مقالات

محاسبة النفس…

ضبابية التقييم، أو التقييم الخاطئ قد يوصل الانسان الى الهاوية و الهلاك، و إن عدم معرفتنا لرصيدنا و منزلتنا الحقيقية عند الله قد يوقعنا في أخطاء كبيرة، أما لو كان تقييمنا لحالتنا تقييماً صحيحاً و واقعياً و دقيقاً لكان الأمر أقل صعوبة حتى لو كان الرصيد ضعيفاً أو مخجلاً، و لَكُنَّا أكثر توفيقاً في معالجة الضعف و المشاكل و الأزمات.

البصيرة امان من الخسارة

وجود الرؤية الواضحة المطابقة للواقع بفعل المحاسبة و التقييم الصحيح تُنمِّي البصيرة في الانسان، و تُعين الانسان على تصحيح الأخطاء و إيقاف الخسارة قبل فوات الفرصة، ذلك لأن التقييم غير الواقعي قد يوجب الخسران، و يُفوِّت علينا فرصة معالجة الامور قبل فوات الوقت، حيث لا فائدة في معرفة الخسارة بعد الإنتقال الى عالم البرزخ و الآخرة، إذ لا مجال لتصحيح الأخطاء المرتكبة.
قال الله عزَّ وَ جلَّ: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 1 .
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ” حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَعْمَالِهَا، وَ طَالِبُوهَا بِأَدَاءِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهَا وَ الْأَخْذِ مِنْ فَنَائِهَا لِبَقَائِهَا، وَ تَزَوَّدُوا وَ تَأَهَّبُوا قَبْلَ‏ أَنْ‏ تُبْعَثُوا” 2 .

محاسبة النفس الة التقييم الصحيح

للحصول على التقييم الصحيح و الدقيق لابد لنا من أن نحاسب أنفسنا بصورة مستمرة حتى نقف على العيوب فنصلحها و لا ندعها تزداد و تتراكم.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “… إِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ‏ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي وَ الضَّلَالَ” 3.
و قال عليه السلام أيضاً: “مَنْ‏ حَاسَبَ‏ نَفْسَهُ وَقَفَ عَلَى عُيُوبِهِ وَ أَحَاطَ بِذُنُوبِهِ وَ اسْتَقَالَ مِنَ الذُّنُوبِ وَ أَصْلَحَ الْعُيُوبَ” 4 .
و قال عليه السلام أيضاً: “مَنْ‏ حَاسَبَ‏ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ، وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ، وَ مَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ، وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ‏” 5.
فكم من إنسان قد أخطأ الطريق فسلك طريقاً لم يوصله إلاَّ الى الخسران.
قَالَ الإمامُ جَعْفَر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) : ” الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ لَا تَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْدا ” 6.

  • 1. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 103 و 104، الصفحة: 304.
  • 2. غُرَرُ الحِكَم و دُرَرُ الكَلِم : 352 ، حديث رقم : ( 8150 ) ، لعبد الواحد بن محمد التميمي الآمدي ، المولود سنة : 510 هجرية ، و المتوفى سنة : 550 هجرية ، طبعة : مؤسسة الإعلام التابعة للحوزة العلمية بقم / إيران ، سنة : 1366 شمسية .
  • 3. نهج البلاغة : 213 ، طبعة صبحي الصالح.
  • 4. عيون الحكم و المواعظ : 435 ، لأبي الحسن علي بن محمد الليثي الواسطي، من أعلام الإمامية في القرن السادس الهجري، طبعة دار الحديث، سنة 1376 هجرية شمسية، قم / ايران.
  • 5. نهج البلاغة: 506.
  • 6. تحف العقول : لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من فقهاء القرن الرابع الهجري / باب ما روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى