فكنت أدلّها وأؤدّبها ، وكانت والله آدب مني ، وأعرف بالأشياء كلّها ، وكيف لا تكون كذلك وهي سلالة الأنبياء 4 5.
- 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 191، الصفحة: 75.
- 2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 195، الصفحة: 76.
- 3. أمالي الطوسي : 463 ـ 472 / 1031 ، طبع مؤسسة البعثة ـ قم ، مسنداً بعدة طرق عن عمار بن ياسر وأبي رافع مولىٰ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وهند بن أبي هالة ربيب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم وأخي الزهراء عليها السلام من أُمّها خديجة ( رضي الله عنهم أجمعين ).
- 4. دلائل الإمامة : 81 / 21.
- 5. المصدر: كتاب سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، للدكتور علي موسى الكعبي.