قال حاطب بن أبي بلتعة: لما بعثني النبي ( صلى الله عليه و آله ) إلى المقوقس ملك الإسكندريّة بكتابه، أتيته و أبلغته الرسالة، فضحك ثم قال: كتب إليّ صاحبك يسألني أن أتّبعه على دينه، فما يمنعه إن كان نبيا أن يدعو اللّه فيسلّط علىّ البحر فيغرقني فيكتفي مؤنتي، و يأخذ ملكي؟
قلت: ما منع عيسى ( عليه السَّلام ) إذ أخذته اليهود فربطوه في حبل، و حلقوا وسط رأسه، و جعلوا عليه إكليلا من شوك، و حملوا خشبته التي صلبوه عليها على عاتقه، ثم أخرجوه و هو يبكي حتى نصبوه على الخشبة، ثم طعنوه حيّا بحربة حتى مات ـ على زعمكم ـ فما منعه أن يدعو اللّه فينجيه و يهلكهم، و يكتفي مؤنتهم، و يظهر هو و أصحابه عليهم؟
و ما منع يحيى بن زكريّا حين سألت امرأة الملكِ الملكَ أن يقتله فقتله و بعث برأسه إليها حتى وضع بين يديها أن يسأل اللّه أن يحميه و يهلكهم؟
فأقبل على جلسائه و قال: و اللّه إنه لحكيم، و ما تخرج الحكم إلّا من عند الحكماء 1 .
- 1. نهاية الأرب في فنون الأدب: 8/ 170.