نص الشبهة:
ينقل عن الكليني رواية مفادها كراهية لبس السواد، باستثناء ثلاثة أشياء: الخف والعمامة والكساء، ثمّ يقول بعد صفحة ونصف من ذلك: لماذا يلبس الشيعة اللّباس الأسود إذن؟ ولماذا جعلوا اللّون الأسود مختصّاً بالسادة؟
الجواب:
عجباً، يريد جامع هذه الأسئلة أن يبيّن عقائد الشيعة في حين نجده قد تطرق إلى الأعمال والسلوكيّات إلى أن وصل إلى المكروهات، ولنفرض أنّ لبس الأسود مكروه، فهل ارتكاب المكروه حرام؟ فكم من مورد يكون فيه ارتكاب المكروه راجحاً.
وإليك توضيح الأمر فنقول:
إنّ الروايات الناهية عن لبس السواد (رغم أنّها لم تحرّمه بل قالت بكراهته فقط) ناظرة إلى منَ يختار السواد لباساً دائماً له، وليست ناظرة إلى من يرتديه بشكل مؤقّت وفي بعض الأحيان، مثل أيّام الحزن والمصيبة، فاللباس المخصّص لأيّام العزاء يكون فقط في تلك الأيّام، وعندما تنقضي يرجع الناس إلى ثيابهم المعتادة.
والحقيقة أنّ اتّخاذ اللّباس الأسود كعلامة على الحزن والمصيبة ليس أمراً مختصّاً بالشيعة، بل هو أمر يشترك فيه كثير من الأُمم والشعوب المتقدّمة، كما جاء ذلك في دائرة المعارف للبستاني. وقد جاءت في الأدب العربي أشعار كثيرة تدلّ على أنّ لبس السواد أيّام الحزن والمصيبة كان أمراً مشهوراً ومعروفاً بين الناس، بحيث صار تقليداً عالميّاً، وهناك شواهد تاريخيّة كثيرة على ذلك، فإذا كان الشيعة يلبسون الملابس السوداء في أيّام العزاء فإنّهم بذلك يتّبعون تقليداً عالميّاً لم ينهَ عنه الإسلام.
وخلاصة الكلام: أنّ الشيعة ليسوا من هواة لبس السواد الدائم، بحيث يكون 300 مليون شيعي في العالم كلّهم يلبسون السواد بشكل دائم ومستمرّ، نعم هم يلبسون السواد في أيّام محدودة وأوقات معيّنة وهي أيّام شهادة أهل البيت (عليهم السلام) حزناً عليهم وعملاً بقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «شيعتنا من شاركنا في فرحنا وحزننا» 1.
وإلى يومنا هذا وفي جُلّ أنحاء العالم، إنّ لبس السواد هو مظهر من مظاهر الحزن والعزاء، وهو أمرٌ ليس له علاقة بالدِّين والشريعة، بل هو من العادات والتقاليد الخاصّة بالأُمم والشعوب، وأسفنا هنا على جامع الأسئلة الذي لا يفرّق بين ما هو من العادات والتقاليد وبين ما هو من العبادات و الشرايع!
أمّا الجواب عن الشقّ الثاني من السؤال، فإنّه يجدر التذكير أنّ بعض السادة يلبسون عمامة سوداء، وقد استثنيت العمامة السوداء في الروايات، الّتي نقل هو واحدة منها في متن سؤاله 2.