نور العترة

نصرة الإمام الحجة(ع)…

المؤمنون بمقتضى إيمانهم واتّباعهم لأهل البيت عليهم السلام ينجذبون ويساهمون في نصرة الإمام المهدي عليه السلام وينبغي أن يعلم أن الطريق الوحيد لنصرة الإمام عليه السلام هو نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام، لأن الظهور هو إعلان مشروع الإمام المهدي عليه السلام من قبله عليه السلام بشكل علني أمام البشرية, فإذا كانت البشرية كلها عاصية ومتمردة على مشروع الإمام عليه السلام, فهل يمكن للإمام عليه السلام أن ينتصر؟

مما لا شكّ فيه أن البشرية إذا كانت متمرّدة على مشروع الإمام لا يمكن للإمام عليه السلام حينئذٍ أن ينتصر, لأن الظهور من سنن الله تعالى وأنه تعالى أبى إلاّ أن يجري الأمور بأسبابها وليس بالإعجاز فقط ومحض الغيب, كما بيّن ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ … إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ … ﴾ 1.

فإنّ الله تعالى كتب لدولة العدل أن تقام على الأرض لكن متى توفرت الشرائط والمعدات لذلك, وهذه توفرها البشرية بأن تستعد وتتقبل ذلك وتقوم به ومن أهم ذلك نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام والقيام به بشكله الصحيح وإلاّ استمر تأخير إقامة تلك الدولة.

وهناك عدّة روايات يظهر منها أن ظهور وإقامة دولة العدل ودولة أئمّة أهل البيت عليهم السلام كان مقدّراً في زمن الإمام الحسين عليه السلام وكذا في زمن الصادق عليه السلام أو الكاظم عليه السلام 2، ولكن بدا لله تعالى تأخير ذلك، لأن أتباع أهل البيت عليهم السلام توانوا في القيام بالدور المناسب, وما ذلك إلاّ لأن الظهور ليس أمراً جبرياً ولا تفويضياً بل هو أمر بين أمرين, فإنّ قاعدة الأمر بين أمرين جارية حتّى في الفعل الاجتماعي والحضاري والسياسي.

وعليه فلما كان الأمر كذلك فلا نتوقع الظهور وقيام دولة الحق مع عدم النصرة وأن النصرة له عليه السلام لا بدَّ أن تكون من الأفراد ومن المجتمعات والدول ولا نتصور حصول النصرة له من الأفراد والمجتمعات والدول إلاّ إذا انتشر الاعتقاد بمشروع ومنهاج أهل البيت عليهم السلام وهو مشروع الظهور ومشروع الإمام المهدي عليه السلام.

وقد ورد في الدعاء: (مؤمن بإيابكم، مصدق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم) 3 ، فإنّ هذا ترتب تصاعدي، مؤمن، ثمّ مصدّق، ثمّ منتظر، ثمّ مترقّب, ولكل درجة ومرتبة من هذه العناوين شرائط ووظائف خاصة كما له مفهومه الخاص, فالمنتظر هو الذي يباشر العمل أي من يقوم بإيجاد مقدمات تتوقف عليها تحقيق نتيجة معينة, والمترقب هو من أنجز العمل ووفر وحقق ما مطلوب منه كمقدمات لذلك العمل ولم يبقَ له إلاّ الحصول على هدفه وأخذ النتيجة.

فإذا كنّا منتظرين لظهور الأمر وتحققه لا بدَّ من تحمل المسؤولية والعمل على تحقق مقدمات الظهور وهي نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام لنكون بعد ذلك مترقبين للظهور وإقامة دولة العدل والحق, فالانتظار نوع من التفاعل مع عقيدة الظهور وعقيدة إمامة الإمام المهدي وليس إبقاؤها عقيدة تجريدية بل لا بدَّ من تفعيل تلك العقيدة من خلال تفاعل الإنسان بأن عنده مشروع مهدوي.

فإنّ عقائد أهل البيت عليهم السلام دوماً واستمراراً تترجم بمشاريع عملية ميدانية اجتماعية سياسية وليست عقائد أهل البيت عقائد تجريدية تظل في السطور والكتب وتحمل في القلوب دون تفعيلها وليست هي عقيدة فردية يعيشها الفرد في نفسه أو في ظرفه وميدانه الخاص وإنما هي عقائد تقتضي الارتباط بالمجتمع وتحمل المسؤولية بالموقف السياسي والاجتماعي فهي عقائد لها تداعيات وتوجهات وتأثيرات خارجية فعلية, فمثلاً العقيدة بالإمام الحسين عليه السلام تعني تحمل مسؤولية النهي عن المنكر الاجتماعي والنهي عن المنكر السياسي والنهي عن المنكر المالي وهكذا…

وكذا تحمل مسؤولية الأمر بالمعروف الاجتماعي والسياسي والمالي و…

لذلك تقول بعض الدراسات الغربية: إن عقيدة الإمام الحسين عقيدة خطرة لأنها تمنع وتمانع وتقاوم الذوبان في الثقافات الأخرى فإنّ هذه العقيدة فيها خصائص وصفات تمنع التأثر بالغير حيث إن كل المسلمين ذابوا في الغرب إلاّ أتباع أهل البيت عليهم السلام _ وقد تقدّم بيان هذا المطلب _ والسبب الرئيسي هو الاعتقاد بالإمام الحسين عليه السلام ووجود المرجعيات الدينية المتعاقبة الحاملة لهذا الفكر والناشرة والعاملة به, فهو منهج مفعل وعقائد وثقافة تطبيقية لا يمكن القفز عليها, لذا فهي مبادئ غير قابلة للتأثر بالغير لأنها مبادئ عملية تطبيقية.

إذاً مشروع الإمام الحسين عليه السلام خطر عليهم ويقلقهم لأنه مشروع حيوي ميداني.

وهكذا الكلام في العقيدة بالإمام المهدي عليه السلام فهي إحدى عقائد مدرسة أهل البيت المهمّة وعموم المسلمين, فليست هي عقيدة قلبية بين الفرد ونفسه أو تبقى حبيسة السطور وإنما هي عقيدة فعلية عملية اجتماعية لها تداعياتها وتموجاتها التي تبني صرح الدولة الإسلاميّة الصحيحة المستقيمة وفي نفس الوقت تهدم كل مخططات الكفر والكافرين.

وقد ذكرنا سابقاً أن هناك كتاباً خطيراً للخبير والباحث الستراتيجي فرانسوا توال باسم الجغرافية السياسية للشيعة إذ يتعرّض فيه لعقيدة الإمام المهدي عليه السلام ويقول فيه: (إن عقيدة الإمام المهدي عند الشيعة ليست عقيدة تجريدية جمودية بل هي عقيدة مشروع دولي عولمي اُممي) ويضيف هذا الكاتب القول: (والمشكلة أن هذا الطموح الخطير لا نجده في أيّ ملّة ولا نحلة ولا جماعة أخرى) ثمّ يحذّر بالقول: (فلذلك يجب على المراقبين الدوليين أن يلتفتوا إلى خطورة هذه العقيدة فإنّها ليست عقيدة وحسب, بل هي مشروع عالمي متكامل. لاسيّما أن هذا المشروع أكبر شعار لكل مؤمن بالعدالة وهو العدالة المطلقة), ومعلوم أن العدالة هي أنشودة كل البشرية على طول التاريخ, إذ مذهب أهل البيت يحمل شعار العدالة المطلقة وينفي العرقية والعشائرية والتمييز الطبقي والاجتماعي… والمقياس هو: (كلكم لآدم وآدم من تراب) 4 ، و ﴿ … إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ … ﴾ 5 وهذه ليست موجودة في المدارس الإسلاميّة, الأخرى بل ولا الملل والنحل الأخرى.

إذاً نحن لا بدَّ أن نتحمّل المسؤولية إذا كنّا ننتظر الظهور, وذلك بأن نسعى للاعداد للظهور وهذا الإعداد لا يكون إلاّ بوسيلة وحيدة وهي الأولى والأخيرة في تحقيق الظهور وهي نشر مذهب وعقائد أهل البيت, لأن نشر مذهب أهل البيت يعني نشر شروط وقواعد العدل ونظم العدل الحقيقي وكيفية برمجة العدل والعدالة والحرية والقسط والقسطاس فإنّ أبرز مهام الإمام عليه السلام عند ظهوره ونهضته وإقامة دولته هي أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فإنّ هذه الميزات هي من خصائص ومنهاج آبائه وأجداده الأئمّة الطاهرين عليهم السلام وهنا أكبر برهان قانوني واجتماعي على كون نشر مذهب أهل البيت هو طريق الإعداد للظهور حيث يقول علماء القانون وعلماء الاجتماع وعلماء العلوم السياسية الأكاديمية أنه إذا اُريد تطبيق نظام معيّن وإقامته على الواقع الخارجي فلا بدَّ أوّلاً وفي الدرجة الأساس من تثقيف المجتمع على تعاليم ذلك النظام, بل لا بدَّ من التشدد في تعليمهم ذلك النظام نظرياً أي لا بدَّ من التهيئة النظرية والتي هي عبارة عن الاعتراف والاعتقاد بذلك النظام أوّلاً ومعرفة بنوده وإرشاداته…

وهكذا في دولة الإمام عليه السلام فإنّ المنشود منها هو إقامة دولة الحق والتي هي على طبق منهج أهل البيت فلا بدَّ أوّلاً من التهيئة والإعداد لذلك بأن يعتنق الناس مذهب الحق ومعرفة عقائده وإرشاداته وبنوده وأمثليته وأمثولته الموجودة في الكمال كي تأتي المرحلة الثانية وهي التطبيق العملي وإنجاز العمل وهو الظهور.

إذاً مرتبة الإعداد والتهيئة وطلب وانتظار الظهور هي المعرفة النظرية لكافة البشر بأن مشروع الإمام المهدي ودولة الظهور هو الأحق والأكفأ والأجدر والأمثل في معالجة مشاكل البشر من الظلم والفساد, فحينئذٍ بهذه الطريقة نمهد لظهور الإمام عليه السلام وإقامة الدولة المباركة وبسطها على العالم ولا نتصور من دون ذلك تحقق انتصار الإمام وإقامة الدولة إلاّ بالمعجزة أو الطفرة, ولكن الله تعالى أبى إلاّ أن تكون الأمور بأسبابها ومسبباتها وليس بالمعجزة, كما أن الطفرة باطلة ومخالفة للقوانين والقواعد العقلية، وقد تقدم أن أولى القواعد الرقابية على الحجج هي بديهيات العقل وبديهة العقل تقضي أن لكل مسبب سبباً فلا بدَّ أن تكون دولة الإمام عليه السلام وفق أسبابها ومقدماتها لا بالطفرة.

وعليه فمسؤولية الانتظار هي الإسهام والعمل والنصرة المؤكّدة للإمام عليه السلام من خلال نشر مذهب ومنهج أجداده المعصومين لأنه عليه السلام سيكون مقيماً لكتاب الله ومحيياً لسُنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومطبقاً لمنهاج وسنن الأئمّة المعصومين عليهم السلام, وهذه المهمّة لا تكون إلاّ بتقديم المعرفة النظرية لمذهب أهل البيت عليهم السلام وهذه الخطوة من التثقيف والإعداد بنشر عقائد أهل البيت هي التي يحذّر منها فرانسوا توال في كتابه (الجغرافية السياسية للشيعة) الذي كتبه قبل ست سنوات حيث يقول: (إن أخطر ما في هذه العقيدة أنها بالإمكان أن تنتشر بين الشعوب والدول بين ليلة وضحاها وأخوف ما أنبه عليه المسؤولين الدوليين أن هذه العقيدة لا تحتاج في انتشارها إلى مؤونة لأنها تحمل شعاراً تنشده كل الأمم والشعوب وهو الحرية والعدالة المطلقة).

