مقالات

قاعدة الحسم لمادَّة الفساد

المسألة:

قال الفقهاء: إنه يحرم ولا تصح التجارة بالآلات الحرام التي يكون المقصود منها غالباً الحرام، ويحرم عملها وأخذ الأجرة عليها ثم يقولون: إنه يجب إعدامها أو تغيير هيئته .. ظاهر كلمات بعضهم أنَّ وجوب إعدامها وإتلافها راجع إلى حسم مادة الفساد .. فهل هذه قاعدة كلِّيَّة يمكن تطبيقها على كلِّ آلةٍ من الآلات اللهويَّة والقمارية وغيرها حتى لو كانت فيها منافع أُخر غير محرَّمة؟ وما هو الدليلُ على هذه الكبرى؟

الجواب:

قاعدةُ الحسم لمادَّة الفساد جاريةٌ في كلَّ موردٍ يجيءُ منه الفساد محضًا أو تكونُ المنفعةُ الناشئة عن وجوده غير منظورةٍ ولا معتدٍّ بها، وحسمُ كلِّ فسادِ بحسبِه، وفيما يرتبط بمورد السؤال فإنَّ كلَّ آلةٍ يتمحَّضُ الإنتفاعُ منها بالحرام فإنَّ الواجب هو إتلافُها، والمقصودُ من إتلافِها هو إعدام صورتِها إنْ كان لمادَّتِها منفعةٌ محلَّلةٌ ومقصودة كالصليب المتَّخذ من الذهب أو الفضَّة فإنَّ الواجب هو إتلافُ هيئته وذلك لأنَّ لمادَّته منفعةً محلَّلة ومقصودة، وأمَّا إذا لم يكن لمادَّته منفعة محلَّلة ومقصودة فإنَّ إتلاف هيئته مساوقٌ لإتلاف مادَّته.

ويُمكن الإستنئناس للقاعدة المذكورة بما ورد من تصدَّي النبيِّ الكريم(ص) وعليًّ (ع) لتكسير الأصنام عند فتح مكة، وكذلك ما ورد عن النبيِّ (ص) من الأمر بإراقة الخمر بعد أنْ نزل تحريمُها في القرآن.

فمن ذلك ما رُوي عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: ﴿ … إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ … ﴾ 1 قال: فلمَّا نزل تحريمُها خرج رسولُ الله (ص) فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأَكفَّها كلَّها وقال: هذه كلُّها خمر حرَّمها الله.. 2″.

وكذلك ما ورد عن أبي عبدالله (ع) قال: ” قال أميرُ المؤمنين (ع) بعثني رسولُ الله (ص) إلى المدينة فقال: لا تدعْ صورةً إلا محوتَها ولا قبرًا إلا سويَّته ولا كلبًا إلا قتلته 3″.

والظاهر أنَّ المراد من الصور هو صور الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله تعالى. وكذلك يمكن أنْ يُستنأنس للقاعدة بما ورد من الأمر بإتلاف الدراهم المغشوشة حتى لا يُباع بها.

فمن ذلك ما ورد عن المفضَّل بن عمر قال: ” كنتُ عند أبي عبدالله (ع) فألقيَ بين يديه دراهم فألقى إليَّ درهمًا منها فقال: ايش هذا، فقلتُ ستوق، فقال وما الستوق فقلتُ: طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة فقال (ع): اكسرها فإنَّه لا يحُّل بيع هذا ولا إنفاقه 4″.

فالظاهرُ من هذه الموارد أنَّ الإتلاف أو الأمر به نشأ عن أنَّها من الموارد التي يجيءُ منها الفساد محضًا وأنَّ ما يكون كذلك يجب قطعُ الوجود عنه درءًا للفساد الناشئ عن وجوده.

وكيف كان فالدليلُ على تماميَّة القاعدة هو أنَّ ثمة منكراتٍ عُلم من الشارع عدم الرضا بوجودها في الخارج بنحو البتِّ وعلى أيَّ حال، فهذه الموارد يجب سدُّ باب وجودها تحقيقًا للإرادة المولويَّة التشريعة، وعليه فمقتضى ذلك أنَّه لو اتَّفق وجود شيءٍ من تلك المنكرات فإنَّ اللازم شرعًا هو إزالته وقطع الطريق عن استمراره وكذلك لو وُجد ما يُفضي حتمًا لوجود ذلك المنكر فإنَّ مقتضى إباء الشارع عن وقوعه هو قطعُ الطريق على إيجاده، وهذا هو معنى حسم ماَّدة الفساد.

نعم هذه القاعدة إنَّما تجرى إذا لم يترتَّب على إجرائها الوقوع في مفسدةٍ أعظم وذلك لقاعدة التزاحم.

والحمد لله ربِّ العالمين. 5

  • 1. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 90، الصفحة: 123.
  • 2. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج25 ص281.
  • 3. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج3 ص209.
  • 4. وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج18 ص186.
  • 5. المصدر : موقع سماحة الشيخ محمد صنقور حفظه الله.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى