رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنهُ قَالَ: “إِنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ صلوات الله عليه قَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْنِي بِقَرِينِي فِي الْجَنَّةِ وَ نَظِيرِي فِي مَنَازِلِي، فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مَتَّى أَبَا يُونُسَ.
قَالَ فَاسْتَأْذَنَ اللَّهَ فِي زِيَارَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَ سُلَيْمَانُ ابْنُهُ عليهما السلام حَتَّى أَتَيَا مَوْضِعَهُ، فَإِذَا هُمَا بِبَيْتٍ مِنْ سَعَفٍ، فَقِيلَ لَهُمَا هُوَ فِي السُّوقِ، فَسَأَلَا عَنْهُ فَقِيلَ لَهُمَا اطْلُبَاهُ فِي الْحَطَّابِينَ، فَسَأَلَا عَنْهُ فَقَالَ لَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ نَنْتَظِرُهُ الْآنَ حَتَّى يَجِيءَ، فَجَلَسَا يَنْتَظِرَانِهِ إِذْ أَقْبَلَ وَ عَلَى رَأْسِهِ وِقْرٌ مِنْ حَطَبٍ 1، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَأَلْقَى عَنْهُ الْحَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي طَيِّباً بِطَيِّبٍ، فَسَاوَمَهُ وَاحِدٌ وَ زَادَهُ آخَرُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ بَعْضِهِمْ.
قَالَ: فَسَلَّمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ انْطَلِقَا بِنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، وَ اشْتَرَى طَعَاماً بِمَا كَانَ مَعَهُ، ثُمَّ طَحَنَهُ وَ عَجَنَهُ فِي نَقِيرٍ 2 لَهُ، ثُمَّ أَجَّجَ نَاراً وَ أَوْقَدَهَا، ثُمَّ جَعَلَ الْعَجِينَ فِي تِلْكَ النَّارِ وَ جَلَسَ مَعَهُمَا يَتَحَدَّثُ.
ثُمَّ قَالَ: وَ قَدْ نَضِجَتْ خُبَيْزَتُهُ فَوَضَعَهَا فِي النَّقِيرِ، فَلَفَّهَا وَ ذَرَّ عَلَيْهَا مِلْحاً، وَ وَضَعَ إِلَى جَنْبِهِ مِطْهَرَةً 3 مُلِئَ مَاءً، وَ جَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَأَخَذَ لُقْمَهً فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا ازْدَرَدَهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِأُخْرَى وَ أُخْرَى، ثُمَّ أَخَذَ الْمَاءَ فَشَرِبَ مِنْهُ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ، فَلَمَّا وَضَعَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، يَا رَبِّ مَنْ ذَا الَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ وَ أَوْلَيْتَهُ مِثْلَ مَا أَوْلَيْتَنِي، قَدْ صَحَّحْتَ بَصَرِي وَ سَمْعِي وَ بَدَنِي وَ قَوَّيْتَنِي حَتَّى ذَهَبْتُ إِلَى شَجَرٍ لَمْ أَغْرِسْهُ وَ لَمْ أَهْتَمَّ لِحِفْظِهِ جَعَلْتَهُ لِي رِزْقاً، وَ سُقْتَ لِي مَنِ اشْتَرَاهُ مِنِّي فَاشْتَرَيْتُ بِثَمَنِهِ طَعَاماً لَمْ أَزْرَعْهُ، وَ سَخَّرْتَ لِيَ النَّارَ فَأَنْضَجَتْهُ، وَ جَعَلْتَنِي آكُلُهُ بِشَهْوَةٍ أَقْوَى بِهَا عَلَى طَاعَتِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ.
قَالَ: ثُمَّ بَكَى.
فَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ: يَا بُنَيَّ، قُمْ فَانْصَرِفْ بِنَا، فَإِنِّي لَمْ أَرَ عَبْداً قَطُّ أَشْكَرَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمَا” 4.
- 1. أي حِملُ ثقيل من الحطب.
- 2. النَّقِيرُ : ما نُقِر من الحجر و الخشب و نحوهما ، فهو وعاء محفور يستخدم في صنع الطعام و غيره.
- 3. المِطْهَرَة : كلُّ إِناءٍ يُتَطَهَّر منه ، كالإِبريقِ والسَّطلِ و الركوةِ و غيرِها ، لكنه إناء خاص بالماء .
- 4. تنبيه الخواطر و نزهة النواظر (مجموعة ورام): 1 / 18 ، لورّام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، المتوفى سنة: 605 هجرية، الطبعة الأولى، قم/ايران سنة 1410 هجرية.