ويضيف هذا الكاتب: (إنّي اُقدّر سرعة انتشار هذه الدعوة بأن تكون أسرع من انتشار الشيوعية والاشتراكية) فهو يخاف من سرعة انتشارها لأنها دعوة حق وعدل, والناس متعطّشة لذلك فما أسرع اعتناق الشعوب لهذه المبادئ السامية والنبيلة في مذهب أهل البيت, وهذا يحتاج للعمل وتحمل المسؤولية في النشر والتثقيف وإيصال العقائد للشعوب كي ينخرطوا في اعتناق مذهب الحق.

ولذلك فإنّ الغربيين والملحدين وأصحاب الفكر المنحرف من بعض الديانات لما اكتشفوا مكامن الخطر المحدق بهم وبرئاساتهم وعروشهم بدأوا الحرب ضد دولة الإمام عليه السلام قبل قيامها وذلك من خلال عرقلة مقدمات إقامتها فحاولوا ويحاولون تبديد طاقات المؤمنين في دعاوى ضالة تحيد بهم عن الطريق ونشر الخزعبلات والأساطير والخرافات والهلوسات التي لا تمتّ بأيّ صلة لمذهب أهل البيت عليهم السلام فيروجون كل تلك المعرقلات للحدّ من انتشار مذهب أهل البيت عليهم السلام بل ويدخل عملهم أحياناً في مسار التثقيف السلبي لفكر أهل البيت عليهم السلام وهذا أخطر عدو.

فإذاً الأمر مهم جدّاً وحساس وخطير, وهناك ألاعيب وتدابير خلف الكواليس تحاك، وهناك نشر لتعاليم زائفة باطلة عن الإمام ودولته وثقافته وحكمه. ولكن لا بدَّ لنور الله أن يشع ويملأ الأرض, قال تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ 6.

وهذه الآية تعتبر دليلاً آخر على أن طريق تمهيد الظهور هو نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام فإنّ معنى انتشار نور الله هو انتشار لمعتقدات أهل البيت, وهكذا في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ 7 فإنّ الاظهار يحصل باعتناق الناس للإسلام بحقيقته وهي الإيمان وهو مذهب أهل البيت وليس الإسلام بظاهره القشري, وهذا لا يكون إلاّ بانتشار تعاليم مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

فإنّ قمّة إنجازات دولة الإمام عليه السلام هو نشر الهداية في كافة أرجاء الأرض, فالنتيجة تعتمد على استراتيجية دولة الإمام المهدي عليه السلام ونحن إذا أنجزنا هذه الخطوة وهي نشر التعاليم النظرية في العالم, فكأنما نحن أنجزنا غاية الإنجازات للدولة بعد الظهور فكيف لا يسهم نشر مذهب أهل البيت في الظهور وهو يعتمد على نفس استراتيجية دولة ما بعد الظهور بل نشر تعاليمهم ومناهجهم هو عمدة العماد للظهور.

وقد يتوهّم البعض استناداً إلى فهم خاطئ من بعض الروايات التي تقول كما يشيع ويساعد على ذلك أعداء أهل البيت تقول: إن الإمام يظهر ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملأت ظلماً وجور 8.

فإنّهم يتوهّمون أن الإمام عليه السلام يظهر إذا امتلأت الأرض بالفساد والجور والظلم و… فلا بدَّ من انتشار الفساد لا الصلاح والهداية وهذه من المغالطات التي يروّج لها الأعداء.

وإنما المراد بذلك أمر بين أمرين فمعنى امتلاء الأرض بالفساد والجور يعني مجتمع معسكر الفساد في قطب مقابل تجمع معسكر الإعداد للظهور في قطب آخر, أي فإنّ الأرض كما ملئت ظلماً وجوراً فهي مستعدّة بعد نشر العقائد الحقّة لكي تكون أرضاً خصبة للظهور وامتلائها عدلاً وقسطاً وإلاّ فلو امتلأت الأرض كلها بالفساد فكيف ينتصر الإمام وكيف تكون له القيادة والريادة، فهو نظير إرادة انتخاب شخص للرئاسة ونحن نقول لجميع الناخبين لا تنتخبوه؟!

ومما يؤيّد ويساعد على أن الإعداد إنما يكون بنشر المذهب الحق ما ورد من روايات تبيّن أماكن ظهور أنصار الإمام عليه السلام الـ (313) فإنّها تبيّن أماكن مختلفة من الهند والصين وأوربا واليابان فهم من كل نقاط العالم وليس من الشرق الأوسط فقط, فكيف يخرج أولئك ما لم ينتشر عندهم مذهب أهل البيت عليهم السلام.

كما يؤيّد ذلك روايات الملاحم حيث تذكر أن هناك راية فساد معادية واحدة وهي راية السفياني في قبال عدّة رايات إصلاح وتمهيد ونصرة كاليماني والخراساني وراية من المغرب وأن هناك رايات متعدّدة موالية لأهل البيت عليهم السلام فإنّ درجات الموالاة تختلف, وهذا يدلل على أن أكثر العالم يكونون على وعي وإدراك واقتناع بتعاليم دولة الظهور, نعم هناك قلّة تبقى على الضلال وتدخل في راية السفياني وتكون معادية لمذهب أهل البيت.

فمقتضى الضروريات ومقتضى الإصلاح والمنطق السليم هو أن الإعداد للظهور هو نشر العقائد الحقّة وليس الفساد, فإنّ ما ينشده العالم اليوم من الحداثة والعولمة وحقوق الإنسان والإصلاح والسلم والمساواة و… كل ذلك تحت عنوان مشروع إصلاحي عالمي منقذ هذا لا ينسجم ولا يتوافق إلاّ مع مذهب أهل البيت دون غيره من الأديان والمذاهب الأخرى قاطبة, فهذه المضامين في العناوين المطروحة على الساحة العالمية عبارة عن دروس ومضامين لا تتّفق مع المسيحية ولا اليهودية ولا المذاهب الإسلاميّة الأخرى فضلاً عن البوذية والهندوسية وكل الأديان المنحرفة الأخرى, وهذا من الملاحم الأديانية الإعجازية أن تنتشر هذه الثقافات والعناوين التي تحتوي بنود منهاج الإسلام عند أهل البيت عليهم السلام, لكن لا بدَّ من الإعانة والإسهام في انتشارها الصحيح وليس الانتشار السلبي والتوظيف المصلحي الهدّام, كما تفعل الدول العظمى حيث تستغل هذه العناوين في تحقيق أهدافها وأغراضها التي هي في حقيقتها مخالفة لواقع هذه العناوين.

فالأنظمة الدكتاتورية والمنحرفة والمادية و… في نفس الوقت الذي تنشر الفساد هم مضطرون للترويج لهذه الثقافات على نحو المطالب المستقبلية والتأمل في المستقبل المنشود و… وهذا ما يساعد على استغلال ذلك لنشر الثقافة الصحيحة وبيان أن المشروع الإصلاحي والمنقذ الوحيد المحقق لتلك العناوين المنشودة، والمطبَّق لها على الواقع هو منهاج أهل البيت عليهم السلام.

والحاصل أنه لا بدَّ لنصرة الإمام من إعداد القاعدة الجماهيرية وليس الكلام عن وزرائه الثلاثمائة وثلاثة عشر وإنما الكلام عن القاعدة الواسعة على الأرض وهي الجماهير فلا بدَّ أن يكونوا على مستوى من الوعي والثقافة المهدوية والعلم ببنود وأهداف دولة الإمام ليكونوا عمود قيام تلك الدولة ضد الظلم والظالمين.

لذا فإنّ الانتظار الحقيقي والانتصار والعون الأكبر في نصرة الإمام المهدي عليه السلام وطريق الإعداد الوحيد لمشروع الظهور هو نشر منهاج وطريقة وعقيدة أهل البيت عليهم السلام.

ومن يحاول التحايل على ذلك فليعلم أنه إما يدجّل أو دُجل به وإما يكذب أو كُذب عليه وإما ضل أو ضلل به, لأن إعاقة نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام هي إعاقة لمشروع الظهور لا محالة في حين أن أكبر وأقوى سلاح لعون ونصرة الإمام عليه السلام ولمشروع الظهور هو نشر معارف وعقائد وتعاليم مذهب أهل البيت عليهم السلام بسداد وصواب وشفافية وبلا أيّ تحريف وتلويث, لأن مشاريع وعقائد أهل البيت عليهم السلام هي مشاريع مناهضة للظلم, وهكذا هو مشروع دولة الإمام عليه السلام.

إذاً عقيدة أهل البيت عليهم السلام هي عقيدة مشاريع وهي في المآل ومنتهى المطاف هي مشروع الإصلاح وإقامة العدل والحريّة أما إذا لم نستطع أن ننشر تعاليم أهل البيت عليهم السلام في أرجاء الأرض فلا نتوقع الظهور ولا يمكن أن نوقّت له فإنّه كلما تلكّأ انتشار مذهب أهل البيت عليهم السلام كلما تلكّأ وتأخّر الظهور ولا ريب ولا شكّ بذلك حسب الروايات, فإنّ أصل معنى راية اليماني وراية الخراساني وغيرها رايات مناصرة لأهل البيت عليهم السلام في قبال راية واحدة معادية وهذا يعني أن القاعدة الجماهيرية تهتف بأهل البيت عليهم السلام والعالم بأكمله قد استجاب لنداء أهل البيت عليهم السلام وصاروا محبّين لهم ومتبعين لتعاليمهم وأن هناك قلّة قليلة ترفع راية ضد مشروع الظهور والذي يعني أن عقيدة ومنهج أهل البيت عليهم السلام انتشر في جميع العالم.

وعليه فهذه علامة واضحة وتوقيت لا لبس فيه، بل وعلامة حتمية من الأئمّة عليهم السلام وهي أنه إذا انتشر منهاج أهل البيت وعقائدهم وتعاليمهم فقد حان وأزف الظهور فإذا والى المسلمون أهل البيت عليهم السلام لاسيّما في بقاع المسلمين لأنها هي منطلق الظهور فقد حان الظهور.

وأما إذا لم ينتشر مذهب أهل البيت بل كان الناس على عداء لهم والعياذ بالله, أو كانوا على قطيعة وبعد من أهل البيت عليهم السلام وكانوا يبغضونهم وينفرون من مذهبهم عليهم السلام فهذا يعني تأخّر الظهور قطعاً.

وعليه فهذه علامة حتمية بأيدي الناس يستطيعون تحقيقها وإنجازها ومن خلالها العلم واستعلام الظهور.

فعندما تذكر الروايات أن من أفضل العبادات انتظار الفرج كما عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل العبادة انتظار الفرج) 9 , وعن علي بن الحسين عليه السلام قال: (تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة بعده, يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته, القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان لأن الله تعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً) 10.

وإن الانتظار صفة المؤمنين الموالين فإنّ للانتظار أدبيات وواجبات فقد اتّضح أنه من واجبات الانتظار والمنتظر هو السعي لنشر منهاج أهل البيت عليهم السلام وأن يكون مترقّباً من خلال نصرة الإمام والنصرة لا تكون إلاّ بنشر عقائد وتعاليم سبيل الحق من مذهب أهل البيت عليهم السلام.

لذا فالذي يكون ناصراً ومنتظراً ومترقباً لأهل البيت ولدولتهم وللمهدي عليه السلام هو من ينشر مذهب الحق وليس من يحرّف ويعرقل مذهب أهل البيت ويدخل الأساطير والخزعبلات والخرافات و… فإنّ ذلك لا تستجيب له الفطرة البشرية وعليه فأعداء أهل البيت من الظلمة والطواغيت و… تجدهم يمنعون نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام وذلك من خلال خلق التيارات المنحرفة ونشر الأساطير الباطلة ونحوها.

وهذا لا ينطلي إلاّ على السذج والبسطاء وإلاّ فإنّ منهاج أهل البيت عليهم السلام هو مذهب المنطق والبرهان والدليل والبيان والعقل والعقلانية الذي تهتف به كل فطرة البشر وهو الذي يخافه أعداء أهل البيت عليهم السلام.

إذاً طريق الظهور والتوقيت له بعلاماته الحتمية، ومسؤولياته هي الانتظار والوظيفة العملية للمؤمنين في زمن الغيبة هو السعي لتثقيف البشرية بثقافة السداد والصواب والحق والهداية والنور وذلك بنشر عقائد مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

فهذا هو السبيل الوحيد لتقريب الظهور وتوقيته وهو العلامة الحتمية على ذلك, فإنّ الروايات بيّنت أن ضابط الظهور هو مناصرة غالب المسلمين وموالاتهم لأهل البيت عليهم السلام, فإنّ ذلك هو أرضية الظهور وهي مسؤولية الانتظار.

وليس كما يبيّن بعض الدجّالين والمضلّين بأن يعيثوا في الأرض فساداً في مقابل السداد والتقوى في منهاج أهل البيت عليهم السلام فيذكر بعض المزيّفين والدجّالين أساليب وألاعيب في الدين ويترك كل تعاليم الدين والعبث بالضروريات والسنن بدعوى أنه إذا انتشر الفساد في الأرض فإنّ الإمام يظهر لدفع ذلك.

ولكن من الواضح والجلي جدّاً أن هذا من ألدّ أعداء أهل البيت وأشدّ المعوقين والمانعين للظهور وإقامة دولة الحق وإلاّ فقد بيّنا أن تأويل مغزى الروايات هو أن أغلب الرايات التي تظهر هي مناصرة للإمام عليه السلام وما ذلك إلاّ بمعنى انتشار عقيدة أهل البيت عليهم السلام وكون أغلب البشرية من الموالين والمحبين لهم عليهم السلام.

فلا بدَّ أن تكون الأرضية مؤاتية للظهور ولا تكون كذلك إلاّ بنشر مذهب أهل البيت عليهم السلام لا بنشر الفساد والضلال ومعاداة أهل البيت عليهم السلام.

  • 1. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 11، الصفحة: 250.
  • 2. روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: 427/ ح 416 و417، عن أبي بصير قال: قلت له – الإمام الصادق عليه السلام -: ألهذا الأمر أمد نريح إليه أبداننا وننتهي إليه؟ قال: «بلى، ولكنكم أذعتم فزاد الله فيها». وعن الباقر عليه السلام قال: «إنَّ الله تعالى كان وقّت لهذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع السر، فأخّره الله…».
  • 3. من لا يحضره الفقيه 1: 305/ باب ما يجزي من القول عند زيارة جميع الأئمّة عليهم السلام/ ح 1.
  • 4. بحار الأنوار 67: 287.
  • 5. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 13، الصفحة: 517.
  • 6. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 32، الصفحة: 192.
  • 7. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 33، الصفحة: 192.
  • 8. في كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق في الباب الرابع والعشرين في الحديث السابع والعشرين جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن «خلفائي وأواصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر أوّلهم أخي وآخرهم ولدي»، قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: «علي بن أبي طالب»، قيل: ومن ولدك؟ قال: «المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب».
  • 9. كمال الدين: 287/ باب 25/ ح 6.
  • 10. بحار الأنوار 52: 122.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى