لا يختصّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمورد من الموارد ، ولا مجال من المجالات ، بل هو شامل لجميع ما جاء به الإسلام من مفاهيم قيم ، فهو شامل للتصورات والمبادئ التي تقوم على أساسها العقيدة الإسلاميّة ، وشامل للموازين والقيم الإسلاميّة التي تحكم العلاقات الانسانيّة ، وشامل للشرائع والقوانين ، وللأوضاع والتقاليد ، وبعبارة اُخرى هو دعوة إلى الإسلام عقيدة ومنهجاً وسلوكاً ؛ بتحويل الشعور الباطني بالعقيدة إلى حركة سلوكيّة واقعيّة ، وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة متفاعلة ومتّصلة مع الأوامر والإرشادات الإسلاميّة ، ومنكمشة ومنفصلة عن مقتضيات النواهي الإسلاميّة.
وقد بيّن الإمام الحسين عليه السلام موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً : « … بدأ الله بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه بأنّها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها هينها وصعبها ؛ وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام ، مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم ، وقسمة الفيء والغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ، ووضعها في حقّها … » (۱).
وقد تجلّت هذه الشموليّة بوصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمعاذ بن جبل حينما ولّاه على أحد البلدان : « يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة ، وانزل الناس منازلهم ـ خيّرهم وشرّهم ـ وانفذ فيهم أمر الله … وأمت أمر الجاهليّة إلّا ما سنّه الإسلام ، واظهر أمر الإسلام كلّه ، صغيره وكبيره ، وليكن أكثر همّك الصلاة فإنّها رأس الإسلام بعد الاقرار بالدين ، وذكّر الناس بالله واليوم الآخر واتبع الموعظة » (۲).
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستتبع جميع مقوّمات الشخصيّة الانسانيّة في الفكر والعاطفة والسلوك ، لتكون منسجمة مع المنهج الإلهي في الحياة ، وتكون هذه المقوّمات متطابقة مع بعضها ، فلا ازدواجيّة بين الفكر والعاطفة ولا بينهما وبين السلوك ، وهي وحدة واحدة يكون فيها الولاء والممارسة العمليّة لله وحده ولمنهج التوحيد الذي دعا إليه في جميع مفاهيمه وقيمه.
الهوامش
۱. مجمع البيان في تفسير القرآن / الطبرسي ١ : ٤٨٣.
۲. تحف العقول / ابن شعبة الحرّاني : ١٦٨.
مقتبس من كتاب : [ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ] / الصفحة : ۱۲ ـ ۱۳