بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة عل أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.
وبعد: فإنّ العديد من كتب التراث ـ ولأسباب مختلفة ـ قد نسبت إلى غير مؤلفيها الحقيقيّين، عن عمد تارة، وعن غير عمد اُخرى…
وكمثال على ذلك نشير في هذه العجالة، إلى الكتب الثلاثة التالية:
١ ـ الكنز المدفون في الفلك المشحون
لقد طبع الكتاب في القاهرة سنة ١٣٧٦ هـ. ١٩٥٦ م، في مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده…
ونسب إلى المؤلف المكثر المعروف: جلال الدين عبدالرحمان السيوطي.
ولكن الظاهر هو أنّ نسبته إليه لاتصح، إذ:
أ ـ قد جاء في ص ٢٠٩ من نفس هذا الكتاب قوله:
«اجتمعت بالأخ في الله ناصر الدين بن الميلق، بالقدس، في ثالث عشرين من شعبان، سنة سبع و ستين وسبعمائة، ووقع بيننا مذاكرة» إلى آخره.
و واضح: أنّ السيوطي قد ولد في سنة ٨٤٩ هـ، وتوفّي في سنة ٩١١ هـ، أي أنّ ولادته قد كانت بعد تاريخ هذا الاجتماع بين المؤلف و بين ابن الميلق بحوالي اثنين و ثمانين سنة، فكيف يمكن أن يكون السيوطي هو مؤلف هذا الكتاب؟!
ب ـ وقال في ص ٣٢٣:
«أنشدني أبوالعباس، أحمد بن عبدالمعطي، نفع الله به لنفسه بالمسجد الحرام، في شهر ذي القعدة، سنة أربع وستين وسبعمائة، فقال:
كم أقطع العمر في قيل وفي قالِ *** وكم اُزيّن أقوالي و أفعالي
…. الى آخره»
والكلام فيه كالكلام في سابقة.
وتكون النتيجة هي: أنّ هذا الكتاب قد اُلّف قبل ولادة السيوطي بعشرات السنين… .
٢ ـ سرّ العالمين
طبع هذا الكتاب في إيران، وفي الهند، وفي مصر، ثم في النجف الأشرف في العراق…
ونسب إلى أبي حامد، محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المولود سنة ٤٥٠ هـ، والمتوفى سنة ٥٠٥ هـ.
وقد نسبه إليه «في تذكرة خواص الامة، وتاج العروس، والإتحاف في شرح الاحياء، فراجعه». 1
وإن كانت عبارة «تذكرة الخواص» التي ذكرها كاتب مقدّمة كتاب «سرّ العالمين» ليس فيها دلالة على ذلك… 2
ونسبه إلى الغزالي أيضاً: القاضي نورالله التستري في «مجالس المؤمنين»، والشيخ علي بن عبدالعالي الكركي ـ فيما نقل عنه ـ، والمولى محسن الفيض الكاشي صاحب «الوافي» والطريحي في «مجمع البحرين»، زاعمين أنّه تشيّع في آخر عمره. 2
ولكنّنا بدورنا نشكّ في صحة نسبة هذا الكتاب إلى الغزالي، إذ:
١ ـ قد قال في نفس هذا الكتاب، في ص ١٤٢:
«أنشد المعرّي لنفسه، وأنا شابّ في صحبة يوسف بن علي شيخ الإسلام.
أنا صائم طول الحياة وإنما *** فطري الحمام ويوم ذاك أعيد
لو فزت… إلى آخره
من المعلوم: أن المعرّي قد توفّي سنة ٤٤٩ هـ، والغزالي إنّما ولد في سنة ٤٥٠ هـ، فلم يكن شاباً في حياة المعرّي ليسمعه، وهو ينشد لنفسه ذلك…
٢ ـ أضف إلى ذلك: أنّه يقول وهو يعدّ علماء الآخرة «والقفّال، وأبو الطيّب، وأبو حامد، واُستاذنا إمام الحرمين أبوالمعالي الجويني». 3
فإنّ المقصود بأبي حامد هو الغزالي نفسه، وليس من المألوف أن يذكر مؤلف الكتاب نفسه في موارد كهذه، وباُسلوب كهذا «وأبو حامد، واُستاذنا…. إلىٰ آخره» فهذا قرينة على أنّ مؤلف الكتاب رجل آخر…
إلّا أن يقال: إنّ ثمّة خطأ من النسّاخ، وأنّ الصحيح هو: ابن حامد ويكون المقصود: الحسن بن حامد، إمام الحنابلة في زمانه.. وما أكثر ما يتّفق للنسّاخ تصحيفات من هذا القبيل..
٣ ـ وبعد… فإنّنا نلاحظ: أنّ مؤلّف هذا الکتاب نسب لنفسه کتباً کثرة لم نجدها في قائمة كتب الغزالي، وذلك مثل:
١ ـ السلسبيل لأبناء السبيل، ذكره في ص ٣٤ / ٣٥ و ٣٨ و ٥٨ و ٦٨.
٢ ـ قواصم الباطنية، ص ٥٨.
٣ ـ الإشراف في مسائل الخلاف، ص ٨٧.
٤ ـ المنتخل في علم الجدل، ص ٨٧.
٥ ـ نهاية الغور في مسائل الدور، ص ٨٩.
٦ ـ عين الحياة، ص ١٠٢ و ١٠٤ في موضعين، و ١٠٦ و ١١٠.
٧ ـ معايب المذاهب، ص ١٨١
٨ ـ نسيم التسنيم، ص ١٨٣.
٩ ـ خزانة سرّ الهدى، والأمد الأقصى إلى سدرة المنتهى، ص ١٨٩ و ١٨٨.
١٠ ـ نجاة الأبرار، ص ١٨٨.
ولعلّ المتتبّع في الكتاب يعثر على أسماء مؤلفات اُخرى لايجدها في قائمة مؤلفات الغزالي..
هذا كلّه… عدا عمّا يظهر في الكتاب من هنات، ولاسيما ما فيه من الخلط وعدم الإنسجام، فليلاحظ ذلك…
٣ ـ المعيار والموازنة
لقد طبع هذا الكتاب في بيروت على مايظهر سنة ١٤٠٢ هـ. ١٩٨١ م ونسب إلى أبي جعفر الإسكافي، محمد بن عبدالله المعتزلي، المتوفّي سنة ٢٤٠ هـ.
ولكن الظاهر ـ حسبما أشار إليه بعض المحقّقين ـ هو: أن نسبة هذا الكتاب إليه لاتصح، وأنه أبا جعفر الإسكافي لم يؤلف كتابا بهذا الإسم.
والكتاب على مايظهر إنّما هو لـ «ابن الإسكافي»، قال ابن النديم: «وهو أبوالقاسم جعفر بن محمد الإسكافي، وكان كاتباً بليغاً، وردّ اليه المعتصم أحد دواوينه، وتجاوز كثيراً من الكتاب، وله من الكتب كتاب: المعيار والموازنة في الإمامة». 4
وقد ذكر محقق الكتاب حفظه الله العبارة الآنفة الذكر حول أبي القاسم بعد أن ذكر ترجمة أبي جعفر مباشرة… فيظهر أنّه تخيّل الرجلين واحداً، مع أنّ الأول اسمه: أبو جعفر محمد بن عبدالله، والثاني اسمه: أبوالقاسم، جعفر بن محمد بن عبدالله…
ويظهر: أنّ الثاني كان ابن الأول، ولذا يقال له: ابن الإسكافي… ولاسيما إذا لاحظنا: أنّ الأول اسمه محمد وكنيته أبو جعفر، واسم الثاني جعفر، واسم أبيه محمد…
وأخيراً… فقد ذكر النجاشي في جملة كتب الفضل بن شاذان كتاب: المعيار والموازنة 5 فراجع 6.