بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم
بقلم: زكريَّا بركات
٢٥ أكتوبر ٢٠٢٤
في زمن يحرص فيه دُعاة الفتنة وخُدّام الاستكبار على بثِّ سمومهم تحت غطاء الدين وباسم الحقِّ، في سبيل الإساءة إلى الإمامية الاثناعشرية وتشويه صورتهم، كجزء من مخطط يرمي إلى تمزيق نسيج الأمَّة، وإشاعة الكراهية ضدَّ الإمامية الذين يقودون محـ المقاومة ـور، وهم سرُّ قوته، ورُكن ثباته، من اللازم الدفاعُ عن الوحدة والذبُّ عن المحور من خلال بيان الصورة الصحيحة، وتقديم الواقع كما هو، وكما ينبغي أن يكون.
ومن أهمِّ ما يمكن أن يخدم الحقيقة، ويقدِّم الواقعَ في صورة صادقة: ما يعكس تقدير أئمَّة الزيدية وعلمائهم واحترامهم لعلماء الإمامية الاثناعشرية ورواتهم، وفيما يلي ما تيسَّر لي الاطلاع عليه باختصار، وبالله نستعين، وهو ولي التوفيق:
١ ـ المحقِّق الزَّيدي محمَّد يحيى سالم عزَّان يقول إنَّ إمام الزيديَّة أبا طالب الهاروني (ت ٤٢٤ ه) تلقَّى العلم والمعرفة عن جهابذة العلماء الذين يصفهم ببحور العلم وعلماء الإسلام، ويذكر منهم أعظم مشايخ الإماميَّة في زمانه وفقيههم الشيخ محمَّد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت ٤١٣ ه) . انظر مقدمة كتاب التحرير بتحقيق محمد يحيى سالم عزان.
٢ ـ رواية أئمة الزيدية عن علماء الإمامية، ومن ذلك رواية إمام الزيدية الناصر الأطروش بلا واسطة عن مرجع الشيعة وزعيمهم في مدينة قم: أبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وذلك في كتاب “البساط” للناصر الأطروش. ومن ذلك العديد من روايات أبي طالب الهاروني في أماليه بأسانيد يقع فيها العديد من علماء الإمامية، وقد سبق نشر بحوث تتضمَّن إثبات ذلك بالتفصيل.
٣ ـ الثناء البليغ من إمام الزيدية القاسم بن محمد (ت ١٠٢٩ هـ) في كتاب الاعتصام ج٥ ص٢٤٠ ، على محدث الإمامية الحافظ ابن بطريق مؤلف كتاب “العمدة”، حيث قال الإمام القاسم بن محمد واصفاً ابن بطريق: “الشيخ الإمام نجم الاسلام الحافظ المتقن”. علماً أن الحافظ ابن بطريق ألَّف كتاباً اسمه: “اتفاق صحاح الأثر على إمامة الأئمة الاثني عشر”.
٤ ـ ثناء القاضي الحافظ شرف الدين المهلَّا (ت 1111 هـ) ـ من أعلام الزيديَّة ـ في كتابه مطمح الآمال (ص185) على محمد بن إبراهيم النعماني ـ من قدماء علماء الإمامية ـ مؤلِّف كتاب “الغيبة”، حيث عدَّه من علماء الأمَّة المحمدية. علماً أنَّ النعماني روى ـ من طرق الخاصة والعامة ـ أحاديث تنص على إمامة الأئمة الاثني عشر مع بيان أسمائهم بالتفصيل الموافق للعقيدة عند الإمامية الاثناعشرية.
٥ ـ نقل القاضي الزيديِّ الحافظ شرف الدين المهلَّا (ت 1111 هـ) عن القطب الراوندي (ت 573 هـ) ـ أحد أساطين علماء الإماميَّة ـ من كتابه “الخرائج والجرائح” عدة روايات ترتبط بمعاجز وكرامات الإمام الباقر عليه السلام، مما يعني أنَّه لا يتهم القطب الراوندي، بل يرى كتابه صالحاً. وقد نشرنا حول هذا الموضوع مقالاً مستقلاً فيما سبق.
٦ ـ دفاع إمام الزيديَّة السيد بدر الدين الحـ ثي ـو عن الشيعة الإماميَّة في كتابه “تحرير الأفكار”. كما قال (رحمه الله) في كتاب “الغارة السريعة” (ص275) مُتحدِّثاً ومُدافعاً عن السيِّد شرف الدين العاملي صاحب “المراجعات” : “إمامٌ من أئمَّة العلم، طالعتُ في بعض كتبه فعجبتُ لسعة اطِّلاعه، حتَّى كأنه قد اطَّلع على كتُب أهل الأرض، وهو ينقل عن كتُب الأمَّة، ويذكر الكتاب باسمه والجزء والصفحة، وطريقته وكماله الظاهر وعلوّ شأنه وعلو همَّته، كلُّ ذلك يدلُّ على بُعده من الكذب، وإذا جوّزنا عليه الكذب جوّزناه على مسلم، بل هذا أبعد عن الكذب، لأنَّه من ذُرِّيَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، وحبُّه علامة الإيمان والإيمان مُجانبٌ للكذب، كما أنَّ الكذب مُجانبٌ للإيمان، وهو أيضاً صحيح العقيدة في إثبات عدل الله وحكمته، سليم من الجبر والتشبيه…”. انتهى.
٧ ـ الثَّناء البليغ من قبل إمام الزيدية العلَّامة محمَّد بن محمد مطهَّر المنصور في كتابه “برقٌ يمان” (ص55) على مرجع الإماميَّة السيد روح الله الخميني، حيث يقول: “الإمام آية الله الخميني حفظه الله وأطال في عافيته وتأييد عمره، ونعم الإمام هو”.
٨ ـ قراءة السيد القائد عبد الملك بـ الدين ـدو الحـ ثي ـو لدعاء الافتتاح، وحثِّه الناس على قراءة الدعاء في ليالي شهر رمضان، مع أنَّ الدعاء ليس من مصادر الزيدية، بل انفردت الإمامية بروايته، مما يدل على انفتاح السيد القائد الحوثي على الإمامية واعتقاده بصدقهم وعدم اتهامه لهم. وقد حدَّثنا الأستاذُ يحيى عواضة أنَّ السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحمل للإمام الخامنئي عظيمَ الاحترامِ والتَّقديرِ، وقد وصفه بالإمام العادل.
ونختتم هذه الشواهد بالتنبيه إلى أن شيخ خصوم الإمامية وإمام الوهابية: ابن تيميَّة الحرَّاني ـ على تعصُّبه الشديد ـ شهد للإمامية بالصِّدق، وذلك في كتابه “الردُّ على السُّبكي” (2/ 697) ، حيث قال إنَّ معظم ما يرويه الاثنا عشريَّة في الشَّريعة موافق لقول جمهور المسلمين، وأنَّ الغالب فيما ينقلونه عن أئمَّة أهل البيت الصِّدقُ، وأنَّ ما يمكن تخطئتهم في روايته يحتمل أنه بسبب الخطأ.
فإن كان مثل ابن تيمية قد شهد بذلك، فلا نستبعد ولا نستغرب ما صدر من أئمة الزيدية وعلمائهم من تلك الشهادات، فإنهم أولى بالحق وأجدر بالصدق.
والحمدُ للّٰه ربِّ العالمين.