مقالات

آية التبليغ…

قال الله تعالى : ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ *وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ * وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ 1.

موضع الآية في القرآن

السياق القرآني حجة ، إذا ثبت تسلسل الآيات بدليل من داخل القرآن أو خارجه ، أما إذا لم توجد قرينة على الإتصال فيكون السياق مشكوكاً ، ولا يصح ربط الآية بسياقها الفعلي كما في آية التبليغ ، وسبب ذلك أن الصحابة قالوا إنهم وضعوا آيات في السور باجتهادهم فنفوا بذلك توقيفية ترتيب الآيات ! 2 .
وعلى القول بحجية السياق مطلقاً ، فآية التبليغ وسط آيات عن أهل الكتاب فهي تقول للنبي صلى الله عليه و آله : بلغ ولا تخف أهل الكتاب فنحن نعصمك منهم ! لكن هذا التفسير لا يمكن قبوله ، لأن الآية من سورة المائدة وقد نزلت قبل وفاة النبي صلى الله عليه و آله بشهرين ، أي بعد أن بلغ الرسالة وانتصر ، ولم يكن عليه خوف من اليهود والنصارى !
فما هي الرسالة التي أمره الله أن يبلغها ، وجعل تبليغها مساوياً لتبليغ الرسالة كلها ، وعدم تبليغها مساوياً لإبطال تبليغه كله ؟!
وما هي العصمة التي وعده ربه بها ، قبل أن يتوفاه بشهرين ؟!

تفسير الشيعة لآية التبليغ

قال الشيعة إن المأمور بتبليغه في الآية أمرٌ خاصٌّ أوحاه الله الى رسوله صلى الله عليه و آله وأمره بتبليغه ، وهو ولاية علي عليه السلام ، ولا يصح أن يكون كل ما أوحيَ اليه صلى الله عليه و آله ، لأن الآية نزلت في أواخر أيامه صلى الله عليه و آله ، ولأن الله جعله مساوياً لكل عمل نبيه صلى الله عليه و آله في تبليغ الرسالة ، فلا يصح أن يكون معناه : إن لم تبلغ الكل فلم تبلغ الكل !
وكذا العصمة في الآية ، ليست عصمة للنبي صلى الله عليه و آله في العمل ، لأنها موجودة من أول حياته ، والآية في آخرها . بل هي عصمة له صلى الله عليه و آله من الناس أن يتهموه بأنه حابى ابن عمه فأوصى له بخلافته ، وأنه يريد تأسيس ملك لبني هاشم ، فيرتدوا لذلك عن الإسلام .
وأحاديثنا بذلك متواترة ، ففي تفسير العياشي : 1 / 331 ، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : ( أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه و آله أن ينصب علياًّ علماً للناس ويخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3.
وفي الكافي : 1 / 290 ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( فرض الله على العباد خمساً ، أخذوا أربعاً وتركوا واحدة ! قلت : أتسميهن لي جعلت فداك ؟ فقال : الصلاة ، وكان الناس لا يدرون كيف يصلون فنزل جبرئيل فقال : يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم .
ثم نزلت الزكاة فقال : يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم . ثم نزل الصوم فكان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم ، فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال . ثم نزل الحج فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم .
ثم نزلت الولاية . . . وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فقال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله : أمتي حديثو عهد بالجاهلية ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله عز وجل بَتْلَة أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني ! فنزلت : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 3. فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام فقال : أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه ، فأوشك أن أدعى فأجيب ، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ فقالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك ، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين . فقال : اللهم اشهد ، ثلاث مرات . ثم قال : يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب ) .
وفي البحار : 94 / 300 ، أن الإمام الصادق عليه السلام قال لمواليه وشيعته : ( أتعرفون يوماً شيد الله به الإسلام وأظهر به منار الدين ، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا ؟ فقالوا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو يا سيدنا ؟ قال : لا . قالوا : أفيوم الأضحى هو ؟ قال : لا ، وهذان يومان جليلان شريفان ، ويوم منار الدين أشرف منهما وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله لما انصرف من حجة الوداع وصار بغدير خم أمر الله عز وجل جبرئيل أن يهبط على النبي صلى الله عليه و آله وقت قيام الظهر من ذلك اليوم ، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأن ينصبه علماً للناس بعده ، وأن يستخلفه في أمته ، فهبط إليه وقال له : حبيبي محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك : قم في هذا اليوم بولاية علي ليكون علماً لأمتك بعدك يرجعون إليه ويكون لهم كأنت . فقال النبي صلى الله عليه و آله : حبيبي جبرئيل إني أخاف تغير أصحابي لما قد وُتروه ، وأن يبدوا ما يضمرون فيه ، فعرج وما لبث أن هبط بأمر الله فقال له : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فقام رسول الله صلى الله عليه و آله ذَعِراً مرعوباً خائفاً وقدماه تُشْوَيَان من شدة الرمضاء ، وأمر بأن ينظف الموضع ويُقَمَّ ما تحت الدوح من الشوك وغيره ، ففُعل ذلك ، ثم نادى بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون وفيمن اجتمع أبو بكر وعمر وعثمان وسائر المهاجرين والأنصار ، ثم قام خطيباً وذكر الولاية فألزمها للناس جميعاً ، فأعلمهم أمر الله بذلك ) .
كمَّمَ الله أفواه قريش في الغدير ، فعصم رسوله صلى الله عليه و آله منهم !
سمح الله تعالى لقريش بأن تشوش على نبيها صلى الله عليه و آله في حجة الوداع ، وتُفهمه بأنها ستعلن الردة إن أوصى بخلافته لعترته ! وتنفست قريش الصعداء برحيله صلى الله عليه و آله بعد حجة الوداع دون أن يطالبها بالبيعة لعلي عليه السلام !
كما سمح لها أن تقول لنبيها صلى الله عليه و آله في مرض وفاته : لانريد وصيتك ولا عترتك ولا ضمانك لعزتنا وهدايتنا مدى الدهر ، فحسبنا كتاب الله !
لكنه عز وجل قرر أن يبليغها ولاية العترة بعد النبي صلى الله عليه و آله وأن يمنعها من إعلان الردة . هكذا أراد سبحانه !
إن آية العصمة لا تعني أن الله تعالى جعل قريشاً ريِّضةً طائعة ، فقد قال لها الصادق الأمين صلى الله عليه و آله : ( ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا الدين ) 4 .
لكنه سبحانه أراد لتبليغه أن يتم ، وللأمة أن تجري عليها سنن الأمم الماضية فتمتحن بطاعة نبيها بعده ، وهذا يستوجب أن تبقى لها القدرة على معصيته ، أما القدرة على الرِّدة في حياته . . فلا .
لذلك بعث الله جبرئيل عليه السلام في طريق عودة النبي صلى الله عليه و آله من حجة الوداع يأمره أن ينفذ تبليغ رسالته الآن ، وأنه سيعصمه من قريش !
فأوقف النبي صلى الله عليه و آله المسلمين بعد مسير ثلاثة أيام في حر الظهيرة ، في صحراء ليس فيها كلأ لخيولهم وجمالهم ، ولا سوق يشترون منه علوفة وطعاماً ، إلا دوحةٌ من بضع أشجار على قليل من ماء ، ولم يصبر عليهم حتى يصلوا إلى الجحفة التي لم يبق عنها إلا ميلان أو أقل وبعث إلى من تقدم وأرجعهم ! كل ذلك ليصعد المنبر قبل الصلاة ويرفع بيد ابن عمه وصهره علي عليه السلام ويقول لهم : هذا وليكم من بعدي ، ثم من بعده ولداه الحسن والحسين ثم تسعة من ذرية الحسين عليهم السلام .
هنا تجلت آية العصمة وتجسمت للعيان ، فقد كمَّمَ الله تعالى أفواه قريش عن المعارضة وفتحها للموافقة ، فقالوا جميعاً : نشهد أنك بلغت عن ربك وأنك نعم الرسول ، سمعنا وأطعنا ! وتهافتوا مع المهنئين إلى خيمة علي÷يهنئونه ويبخبخون له ، وكبروا مع المكبرين عندما نزلت آية : ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا … ﴾ 5. ثم أصغوا جميعاً إلى قصيدة حسان بن ثابت في وصف نداء النبي صلى الله عليه و آله وإعلانه ولاية علي عليه السلام بعده . واستمرت تهانيهم لعلي عليه السلام من بعد صلاة العصر إلى ما شاء الله ، ثم بعد صلاة المغرب والعشاء على ضوء القمر ليلة التاسع عشر من ذي الحجة ، فقد بات النبي صلى الله عليه و آله في غدير الإمامة ، وتحرك إلى المدينة بعد صلاة فجره ، وقيل بقي يومين !
نعم ، سلب الله تعالى قريشاً القدرة على تخريب مراسم النبي صلى الله عليه و آله في الغدير ، وكفَّ ألسنتها السليطةُ على الأنبياء ؟! فقررت أن تُمَرِّر هذا اليوم لمحمد صلى الله عليه و آله ، ليقول في بني هاشم وعليٍّ ما شاء ؟!

القول السني الصحيح الذي أفلت من رقابة الحكومات !

مع حرص علماء الخلافة على إبعاد الآية عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد أفلتت منهم أحاديث موافقة لرأي لأهل البيت عليهم السلام !
قال في الدر المنثور : 2 / 298 : ( أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3، على رسول الله ( ص ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب . وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله ( ص ) : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3ـ أن علياً مولى المؤمنين ـ ﴿ … وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3) . انتهى .
وفي كتاب المعيار والموازنة / 213 ، عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن العباس الصحابيين قالا : ( أمر الله محمداً ( ص ) أن ينصب علياًً للناس ويخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله ( ص ) أن يقولوا حابى ابن عمه وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3، فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم ) 6 .
قال في الغدير : 1 / 214 : ( وما ذكرناه من المتسالم عليه عند أصحابنا الإمامية غير أنا نحتج في المقام بأحاديث أهل السنة في ذلك . . ثم ذكر رحمه الله ثلاثين مؤلفاً لعلمائهم أوردوا حديث نزول الآية في ولاية علي عليه السلام نذكر ملخصها :
1 ـ الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أخرج بإسناده في كتاب ( الولاية ) في طرق حديث الغدير ، عن زيد بن أرقم قال : لما نزل النبي ( ص ) بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع ، وكان في وقت الضحى وحر شديد ، أمر بالدوحات فقمَّت ونادى الصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال : إن الله تعالى أنزل إلي : ﴿ … بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3.
2 ـ الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي .
3 ـ الحافظ أبو عبد الله المحاملي ، في أماليه عن ابن عباس . . .
4 ـ الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي ، في كتابه ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين ، بالإسناد عن ابن عباس .
5 ـ الحافظ ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري : نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب ، وعن ابن مسعود قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله ( ص ) : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3، أن علياً مولى المؤمنين . . .
6 ـ أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري ، في تفسيره الكشف والبيان . .
7 ـ أبو نعيم الأصبهاني ، في تأليفه : ما نزل من القرآن في علي .
8 ـ أبو الحسن الواحدي النيسابوري ، في أسباب النزول .
9 ـ أبو سعيد السجستاني ، بعدة طرق عن ابن عباس .
10 ـ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، عن ابن عباس ، وجابر .
11 ـ ابن عساكر الشافعي ، عن أبي سعيد الخدري . . .
12 ـ أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية .
13 ـ فخر الدين الرازي الشافعي 7 .
14 ـ أبو سالم النصيبي الشافعي في مطالب السؤول .
15 ـ الحافظ عز الدين الرسعني الموصلي الحنبلي .
16 ـ أبو إسحاق الحمويني ، فرايد السمطين ، بأسانيده .
17 ـ السيد علي الهمداني ، في مودة القربى عن البراء بن عازب قال : ( أقبلت مع رسول الله ( ص ) في حجة الوداع ، فلما كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة فجلس رسول الله تحت شجرة وأخذ بيد علي ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . فقال : ألا من أنا مولاه فعلي مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . وفيه نزلت : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3. الآية .
18 ـ بدر الدين بن العيني الحنفي 8 .

الحسن البصري يكتم حديث النبي صلى الله عليه و آله

قال الرازي في تفسيره : 12 / 48 : ( روي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و آله قال : إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس يكذبوني واليهود والنصارى ، وقريش يخوفوني فلما أنزل الله هذه الآية ، زال الخوف بالكلية ) . انتهى . وقد حرَّف الرازي رواية البصري وزاد فيها ! وأصلها كما في الدر المنثور : 2 / 289 : ( عن الحسن ( البصري ) أن رسول الله ( ص ) قال : إن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً ، وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل :﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3) . انتهى .

