بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريا بركات
١٣ أكتوبر ٢٠٢٤
تارةً يكون السؤال عن الاحتياج إلى النص الديني وضرورته؛ بمعنى أنَّ وجوده ضروريٌّ لتكميل الهداية وبدونه لا يتحقق الاهتداء البالغ حدَّ الضرورة واللزوم، وهذا مستوى من البحث حول النص الديني. وتارةً أُخرى يكون السؤال عن وجود النصِّ الديني ـ بالفعل ـ ودلالته، وهذا مستوى آخر من البحث حول النصِّ الديني.
مثال ذلك أن يُقال: إنَّ تعيين الإمام الهادي لا بُدَّ أن يكون بالنصِّ عليه من قبل نبيٍّ أو إمام سابق؛ وذلك لاشتراط صفات في الإمام الهادي لا يمكن معرفتها ـ بشكل قطعي ـ إلَّا من خلال النصِّ عليه. وهذا هو المستوى الأوَّل من البحث حول النص، وفيه نقول بضرورة النص؛ أي بلزوم وجود نص يُعرِّف الإمام ويُعيِّنه.
ثمَّ يأتي بعد ذلك دورُ البحث الثاني بالتنقيب عن الدليل أو الأدلَّة التي تمثِّل النصوص المعرِّفة والمعيِّنة للإمام.
وبقليل من التدبُّر في علاقة البحثين بعضهما ببعض؛ نجد أنَّ المستوى الأوَّل من البحث متقدِّم رُتبة على البحث الثاني من وجهة نظر منطقية؛ لأنَّ البحث عن ضرورة الوجود متقدِّم رُتبةً عن بحث الوجود والفحص والتنقيب عن الوجود وما يقتضيه ويستتبعه من أحكام.
كما نجد أنَّ ثبوت (ضرورة وجود النصِّ) يشكِّل ـ في حدِّ ذاته ـ علامةَ صدقٍ لمدَّعي النصِّ، وعلامةَ كِذْبٍ لمنكره، وعلامةَ خللٍ لدى غير العارف به.
بتطبيق ذلك على بحث الإمامة؛ نجد أنَّ العقل والنصوص يدلَّان على أنَّ الأئمَّة بعد النبي (ص) يتَّصفون بالعصمة وبوراثة العلم عن النبي (ص) ، ونظراً إلى أنَّ العصمة والعلم ـ بهذا المعنى ـ لا يمكن اكتشافهما بظاهر حال الإنسان، تثبت ضرورة وجود النصِّ الدال على الأئمَّة والمعرِّف لهم. وهذا هو المستوى الأوَّل من البحث.
وفي المستوى الثاني من البحث نتساءل عن الأدلَّة والنصوص المعرِّفة للأئمَّة، والتي تقتضيها الضرورة الثابتة في المستوى الأوَّل من البحث؛ فنجد المسلمين على ثلاث فرق:
1 ـ فرقةٍ يقولون إن النصوص عندهم.
2 ـ وفرقةٍ يقولون إنَّهم لا علم لهم بهذه النصوص.
3 ـ وفرقةٍ يكذِّبون الفرقة الأولى، ويزعمون أنَّ النصوص مختلقة، وينفون الاحتياج إلى النصوص.
فيكون ثبوت ضرورة النصِّ علامةً فارقة ومبيِّنة لأهل الحق من غيرهم؛ لأنه شاهدٌ على صدق الفرقة الأولى، وشاهدٌ على وجود خلل عند الثانية، وشاهدٌ على كذب الفرقة الثالثة.
والجهلُ بـ (ضرورة النصِّ الدينيِّ) قد يؤدِّي إلى ظهور من يقول إنَّ بعض الأئمَّة يُعرفون بالنصِّ، وبعضهم بغير نصِّ..! وهذا بسبب توهُّم صاحبِ هذا القول أنَّ وجودَ النصِّ اعتباطيٌّ، ولو فهم أنَّ وجود النصِّ قائمٌ على الضرورة لفهم أنَّه لا مجال للقول بانتفاء النصِّ في بعض الأئمَّة.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.