السيد محمد بحر العلوم
مرقد اراده الله ان يكون جنته في الأرض وبقعة من بقاعه التي عظمها، مرقد توارى فيه جثمان نفس الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله علي بن ابي طالب عليه السلام.
بمرور الأعوام طرأت على المرقد الطاهر لأمير المؤمنين عليه السلام كثير من التغييرات وتعرض لكثير من الاحداث وللوقوف على اهم تلك التغييرات اعتمدنا المادة التاريخية الخاصة بالمخطوطة التي اعدها السيد محمد صادق بحر العلوم(قدس سره) عن تاريخ اعمار العتبة العلوية المقدسة..
اعلم ان اول من عمر(1) المرقد المطهر الغروي (صفوان الجمال)(2), بأمر الصادق(عليه السلام) بنى عليه محراباً(3)، وذلك لما جاء المنصور، ثم من بعده هارون الرشيد فانه حجر عليه وبنى عليه قبة، وذلك لما روى ان (عبد الله بن حازم(4) قال: خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا الى ناحية (الغريين)(5) و(الثوية)(6) فرأينا ظباء، فأرسلنا عليها الصقورة والكلاب فجاولتها(7) ساعة، ثم لجئت الظباء الى أكَمَة(8) مذ سقطت عليها، سقطت الطيور عنها ناحية، وتراجعت الكلاب منها، فتعجب الرشيد من ذلك، ثم ان الظباء هبطت من الاكمة، فهبطت الصقورة والكلاب عليها، فرجعت الظباء الى الأكَمَة فتراجعت الطيور والكلاب عنها مرة ثانية وثالثة فقال الرشيد اركضوا الى الكوفة وأتوني بأكبرها سَّناً، وفي رواية فأتوني بمن رأيتموه، فأتيناه بشيخ من بني اسد فقال له (هارون): اخبرني ما هذه الاكمة قال له: ان اعطيتني الامان اخبرتك، قال: لك الامان ولا اهيجك بسوء ولا اوذيك، قال له: حدثني أبي عن ابيه عن آبائه انهم كانوا يقولون ان هذه الاكمة قبر علي بن ابي طالب (عليه السلام) جعله الله امنا حرما، لا يأوي اليه احد إلا آمن، فنزل هارون الرشيد ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الاكمة وتمرَّغَ عليها وجعل يبكي ويدعو ثم انصرف.
قال محمد بن عايشة(9): روي هذا الخبر فكأنّ قلبي لم يقبل ذلك، فلما كان بعد ذلك حججت الى مكة فرأيت بها(ياسر جمّال الرشيد) فكان يجلس معنا اذا طفنا فجرى الحديث، الى ان قال: قال لي الرشيد ليلة من الليالي: وقد قدمنا من مكة فنزلنا الكوفة، يا ياسر قل: لعيسى ابن جعفر فليركب.
فركبا جميعا فركبت معهما، حتى اذا صرنا الى الغريين، فاما عيسى فطرح نفسه، فنام، واما الرشيد فجاء الى الاكمة، وصلى عندها، وكلما صلى ركعتين دعا وبكى وتضرع وتمرغ على الاكمة، ثم يقول: يا ابن عم انا والله اعرف فضلك وسابقتك، وبك والله جلست مجلسي الذي انا فيه وانت، ولكن ولدك يؤذونني ويخرجون عليّ، ثم يقوم ويصلي ويعيد هذا الكلام ويدعو ويبكي حتى اذا كان وقت السحر قال لي: يا ياسر اقم (عيسى) فاقمته.
فقال: يا عيسى قم فصل ركعتين عند قبر ابن عمك، قال له: واي بني عمومتي هذا، قال: هذا قبر علي بن ابي طالب(عليه السلام) فتوضأ عيسى فقام يصلي، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر فقلت: يا امير المؤمنين ادركك الصبح فركبنا ورجعنا الى الكوفة(10).
وجاء في رواية اخرى ان الرشيد قال لياسر بعد سنة: يا ياسر تذكر ليلة الغريين قلت نعم قال أتدري قبر من ذاك قلت لا، قال: قبر علي بن ابي طالب(عليه السلام)، فقال له ياسر: تفعل هذا بقبره وتحبس اولاده، فقال: ويلك انهم يؤذونني ويحوجوني الى ما افعل بهم، انظر من في الحبس منهم، فاحصينا من في الحبس منهم (ببغداد) و(الرقة) فكانوا مقدار خمسين رجلا فقال: ادفع الى كل رجل منهم ألف درهم وثلاثة اثواب، واطلق من في الحبوس منهم، قال: ياسر: ففعلت ذلك فما لي عند الله حسنة اكثر منها، وفي رواية اخرى ثم ان هارون امر فبني عليه قبة واخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله وذكر ابن طاووس في فرحة الغري قال: وفيما ذكر (ابن طحال)(11) ان الرشيد بني عليه بنيانا بأجر ابيض اصغر من هذا الضريح اليوم من كل جانب بذراع، ولما كشفنا الضريح الشريف وجدناه مبنيا عليه تربة وجصا، وأمرَ الرشيد ان يبني عليه قبة فبنيت من طين احمر وطرح على رأسها جرة خضراء وهي في الخزانة الى اليوم انتهى(12).. وفي رواية المجلسي رحمه الله انه امر ان يبني عليه قبة بأربعة ابواب فبني(13).
1. ربما كان يقصد الاصلاح اذ يشير السيد ابن طاووس الى هذ المعنى: اخرج محمد المشهدي ,عن صفوان الجمال, قال: (لما وافيت مع جعفر الصادق(عليه السلام) الكوفة نريد ابو جعفر المنصور , قال لي: يا صفوان انخ الراحلة فهذا حرم جدي امير المؤمنين (عليه السلام) فانختها.. قلت: يا سيدي: تاذن لي ان اخبر اصحابنا من اهل الكوفة به, فقال: نعم , واعطاني دراهم واصلحت القبر. فرحة الغري ,79.
وفي الرواية المقدمة دلالة على سنة المعصوم عليه السلام في ا عمار العتبات المقدسة.
2. صفوان الجمال: صفوان بن مهران بن المغيرة الاسدي الجمال ,كوفي ,ثقة , كان يسكن بني حرام بالكوفة، روى عن ابي عبد الله ,له كتاب . ظ: النجاشي، الرجال، 198، الطوسي، الفهرست 147، الرجال 227، ابن شهر اشوب، معالم العلماء، 94، الخوئي، معجم رجال الحديث، 10/482.
3. في بعض المصادر تشير الى ان صفوان بنى دكة. محمد حسين حرز الدين, تاريخ النجف الأشرف ,1/364
4. عبد الله بن حازم: جاء ذكره في احداث خلافة المهدي والرشيد والامين فقد كان على شرطة المهدي سنة 167هـ وعزله 169هـ . ظ: الطبري، التاريخ، 8/164.
5. الغريين: الغريان، بناءان طويلان يقال هما قبر مالك وعقيل نديمي جذيمة الأبرش أحد ملوك الحيرة وقال معن بن زائدة:
لو كان شيء له ان لا يبد على
طول الزمان لما باد الغريان.
القلقشندي: نهاية الإرب في فنون الأدب: 1/374
6. موضع بين الكوفة والنجف ويحدد قرب مرقد (كميل بن زياد النخعي) . الحموي، معجم البلدان، 2/78.
7. جاولتها: طاردتها
8. الاكمة: التل، ابن منظور، لسان العرب: 15/132.
9. محمد بن عائشة: ابو عبد الرحمن بن محمد بن حفص الحبشي المعروف بابن عائشة لانه من ولد عائشة بنت طلحة توفي في شهر رمضان 228هـ .ظ: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 10/315، السمعاني، الانساب، 9/106، الذهبي، ميزان الاعتدال، 3/55، ابن حجر، لسان الميزان، 5/268.
10. ظ: ابن طاووس، فرحة الغري،119، الراوندي الخرائج والجرائح، 1/234، الثقفي الدلائل البرهانية،(ضمن كتاب الغارات)، الغارات: 2/862، المفيد، الارشاد، 1/25، ابن طاووس، فرحة الغري: 269، العلامة الحلي، المستجاد من الارشاد، 28، المجلسي، بحار الانوار، 97/252، الحر العاملي، اثبات الهداة، 4/547،ح 196.
11. ابن طحال: الحسن بن الحسين ال الطحال المقدادي احد سدنة الحرم العلوي الشريف للأعوام 575،584، 587.
ظ: ابن طاووس، فرحة الغري، 273، الافندي، رياض العلماء: 2/29، جعفر محبوبه، ماضي النجف وحاضرها،2/425.
12.ابن طاووس، فرحة الغري، 274.
13. المجلسي، بحار الانوار، 97/253.
نشرت في الولاية العدد 94