فأضاف الرازي ( اليهود والنصارى ) من عنده ليجعل العصمة منهم لا من قريش ، ويُبعد الآية عن ولاية علي عليه السلام ، مع أن الخطر يومها لم يكن من اليهود والنصارى ، بل من قريش خاصة !
وكشف الإمام الباقر عليه السلام تحريف البصري للحديث ، ففي دعائم الإسلام للقاضي المغربي : 1 / 14 ، أن رجلاً قال له : ( يا ابن رسول الله إن الحسن البصري حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال : إن الله أرسلني برسالة فضاق بها صدري وخشيت أن يكذبني الناس فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني ! قال له أبو جعفر عليه السلام : فهل حدثكم بالرسالة ؟قال : لا . قال : أما والله إنه ليعلم ما هي ولكنه كتمها متعمدا ً! قال الرجل : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك وما هي ؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بالصلاة في كتابه فلم يدروا ما الصلاة ولا كيف يصلون ، فأمر الله عز وجل محمداً نبيه صلى الله عليه و آله أن يبين لهم كيف يصلون ، فأخبرهم بكل ما افترض الله عليهم من الصلاة مفسراً . وأمر بالزكاة فلم يدروا ما هي ففسرها رسول الله صلى الله عليه و آله وأعلمهم بما يؤخذ من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والزرع ، ولم يدع شيئاً مما فرض الله من الزكاة إلا فسره لأمته وبينه لهم . وفرض عليهم الصوم فلم يدروا ما الصوم ولا كيف يصومون ففسره لهم رسول الله صلى الله عليه و آله وبين لهم ما يتقون في الصوم وكيف يصومون . وأمر بالحج فأمر الله نبيه صلى الله عليه و آله أن يفسر لهم كيف يحجون حتى أوضح لهم ذلك في سنته . وأمر الله عز وجل بالولاية فقال : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 9. ففرض الله ولاية ولاة الأمر فلم يدروا ما هي فأمر الله نبيه صلى الله عليه و آله أن يفسر لهم ما الولاية مثلما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فلما أتاه ذلك من الله عز وجل ضاق به رسول الله ذرعاً ، وتخوف أن يرتدوا عن دينه وأن يكذبوه ، فضاق صدره وراجع ربه فأوحى إليه : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فصدع بأمر الله وقام بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه يوم غدير خم ، ونادى لذلك الصلاة جامعة وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب . وكانت الفرائض ينزل منها شئ بعد شئ ، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله عز وجل : ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا …﴾ 5. قال أبو جعفر : يقول الله عز وجل : لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة ، قد أكملت لكم هذه الفرائض ) . ونحوه شرح الأخبار : 1 / 101 ، و : 2 / 276 ، بلفظ آخر وفيه : ( جمع الناس بغدير خم فقال : أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني ،أفلستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي وأني مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي عليه السلام فأقامه ورفع يده بيده وقال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فهذا علي وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار . ثم قال أبو جعفر عليه السلام : فوجبت ولاية علي عليه السلام على كل مسلم ومسلمة ) . انتهى .

أتباع ابن تيمية يفقدون أعصابهم عند آية التبليغ

قال الألباني في صحيحته : 5 / 644 : ( كان يحرس حتى نزلت هذه الآية : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فأخرج رسول الله رأسه من القبة فقال لهم : يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله 10 . . الحديث صحيح ، فإن له شاهداً من حديث أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا نزل منزلاً نظروا أعظم شجرة فجعلوها للنبي . . .الخ . أخرجه ابن حبان في صحيحه . . .
واعلم أن الشيعة يزعمون خلافاً للأحاديث المتقدمة أن الآية المذكورة نزلت يوم غدير خم في علي رضي الله عنه ويذكرون في ذلك روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أكثرها ، ومنها عن أبي سعيد الخدري ولا يصح عنه كما حققته في الضعيفة ( 4922 ) والروايات الأخرى أشار إليها عبد الحسين الشيعي في مراجعاته / 38 ، دون أي تحقيق في أسانيدها كما هي عادته في سرد أحاديث كتابه ، لأن غايته حشد كل ما يشهد لمذهبه سواء صح أو لم يصح على قاعدتهم ( الغاية تبرر الوسيلة ) فكن منه ومن رواياته على حذر ! وليس هذا فقط بل هو يدلس على القراء إن لم أقل يكذب عليهم فإنه قال في المكان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنكر بل الباطل : أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام الواحدي ! ووجه كذبه : أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة ، وإنما هو مفسر يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح ، وحديث أبي سعيد هذا مما لم يصح ، فقد أخرجه من طريق فيه متروك شديد الضعف ، كما هو مبين في المكان المشار إليه من الضعيفة . وهذه من عادة الشيعة قديماً وحديثاً أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة عملاً في كتبهم وخطبهم بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية كما صرح بذلك الخميني في كتابه كشف الأسرار ، وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب ! ولذلك قال أعرف الناس بهم شيخ الإسلام ابن تيمية : الشيعة أكذب الطوائف ! وأنا شخصياًّ قد لمست كذبهم لمس اليد في بعض مؤلفيهم وبخاصة عبد الحسين هذا ، والشاهد بين يديك فإنه فوق كذبته المذكورة أوهمَ القراء أن الحديث عند أهل السنة من المسلمات بسكوته عن علته وادعائه كثرة طرقه . وقد كان أصرح منه في الكذب الخميني فإنه صرح في الكتاب المذكور / 149 ، أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن أبي طالب باعتراف أهل السنة واتفاق الشيعة . كذا قال عامله الله بما يستحق ) . انتهى .
نقول للألباني : دع عنك التهم والشتائم وتصنيف من هم أصدق الطوائف وأكذبها ، فنحن لا نقول إن الشيعة كلهم عدول كالصحابة فهذا من الكذب ! لكن نقول إن النواصب أولى بالكذب والزور ، لأنهم كذبوا على أنفسهم فأبغضوا الذين أمرهم الله بحبهم ، وكذبوا على أنفسهم فنصبوا أشخاصاً وشخصيات جعلوا حبهم فريضة بدون سلطان !
وقد اعترفت أنت بظلم ابن تيمية لعلي عليه السلام وكذبه في إنكار حديث الغدير ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) فصححت الحديث واعترفت بالحق مشكوراً ، وكتبت صفحات في ذلك في صحيحتك : 5 / 330 برقم 1750 ، ثم قلت في / 344 : ( إذا عرفت هذا فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته : أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعَّف الشطر الأول من الحديث ، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب ! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها . والله المستعان ) .انتهى . فقد اعترفت أيها الألباني بكذب إمامك على علي عليه السلام ، فكيف تقبل شهادته في اتهام شيعته ؟!
ثم تعال أيها الشيخ الألباني ، لننظر هل صدقت في حكمك على حديث نزول آية : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، في بيعة الغدير ، بأنه باطل منكر ، وقلت عن طرقه : ( مراسيل ومعاضيل أكثرها ) ! فلماذا قلت أكثرها ولم تأت بغير الأكثر الذي استثنيته من الإرسال والإعضال ؟! هل خفت أن يكون صحيحاً ويلزمك بالإيمان برسالة ربك التي أمر نبيه صلى الله عليه و آله أن يبلغها في ولاية علي عليه السلام ؟! وهل رأيت طرق الثعلبي ، وأبي نعيم ، والواحدي ، وأبي سعيد السجستاني ، والحسكاني ، وبحثت أسانيدهم فوجدت في رواتها من لم تعتمد أنت عليهم ؟! كلا ، بل وقعت فيما وصفت به ابن تيمية من التسرع والتعصب ، أي الكذب والتدليس ؟!
على أي لم يَفُتْ الوقت فنرجو أن تتفضل بقراءة ما كتبته في تفسير الآية ، وترى الطرق والأسانيد التي قدمناها وتبحثها على مبانيك التي ذكرتها في كتبك ، بشرط أن لا تتناقض فتضعِّف راوياً هنا لأنه روى فضيلةً لعلي عليه السلام ، ثم توثقه عندما يروي فضيلة لخصوم علي عليه السلام !
أقول : كتبت هذا الموضوع في حياة الشيخ الألباني قبل وفاته بنحو سنتين ، وأرسلته له إلى الأردن ، مع طرق الحديث من شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني تلميذ الحاكم صاحب المستدرك : 1 / 250 ـ 257 ، وهي عدة طرق وفيها الصحيح على مبناه ، ولم يجبني ! ثم ذكرت ذلك لـ ( صديقه ) الحافظ حسن السقاف ، صاحب كتاب ( تناقضات الألباني الواضحات ) فقال إن الألباني لن يجيب ، وله معه تجارب !

أقوال علماء الحكومات في آية التبليغ

وقع علماء الخلافة في مشكلة عويصة ، فهم مضطرون لإبعاد الآية عن ولاية علي عليه السلام ، وإلا فقدوا خلافتهم ومذاهبهم ومناصبهم ، ومآكلهم ومشاربهم ! لكن ماذا يصنعون ؟ فإن قالوا إنها أمر بتبليغ الرسالة وقد نزلت في مكة كذَّبتهم الآية لأنها نزلت في آخر سورة قرب وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، وكان تبليغه للرسالة انتهى أو كاد ! وإن قالوا إن عصمته من الناس تتعلق بحياته ، فلماذا كان يتخذ الحرس من أول بعثته الى آخر عمره الشريف ؟!
مع ذلك فقد تعمدوا وأبعدوها عن ولاية علي عليه السلام ، وليكن ما يكون ! فتخبطوا في تفسيرها في أقوال واضحة التهافت والبطلان !
القول الأول : أنها نزلت في أول البعثة ، وأن النبي صلى الله عليه و آله خاف أن يبلغ رسالة ربه فامتنع أو تباطأ فهدده الله تعالى وطمأنه !
وهذه تهمة مشينة للنبي صلى الله عليه و آله الذي هو أعظم الناس إيماناً وشجاعة ، وحرصاً على تبليغ رسالة ربه ، بنص القرآن ، وبشهادة سيرته .
ولأن الآية وسورتها نزلت قبل شهرين تقريباً من وفاته صلى الله عليه و آله ، ومعنى قولهم أنها نزلت قبل 23 سنة من نزول المائدة !
وقد ذكر الشافعي هذا القول بلفظ : “يقال” 11 ! لكن هذا ” اليُقال ” صار قولاً معتمداً عن علماء كبار ، لأنهم لم يجدوا وجهاً غيره يبعد الآية عن يوم الغدير وولاية علي عليه السلام ، وهم مضطرون الى ذلك ولو بالكذب على النبي صلى الله عليه و آله ( والإتكال على الله ) !
روى السيوطي في الدر المنثور : 2 / 298 والواحدي في أسباب النزول : 1 / 139و438 عن ابن جريج قال : ( كان النبي ( ص ) يهاب قريشاً فأنزل الله : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فاستلقى ثم قال : من شاء فليخذلني . مرتين أو ثلاثاً . وعن مجاهد قال : لما نزلت : ﴿ … بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ … ﴾ 3، قال : يا رب إنما أنا واحدٌ كيف أصنع يجتمع علي الناس ؟! فنزلت : ﴿ … وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ … ﴾ 3) ! 12 .
وأكثر المخلطين في هذا القول ابن كثير ! فقد جعل الآية في أول البعثة وخلطها بآية : ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 13، وبتر حديث الدار الوارد في تفسيرها وحذف منه أن الله أمر نبيه صلى الله عليه و آله أن يختار خليفته ووصيه من عشيرته الأقربين ، ثم أورد حديثاً مكذوباًً وفسره بأن النبي صلى الله عليه و آله كان يخاف أن يقتله القرشيون فطلب من بني هاشم شخصاً يكون خليفته في أهله ليقضي دينه ، فقبل ذلك علي عليه السلام ، ثم انتفت الحاجة إليه بنزول آية العصمة من الناس ! قال في النهاية : 3 / 53 ، والسيرة : 1 / 460 : ( قال عليٌّ : لما نزلت هذه الآية : ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 13، قال لي رسول الله : إصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبناً وادع لي بني هاشم ، فدعوتهم وإنهم يومئذ لأربعون غير رجل . . . الى أن قال : أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي ؟ قال فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله . . . قلت : أنا يا رسول الله ! قال : أنت . ومعنى قوله في هذا الحديث : من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يعني إذا مت ، وكأنه ( ص ) خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله ويقضي عنه ، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3) . انتهى .
وقد تجاهل ابن كثير أن روايته تنسب الجبن الى النبي صلى الله عليه و آله حتى في المرحلة الأولى التي كان مأموراً فيها بدعوة عشيرته الأقربين فقط !
القول الثاني : أنها نزلت في مكة قبل الهجرة ، فاستغنى النبي صلى الله عليه و آله عن حراسة عمه أبي طالب أو عمه العباس! وهذا القول هو المشهور في مصادرهم ، وبعض رواياته نصت على نزولها في مكة ، وبعضها لم تنص كرواية عائشة لكن البيهقي والسيوطي وغيرهما فسروها بذلك . روى في الدر المنثور : 2 / 298 ، عن ابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس قال : ( سئل رسول الله ( ص ) : أي آية أنزلت من السماء أشد عليك ؟ فقال : كنت بمنى أيام الموسم واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم فنزل علي جبريل فقال : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، قال : فقمت عند العقبة فناديت : يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة ؟ أيها الناس قولوا لاإله إلا الله وأنا رسول الله إليكم ، تنجوا ولكم الجنة . قال فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة ويبصقون في وجهي ويقولون كذاب صابئ ، فعرض عليَّ عارض فقال : يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك ، فقال النبي : اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون ، وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك ، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه . قال الأعمش : فبذلك تفتخر بنو العباس . . . وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله قال : كان رسول الله ( ص ) إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه ، حتى نزلت : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فذهب ليبعث معه فقال : يا عم إن الله قد عصمني لاحاجة لي إلى من تبعث ) ! 14 .
أما رواية عائشة فرواها الترمذي : 4 / 317 : ( قالت : كان النبي يُحرس حتى نزلت هذه الآية : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فأخرج رسول الله ( ص ) رأسه من القبة فقال لهم : يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله ) 15 . وقال البيهقي في سننه : 9 / 8 : ( قال الشافعي : يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغهم ما أنزل إليك ، فبلغ ما أمر به فاستهزأ به قومه فنزل : ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ 16) .
وفي الدر المنثور : 2 / 291 ، و298 : ( وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : كان العباس عم النبي فيمن يحرسه فلما نزلت : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، ترك رسول الله الحرس . وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي ذر قال : كان رسول الله لاينام إلا ونحن حوله من مخافة الغوائل حتى نزلت آية العصمة ) 17 .
ويدل على بطلان هذا القول : أن الآية في سورة المائدة نزلت قبيل وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، ولا يصح ربطها بالحراسة ، وعمدة أدلتهم على ذلك رواية القبة عن عائشة ، لكنها تدل على إلغائه الحراسة في المدينة ، والترمذي لم يصححها ، وضعف سندها سعيد بن منصور : 4 / 1503 .
ورواية حراسة العباس للنبي صلى الله عليه و آله ضعفها الهيثمي . وغيرهما ليس مسنداً .
لكن مهما صحت رواياتهم فالواقع يكذبها ، لأن المجمع عليه في سيرته صلى الله عليه و آله أنه كان يطلب من قبائل العرب أن تحميه وتمنعه من القتل لكي يبلغ رسالة ربه ، وقد بايعه الأنصار بيعة العقبة على أن يحموه ويحموا أهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم ، فلو كانت آية العصمة نزلت في مكة وكان معناها كما زعموا ، لما احتاج إلى ذلك !
كما أن غرض هذا القول تقليل دور أبي طالب رحمه الله في نصرة النبي صلى الله عليه و آله وإثبات دور مميز للعباس في حمايته ، مع أن دوره كان عادياً كبقية بني هاشم الذين لم يسلموا ولم يهاجروا !
القول الثالث : أنها نزلت في المدينة ، فألغى النبي صلى الله عليه و آله حراسته !
ورووا فيه أحاديث ، منها حديث القبة المتقدم عن عائشة . وفي الدر المنثور : 2 / 298 : ( أخرج الطبراني وابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال : كنا نحرس رسول الله ( ص ) بالليل حتى نزلت : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فترك الحرس . وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ … ﴾ 3. . . قال رسول الله : لاتحرسوني إن ربي قد عصمني . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق : كان يعتقبه ناس من أصحابه فلما نزلت : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فخرج فقال : يا أيها الناس إلحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني من الناس . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله ما زال يحارسه أصحابه حتى أنزل الله : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، فترك الحرس حين أخبره أنه سيعصمه من الناس ) 18 .

ويدل على بطلان هذا القول ، وكل الأقوال التي ربطت نزول آية التبليغ بالحراسة ، أنها نزلت في سورة المائدة بعد الوقت الذي زعموه مضافاً الى أن حراسته صلى الله عليه و آله استمرت الى آخر عمره الشريف كما يأتي !
القول الرابع : أنها نزلت في المدينة في السنة الثانية ، بعد أحُد !
في الدر المنثور : 2 / 291 : ( أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله ( ص ) فقال : يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليَّ . فقال رسول الله لعبد الله بن أبي : أبا حباب أرأيت الذي نفستَ به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه ! قال : إذن أقبل ، فأنزل الله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ … ﴾ 19. . إلى أن بلغ إلى قوله : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾3) . انتهى .

وقصدهم أن آية التبليغ نزلت في سياق النهي عن تولي اليهود ، فيكون موضوعها النهي عن ولايتهم ، وليس وجوب ولاية علي عليه السلام .
ويكفي لبطلان هذا القول ، أنه من كلام عطية بن سعد ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه و آله . وهو لا يفسر : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، مضافاً إلى عدم صحة نزول الآيات في سورة المائدة في قصة ولاء ابن سلول لليهود ، الذي توفي قبل نزول سورة المائدة بنحو سنتين ! 20 .

القول الخامس : أنها نزلت أثر محاولة شخص اغتيال النبي صلى الله عليه و آله ، وتناقضت روايتهم في ذلك ، فقال بعضها إن الحادثة كانت في غزوة بني أنمار المعروفة بذات الرقاع ، وإن شخصاً جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله وطلب منه أن يعطيه سيفه ليراه ، فأعطاه النبي صلى الله عليه و آله إياه بكل سهولة ! أو كان علقه وغفل عنه ، أو دلى رجليه في البئر وغفل عنه . . . إلخ . !
قال السيوطي في الدر المنثور : 2 / 298 : ( وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال : لما غزا رسول الله ( ص ) بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل ، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه ! فقال غورث بن الحرث : لأقتلن محمداً ، فقال له أصحابه : كيف تقتله ؟ قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به ! فأتاه فقال : يا محمد أعطني سيفك أشِمْهُ ، فأعطاه إياه فرعدت يده ، فقال رسول الله : حال الله بينك وبين ما تريد ، فأنزل الله : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3. . الآية . وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : كان رسول الله ( ص ) إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها ، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني ؟ قال : الله ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه فأنزل الله : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3.

وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كنا إذا صحبنا رسول الله في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها . .الخ . ) .
ومما يدل على بطلان هذا القول ، أن غزوة ذات الرقاع كانت في السنة الرابعة من الهجرة 21 أي قبل نزول سورة المائدة بسنوات ، وبعض روايات قصة غورث بلا تاريخ ، وبعضها غير معقول!
على أن نزولها في قصة غورث معارض برواية مصادرهم المعتمدة ، ففي سيرة ابن هشام : 3 / 227 ، أن الآية التي نزلت في قصة غورث قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ … ﴾ 22، وهذا لايصح لأن هذه الآية من سورة المائدة أيضاً ! كما روى بخاري وغيره تشريع صلاة الخوف في غزوة الرقاع ، وتشديد الحراسة على النبي صلى الله عليه و آله حتى في الصلاة ، وهو كافٍ لرد نزول آية العصمة فيها ! قال في صحيحه : 5 / 53 : ( عن جابر قال : كنا مع النبي ( ص ) بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي معلق بالشجرة ، فاخترطه فقال له : تخافني ؟ فقال لا . قال فمن يمنعك مني ؟ قال الله . فتهدده أصحاب النبي ( ص ) وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين . . إسم الرجل غورث بن الحرث ) . ونحوه الحاكم : 3 / 29 ، على شرط الشيخين ، وفيه أن النبي صلى الله عليه و آله صلى بعد الحادثة صلاة الخوف بحراسة مشددة ! وروى أحمد قصة غورث : 3 / 364 و 390 و 4 / 59 ، وفيها صلاة الخوف وليس فيها نزول الآية ! ومجمع الزوائد : 9 / 8 ، بتفصيل وليس فيها نزول الآية !

ملاحظات على تفسيرهم للآية

1 ـ مع أن أصحاب الصحاح والسنن المعتمدة عندهم حريصون على رد مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويعرفون أنهم يستدلون بآية التبليغ على مذهبهم ، لكنهم لم يرووا أي رواية صحيحة في رد مذهبنا ! مع أن بخاري عقد للآية في صحيحه بابين : في : 5 / 88 ، والثاني في : 8 / 9 ، وتعرض للآية في : 6 / 50 ، و : 8 / 210 ، وكذا مسلم : 1 / 110 . وبذلك بقيت روايات الشيعة وما وافقها من روايات السنة بلا معارض من صحاحهم !
2 ـ شملت رواياتهم في نزول الآية كل مدة بعثة النبي صلى الله عليه و آله وهجرته ما عدا حجة الوداع ! فاستثناؤهم تلك الفترة وحدها ، يوجب الشك في تعمدهم الهروب من سبب نزول الآية !
3 ـ سبب نزول الآية في مصادرنا واحدٌ ، بتاريخ واحد ، على نحو الجزم واليقين ، وفي مصادرهم أسبابٌ متعددة ، بتواريخ متناقضة ، وهم منها في شكٍّ وحيرة .
4 ـ رووا في سبب نزول الآية ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، والسبب المجمع على روايته أقوى وأحق بالإتباع من المختلف فيه .
5 ـ طعنوا برسول الله صلى الله عليه و آله وكذبوا عليه في تفسير الآية ! فقد رأيت أحاديثهم المكذوبة ونسبته اليه صلى الله عليه و آله أفعالاً لم يفعلها ! مضافاً الى طعنهم في شخصيته صلى الله عليه و آله وأنه خاف فلم يبلغ رسالة ربه حتى طمأنه وضمن له أنه لا يقتل ! بل يدل كلامهم على أن النبي صلى الله عليه و آله لم يثق بوعد ربه ، فاتخذ الحرس طوال حياته ! وتمادى ابن حجر في الطعن بالنبي صلى الله عليه و آله فقد قال القرطبي إن صلى الله عليه و آله كان وحده في قصة غورث بدون حراسة فتكون الآية نزلت قبلها ! فأجابه ابن حجر : بل نزلت يومذاك فألغى الحرس ، أما قبلها فكان يضعف إيمانه فيتخذ الحرس ، ويقوى إيمانه فيلغيه ! وفي قصة غورث كان إيمانه قوياً فكان بلا حراسة !
قال في فتح الباري : 6 / 71 : ( قال القرطبي : هذا يدل على أنه ( ص ) كان في هذا الوقت لا يحرسه أحدٌ من الناس ، بخلاف ما كان عليه في أول الأمر فإنه كان يحرس حتى نزل قوله تعالى : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3. قلت . . . عن أبي هريرة قال : كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي صلى الله عليه و آله أعظم شجرة وأظلها ، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ قال : الله ، فأنزل الله : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3، وهذا إسناد حسن ، فيحتمل إن كان محفوظاً أن يقال : كان مخيراً في اتخاذ الحرس فتركه مرةً لقوة يقينه ،فلما وقعت هذه القصة ونزلت هذه الآية ترك ذلك ) !انتهى .

فاعجب لابن حجر كيف أغمض عينيه عن أن غزوة الرقاع سنة أربع ونزول الآية في سورة المائدة سنة عشر ، وراويها أبو هريرة جاء إلى المدينة سنة سبع ، ويزعم أنه كان في غزوة الرقاع ونزلت الآية فيها ! فكيف يكون إسناده حسناً !
إن كل هذا التعسف لأن ابن حجر يريد ربط الآية بالحراسة لإبعادها عن بيعة الغدير ! لكنه أشار على خوف من علماء السلطة الى أنه يشك في أصل الموضوع بقوله : ( إن كان محفوظاً ) ، ومعناه أنه يشك في أصل تفسيرهم للعصمة بالحفظ من القتل !
هذا ، وقد روى الكليني رحمه الله : 8 / 127 ،عن الإمام الصادق عليه السلام قصة غورث وفيها معجزة نبوية وليس فيها نزول آية التبليغ ،قال : ( نزل رسول الله صلى الله عليه و آله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد ، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه ، فرآه رجل من المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل ، فقال رجل من المشركين لقومه : أنا أقتل محمداً ، فجاء وشد على رسول الله صلى الله عليه و آله بالسيف ثم قال : من ينجيك مني يا محمد ؟ فقال : ربي وربك فنسفه جبرئيل عن فرسه فسقط على ظهره فقام رسول الله صلى الله عليه و آله وأخذ السيف وجلس على صدره وقال : من ينجيك مني يا غورث ؟ فقال : جودك وكرمك يا محمد ! فتركه ، فقام وهو يقول : والله لأنت خير مني وأكرم ) .انتهى .
6 ـ لا علاقة للعصمة في الآية بالقتل والحراسة ! فلا شك أن الله تعالى كان يحرس نبيه صلى الله عليه و آله بألطافه الخاصة ، كما رأيت في قصة غورث ، وفي مواجهة قريش واليهود وعملهم المستميت لقتله منذ بعثته وحتى وفاته صلى الله عليه و آله ، لكنه مع ذلك كان مأموراً باستعمال الأسباب الطبيعية ، فطلب الحماية من الناس ، واتخذ الحراسة في مكة والمدينة الى آخر عمره الشريف ، ولم يُلغ الحراسة كما زعموا .
والعصمة في الآية هي العصمة من ارتداد الناس إن هو أعلن ولاية علي والعترة عليهم السلام ، وأن ينكروا نبوته ويقولوا إنه يريد تأسيس ملك لبني هاشم كملك كسرى وقيصر ! وكل ما قاله علماء الخلافة لإثبات أن العصمة في الآية عصمة من القتل وأن النبي صلى الله عليه و آله ترك الحراسة بعدها ، كذبٌ محض ، لإبعاد الآية عن ولاية علي عليه السلام ! فهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه و آله كان يطلب من قبائل العرب أن تحميه من القتل الذي يراد به حتى يبلغ رسالة ربه ، وأن حراسته كانت في مكة ، ثم في المدينة ، واستمرت إلى آخر حياته صلى الله عليه و آله ! قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 36 : ( وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم ، ويكلم شريف كل قوم ، لايسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول : لا أكره أحداً منكم إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي ، فلم يقبله أحد ، وكانوا يقولون : قوم الرجل أعلم به ) !
وفي سيرة ابن هشام : 2 / 23 : ( يقف على منازل القبائل من العرب فيقول . .وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به ) . والطبري : 2 / 83 ، وابن كثير : 2 / 155 واستمر على ذلك إلى آخر عهده في مكة ، وطلب البيعة من الأنصار على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون أنفسهم وأهليهم .
قال ابن هشام : 2 / 38 : ( فتكلم رسول الله ( ص ) فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم )23 .
وقد عقد المحدثون فصولاً لحراسته صلى الله عليه و آله وأسماء حراسه وقصصهم .
قال صاحب عيون الأثر : 2 / 402 : ( وحرسه يوم بدر حين نام في العريش : سعد بن معاذ ويوم أحد : محمد بن مسلمة ، ويوم الخندق : الزبير بن العوام . وحرسه ليلة بنى بصفية : أبو أيوب الأنصاري بخيبر . . .وحرسه بوادي القرى : بلال وسعد بن أبي وقاص وذكوان بن عبد قيس . وكان على حرسه ( مسؤولاً ) عباد بن بشر ) . وروى بخاري في فتح مكة : 5 / 91 : ( خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله . . . فرآهم ناس من حرس رسول الله فأدركوهم فأخذوهم ) . وروى أحمد : 2 / 222 ، حديثاً موثقاً أن أصحابه صلى الله عليه و آله كانوا يحرسونه في غزوة تبوك ، أي في أواخر عمره الشريف !
ويضاف إلى ذلك أسطوانة الحرس التي ما زالت في المسجد النبوي بهذا الإسم ، منذ عام الوفود في السنة التاسعة 24 !
فهل ينكرها المخالفون ليبعدوا الآية عن ولاية علي عليه السلام ؟! وهل تثنيهم الأدلة عن ذلك لأنهم أشربوا الإعراض عن علي عليه السلام ؟!
7 ـ خلاصة معنى الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ … ﴾ 3: ناداه باسمه المناسب لمهمته ، يقول له إنما أنت رسولٌ مبلغ ، ولست مسؤولاً عن النتيجة .

﴿ … بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3: وأمرك به جبرئيل في علي عليه السلام ، وحاولت تبليغه في حجة الوداع فشوش عليك المنافقون . ولم يقل بلغ ما سوف ينزل اليك لأنه أنزله ، ولم يبينه له لأنه بينه والنبي صلى الله عليه و آله يعرفه وكان يتحين الفرصة المناسبة أو التمهيد المناسب ، فأمره الله أن يبلغه الآن . فالماضي ( أُنزل ) هنا حقيقي على أصله ، ولا قرينة تصرفه الى المستقبل .
ولا يصح أن يكون تم تبليغه وإلا لما صح قوله : ﴿ … وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ … ﴾ 3، ولا أن يكون كل الرسالة لأنه يكون بلا معنى كقولك : يا فلان بلغ رسائلي كلها ، فإنك إن لم تفعل لم تبلغ رسائلي !

﴿ … أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3: لأنه أمر من شؤون الربوبية والإدارة .
﴿ … وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ … ﴾ 3: لأن ما آمرك بتبليغه مكملٌ لرسالتك وضامنٌ لكل تبليغك ، فولاية عترتك من بعدك ليست أمراً شخصياً كما يظنها المنافقون ، بل جزءٌ لا يتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة ، وإذا انتفى الجزء انتفى الكل ، وبدونها تبقى الرسالة ناقصة والناقص لا اعتبار به ، ورسالتك كالصرح حَجَرُهُ الأخير هو الأساسه كحجره الأول .
﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3: من أن يطعن القرشيون في نبوتك بسبب هذا التبليغ الثقيل عليهم ، ويتهموك بأنك حابيت أسرتك واستخلفت عترتك ، فسوف نمنعهم من أن يرفضوا نبوتك ، وسيظهرون لك الطاعة ويبايعون علياً وتمر المسألة بسلام ، ﴿ … إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ … ﴾ 25، فأتم الحجة لربك ، ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ … ﴾ 26، ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ 27.

فخوف النبي صلى الله عليه و آله إنما كان على الإسلام من أن ترتد عنه قريش وليس على نفسه ، وعصمته التي ضمنها الله تعالى هي حفظ نبوته عند قريش وليست عصمةً من القتل أو الجرح أو الأذى ، لذلك لم تتغير حراسته صلى الله عليه و آله بعدها ، ولا المخاطر والأذايا التي كان يواجهها بل زادت .
وقال الفخر الرازي : 12 / 50 : ( واعلم أن المراد من الناس هاهنا الكفار بدليل قوله تعالى : ﴿ … وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ … ﴾ 3. . .لا يمكنُّهم مما يريدون ) .

ثم ذكر الرازي رواية عائشة في إلغاء النبي صلى الله عليه و آله الحراسة ! وكلامه لا يصح ، لأن عائشة تقصد تاريخاً قبل سورة المائدة ، ولأن لفظ الناس مطلق ولا قرينة على حصره بالكفار ، وخطر المنافقين عند نزول الآية على النبي صلى الله عليه و آله كان أشد من خطر غيرهم .
﴿ … إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 3: الذين يظلمون عترتك من بعدك ، ويبدلون نعمة الله كفراً ، ويظلمون بذلك الأمة ويقودونها الى الصراع على الحكم ويسببون انهيارها ، الى أن يبعث الله المهدي من ولدك ! فالذين يطعنون في النبي صلى الله عليه و آله ويتهمونه بأنه ينطق عن الهوى ويحابي عترته ، هم كما قال عمار بن ياسر رحمه الله : ( ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر ، فلما وجدوا عليه أتباعاً أظهروه ) ! 28 فلا يستحقون أن يهديهم الله ! لذلك ضمن إسكاتهم حتى يبلغ رسوله رسالته ويتم الحجة عليهم ! وقد وفى الله لرسوله صلى الله عليه و آله بما وعد ، فأعلن النبي صلى الله عليه و آله يوم الغدير خلافة علي والعترة عليهم السلام بصراحة ، وأمرهم أن يهنؤوه بتولية الله عليهم ، ففعلوا على كره ، ولم يطعن أحد منهم في نبوته صلى الله عليه و آله ! لكنهم عند وفاته صلى الله عليه و آله أقصوا علياً والعترة ، وفعلوا ما فعلوا !
والنتيجة : أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه و آله أن يطلب الحماية من الناس لتبليغ رسالته ، على سنته عز وجل في أنبيائه عليهم السلام ، فحصل عليها من الأنصار ، وكان يحمي نفسه بالحراسة . وقد نصره الله وهزم أعداءه المشركين واليهود ، وشملت دولته الجزيرة العربية الى أكراف الشام واليمن والبحرين وساحل الخليج . وصار جيشه يهدد الروم في الشام فلسطين ، وها هو صلى الله عليه و آله في السنة العاشرة يودع المسلمين ويتلقى آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس ! فما عدا مما بدا ، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ ! وصار النبي صلى الله عليه و آله الآن وهو قائد الدولة القوية بحاجة إلى حماية وعصمة من الناس ؟! إنها ليست الحماية المادية ، فقد وفرها الله له بالأسباب الطبيعية وألطافه على أحسن وجه .
لكن تبليغه صلى الله عليه و آله لرسالة ربه في عترته عليهم السلام يحتاج الى حماية من قريش لأنها عنيفة في حب السلطة وشرسة من أجلها ! فمصدر الخطر على ترتيب النبي صلى الله عليه و آله لخلافته كان محصوراً في قريش وحدها لا غير ! فلا قبائل العرب ولا اليهود ولا النصارى ، يستطيعون التدخل في هذا الأمر الداخلي وإعطاء الرأي فيه ، فضلاً عن عرقلة تبليغه أو تنفيذه !
وكأن النبي صلى الله عليه و آله كان آيساً من إمكانية تنفيذ الموضوع ، فهو يعرف طبيعة قريش وتعقيدها النفسي وإغراقها في المادية والمراوغة ، كقبائل اليهود الماديين المعقدين ، الذين عانى منهم موسى والأنبياء عليهم السلام ! لذلك أمره الله أن يتم عليهم الحجة ، وطمأنه بعصمته من ارتدادهم 29 .

  • 1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآيات: 64 – 71، الصفحة: 118.
  • 2. راجع كتاب ألف سؤال وإشكال : 1 / 303 .
  • 3. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. l. m. n. o. p. q. r. s. t. u. v. w. x. y. z. . . . . . . . . . . . . . . القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 67، الصفحة: 119.
  • 4. أبو داود : 1 / 611 .
  • 5. a. b. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
  • 6. والحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل : 1 / 157 ، بأسانيد ، وتاريخ دمشق : 2 / 85 ، والميزان : 6 / 54 ، عن تفسير الثعلبي .
  • 7. في تفسيره الكبير : 3 / 636 .
  • 8. في عمدة القاري في شرح البخاري : 8 / 584 .
  • 9. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
  • 10. أخرجه الترمذي : 2 / 175 ، وابن جرير : 6 / 199 ، والحاكم : 2 / 3 .
  • 11. الأم : 1 / 168 .
  • 12. والطبري : 6 / 198 . والوسيط : 2 / 208 ، عن الأنباري : ( كان النبي يجاهر ببعض القرآن أيام كان بمكة ويخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من شر المشركين إليه وإلى أصحابه ) وقال في الكشاف : 1 / 659 ، والوسيط : 2 / 208 : إن الآية وعدٌ بالعصمة من القتل!
  • 13. a. b. القران الكريم: سورة الشعراء (26)، الآية: 214، الصفحة: 376.
  • 14. والطبراني الكبير : 11 / 205 ، والزوائد : 7 / 17 .
  • 15. والحاكم : 2 / 313 .
  • 16. القران الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 94 و 95، الصفحة: 267.
  • 17. وأخذ بهذا القول : السهيلي في الروض الأنف : 2 / 290 ، والقسطلاني في إرشاد الساري : 5 / 86 ، وابن العربي في شرح الترمذي : 6 جزء11 / 174 . والعيني في عمدة القاري : 14 / 95 وابن جزي في التسهيل : 1 / 244 ، والنويري في نهاية الأرب : 16 / 196 ، والنيسابوري في الوسيط : 2 / 209 ، والدميري في حياة الحيوان : 1 / 79 . والزمخشري : 1 / 659 ، والفخر الرازي : 6 جزء 12 / 50 ، مع أنهما قالا غير ذلك كما تقدم ! وأخذ به صاحب السيرة الحلبية : 3 / 327 ، واغتنم الآية لإثبات فضيلة لأبي بكر فناقض نفسه ! قال : ( سعد بن معاذ حرسه ليلة يوم بدر ، وفي ذلك اليوم لم يحرسه إلا أبو بكر شاهراً سيفه حين نام بالعريش ) .
  • 18. وتاريخ المدينة : 1 / 301 ، عن ابن شقيق والقرظي ، والطبري : 6 / 199 ، عن ابن شقيق . والطبقات : 1 / 113 ، والبيهقي في دلائل النبوة : 2 / 180 .
  • 19. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 51، الصفحة: 117.
  • 20. تاريخ الطبري : 2 / 381 .
  • 21. سيرة ابن هشام : 3 / 225 .
  • 22. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 11، الصفحة: 109.
  • 23. والطبري : 2 / 92 ، وأحمد : 3 / 461 وأسد الغابة : 1 / 174 ، وابن كثير : 2 / 198 . . الخ .
  • 24. ابن هشام : 4 / 214 .
  • 25. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 48، الصفحة: 488.
  • 26. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 256، الصفحة: 42.
  • 27. القران الكريم: سورة الغاشية (88)، الآية: 25 و 26، الصفحة: 592.
  • 28. مجمع الزوائد : 1 / 113 .
  • 29. تفسير آيات الغدير الثلاث ، الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز المصطفى للدراسات الإسلامية برعاية المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني ، الناشر : دار الهدى ـ قم ، الطبعة الأولى ، سنة 1427 ، ص 45 ـ 6 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى