مقالات

شيعة مصر…

لم تكن قضية الشيعة تشغل الساحة الإسلامية كثيرا في مصر ولم تكن الشيعة مطروحة كمذهب منافس لمذهب السنة الذي سيطر عليه الخط الوهابي في فترة السبعينات.

فقد كان ما يشغل الساحة الإسلامية في تلك الفترة ثلاثة:

  1. الصوفية
  2. تيار التكفير
  3. الحكومة

حتى أنه لم يكن أحد في الوسط الإسلامي يسمع بجماعة التقريب أو جمعية آل البيت أو يطلع على أي من الكتب الشيعية التي صدرت بمصر في تلك الفترة و هي كثيرة 1.

لقد كانت التيارات الإسلامية منشغلة ببعضها. الإخوان منشغلون بالجهاد والتكفير والسلفيين. والجهاد والسلفيين منشغل بالتكفير. و هذه التيارات جميعا منشغلة بالحكومة. و منشغلة أيضا عدا الإخوان – بالصوفية 2.

وبالنسبة للإسلام الرسمي لم يكن يظهر أي بادرة عداء تجاه الشيعة و كانت العلاقات وطيدة بين الأزهر ووزارة الأوقاف و بين هيئات وعلماء شيعة من إيران والعراق ولبنان.
إلا أنه وبمجرد قيام الثورة الإسلامية في إيران تغيرت الأمور وتغير الاتجاه الإسلامي من تأييد الثورة و مناصرتها في البداية إلى الكفر بها ومعاداتها مع قيام الحرب العراقية الايرانية.

كيف تغيرت الامور من تأييد الثورة الاسلامية في ايران الى الكفر بها ؟

إن القوى المتربصة بالإسلام و قد أفجعها ما حدث في إيران ركزت أبصارها على مصر واعتبرتها الدولة التالية المؤهلة للحاق بإيران على طريق الإسلام فمن ثم سعت إلى تنفيذ مخططها الخبيث الذي يرمي إلى عزل مصر عن إيران والقضاء على تأثير الثورة الإسلامية على الحركة الإسلامية فيها. و قد اعتمدت في تنفيذ مخططها هذا على ثلاثة ركائز:

الأولى: استغلال الخط الوهابي الذي تشبعت به الحركة الإسلامية والذي يكن عداءا شديدا للشيعة واستغلال قلة الوعي السياسي والخبرة لدى التيارات العاملة في محيط الحركة.

الثانية: تفجير الخلافات القديمة بين السنة و الشيعة ونشر الشائعات التي تهدم عقائد الشيعة وتشكك المسلمين فيها و في الثورة الإسلامية.

الثالثة: تحريض الحكم على إيران ودفعه إلى دعم التيارات المعادية لها في مصر إعلاميا وسياسيا وفتح الباب إمام المد المسعودي الوهابي ليشكل سدا منيعا يحول بين المسلمين و بين التأثر بالشيعة و إيران 3.

والحق إن هذا المخطط قد تم تنفيذه بدقة ونجح في تحقيق أغراضه في الوقيعة بين الحركة الإسلامية والثورة الإسلامية. ودفع بالحركة إلى الصف المعادي لها.
وأستطيع أن أجزم أن هذا المخطط لم يكن لينجح لو كانت الحركة الإسلامية متسلحة بالوعي السياسي والخبرة اللازمة ومتحررة من الأطر السلفية العمياء التي فرضها عليها الخط الوهابي فهذه هي نقطة الضعف في جسم الحركة التي تمكن أعداء الإسلام من اختراقها واستغلالها في إضفاء المشروعية على موقفها المعادي للثورة.
لقد طوقت الساحة الإسلامية في مصر بحرب إعلامية عاتية شرسة حيث صبت حمم غضبها على الشيعة وإيران واستخدمت فيها كل الوسائل الاعلامية من مقابل وكتاب وخطب ومؤتمرات و تم شراء الكثير من الكتاب والصحفيين والدعاة والرموز الإسلامية البارزة في الوسط الإسلامي ودور النشر والصحف الإسلامية.
و لم ينج من هذه الفتنة سوى عدد قليل من الدعاة أصحاب البصيرة أما البقية فقد غرقوا في موجات النفي المتتابعة و التي كانت تتدفق على الساحة الإسلامية من السعودية والعراق اللتان كانتا تذكيان نار الفتنة وتأججان نارها.
و كانت سفارة السعودية وسفارة العراق في القاهرة تنفقان بغير حساب من أجل تشوية الشيعة وإيران و الإمام الخميني. و كانت الحكومة ترقب هذا الوضع وتعمل على دعمه.

قادة المواجهة

كان الدور الأجنبي واضح في حملة العداء ضد الشيعة بينما كانت الأدوات المصرية التي تقود المواجهة لها دوافعها الذاتية التي لا تخرج عن دوافع أربعة:

الأول: الدافع العقائدي وهو محرك التيار السلفي الوهابي الذي يواجه الشيعة من خلال موقف عدائي نابع من قناعته بضلالها و أنحرافها. ونابع من إيمانه بضرورة جهادها والحيلولة دون انتشار عقائدها (الفاسدة) بين المسلمين.
وهو بهذه الصورة يصبح لديه القابلية للصدام مع الشيعة بصورة تلقائية بوصفها عدوا يشكل خطرا على معتقداته. من هنا وبمجرد إعلان الحرب على الشيعة في مصر تزعم هذا التيار هذه الحرب على الفور و كان له الدور الأكبر في تحريض الاسلاميين عليها ودفعهم إلى الكفر بها.
وهذا التيار بمثل أغلب اتجاهات المكتبات ودور النشر المصرية التي أسهمت في نشر معظم الكتب المعادية للشيعة طوال فترة الثمانينات 4.

الثاني: الدافع المصلحي وهو محرك تيار الإخوان الذي كان من المتعاطفين مع الثورة في بدايتها ثم انقلب على الشيعة وإيران بسبب ضغوط سعودية وبسبب ضغوط من الحكومة المصرية وتيار الإخوان الدولي الذي كان يثير الشبهات حول علاقة إيران بسوريا التي اضطهدت جماعة الإخوان. وحتى لا تسخر الجماعة السعودية وحتى لا تصطدم بالحكومة المصرية أو تصطدم الحكومة بها وحسما للخلافات التي وقعت بين تيارات الإخوان حول الموقف من إيران انحاز تيار الإخوان المصري إلى الجبهة المعادية للشيعة وإيران لصالح الجماعة و من أجل الحافظ على وجودها ومستقبلها 5.

الثالث: الدافع الشخصي وهو محرك الأقلام والكتاب والصحفيين من شتى الاتجاهات إسلامية وعلمانية والذين شنوا حربهم على الشيعة وإيران على سبيل الاسترزاق.

الرابع: الدافع السياسي وهو محرك الحكومة التي تحالفت مع السعودية ومع العراق ضد إيران وحفاظا على ولائها الامريكي الصهيوني. وهو أيضا محرك الأزهر الذي يسير في ركاب الحكومة ويتبع سياستها حتى و لو كانت تخالف مبادئ الإسلام الذي يدعي تمثيله 6.
والمراقب للحرب التي شنت على الشيعة في مصر يبهره حجمها وأدواتها والامكانيات التي سخرت لها و التيارات المختلفة التي أسهمت فيها مما يدفع إلى التساؤل:
هل حجم الشيعة في مصر بهذا القدر الذي يتطلب مثل هذه الحرب؟
والجواب إن هذه الحرب لم تكن موجهة ضد الشيعة كمذهب أو الشيعة كأفراد بقدر ما كانت موجهة ضد إيران وثورتها فهي حرب سياسية في المقام الأول هدفها القضاء على تأثير الثورة على شعوب المنطقة العربية خاصة مصر و قد اتخذت الشيعة ستارا لها لجذب الإسلاميين إلى صفها. وإذا كنا سوف نعتبر هذه الحرب حريا مذهبية بين السنة الذين يريدون الحافظ على وجودهم وعلى عقيدتهم و بين الشيعة الزاحفين عليهم من إيران كما كان يتصور بعض السذج والجهلاء في الوسط الإسلامي، فيجب أن نعتبر صدام حسين زعيم السنة فهو الذي كان يقود الحرب ضد الشيعة وإيران.

التنظيمات الشيعية

و لم تتوقف الحرب ضد الشيعة في مصر عند هذا الحد بل تجاوزتها إلى ضرب الأنشطة الشيعية والبطش بكل من يمت للشيعة بصلة. و كانت أولى الضربات التي وجهت للأنشطة الشيعية في مصر هر وقف نشاط جماعة التقريب ثم حل جمعية آل البيت بقرار أمني.
ثم تتابعت الضربات فكانت أو لاهما تتمثل في القبض على مجموعة من العناصر الإسلامية وبعض الكتاب وأساتذة الجامعات واتهامهم بتشكيل مجموعة جهادية بتمويل إيراني فيما عرف وقتها بالقضية رقم 401 لعام 87 7.

ثم وجهت ضربة أخرى لعناصر من الشيعة المصريين والعرب المقيمين في مصر فيما عرف بالتنظيم الشيعي الخميني عام 88 8.

و قد أثار ظهور هذا التنظيم ضجة واسعة وقتها على مستوى مصر والعام العربي حيث ضم عناصر من البحرين والكويت والعراق اتهموا جميعا بالانتماء لحزب الله. و لما كانت هذه الدول الثلاث متحالفة ضد إيران فقد أثارها وجود عناصر من شعبها يعمل لحساب إيران وينتمي لحزب الله أداة إيران التي تخشاها.
من هنا سارعت هذه الدول بطلب عناصرها لتحري الأمر وبحث إذا ما كان حزب الله قد تغلغل في بلادهم 9.

لأجل هذا أثار التنظيم الدول العربية ولفت انتباه الرأي العام واستغلته الحكومة المصرية في التقرب لدول الخليج.
و كان هذا التنظيم من جهة أخرى مفاجأة بالنسبة للرأي العام المصري الذي لم يكن يتوقع أن للشيعة وجودا في الساحة الإسلامية بمصر يمكن أن يشكل تحديا أمنيا للحكم.
والطريف في الأمر أن هذا التنظيم المزعوم قد شكل دعاية كبيرة للشيعة في مصر بصورة غير مباشرة ودفع بالرأي العام إلى محاولة التعرف على الشيعة مما أدى إلى زيادة الإقبال على الكتاب الشيعي.
و في المقام التالي وجهت ضربة ثانية للشيعة فيما عرف بالتنظيم الشيعي الخميني أيضا. و يبدو أن الحكومة لم تكتفي بالتنظيم الأول فقررت أن تخترع تنظيما ثانيا يفي بالغرض الذي عجز عن تحقيقه التنظيم الأول عل يما يبدو 10.
إلا أن الرأي العام المصري كان قد استقبل الاعلان عن اكتشاف التنظيم الثاني بفتور شديد و لم يحظ التنظيم المزعوم بتركيز إعلامي كبير مثلما حدث مع سابقه.
والشئ الملفت للنظر في قضية التنظيم الثاني أن نفس التهم التي وجهت للأول هي نفس التهم التي وجهت للثاني حتى أن مانشيتات الصحف كانت متقاربة إلى حد كبير.
ومع بداية عام 90 بدأت الضغوط تتلاشى تدريجيا عن الشيعة حيت تلاشت تماما مع توقف الحرب العراقية الايرانية و كان حملة العداء على الشيعة في مصر كانت موقوتة بالحرب. وهذا لا يعني أن الشيعة أصبحت تيارا مشروعا في مصر فلا تزال هناك محاذير أمنية كثيرة تحوم من حولها و هي نابغة كلها من خلال الموقف من إيران.
وإذا كان الشق السياسي في الحرب التي شئت على الشيعة في مصر قد تنحى جانبا بعد حرب الخليج. إلا الشق المذهبي العقائدي لا زال له وجوده الفعال ودوره البارز في الحرب المقدسة التي يرفع رايتها التيار السلفي الوهابي وهو مستمر في رفعها حتى اليوم. ولن تطوى راية هذه الحرب حتى قيام الساعة 11 12.

  • 1. سوف نعرض للكتب التي أصدرها الشيعة في مصر في ملاحق الكتاب.
  • 2. أنظر لنا الحركة الإسلامية في مصر واقع السبعينات. والحركة الإسلامية في مصر واقع الثمانينات.
  • 3. أنظر كتابنا الحركة الإسلامية واقع الثمانينات فصل الشيعة.
  • 4. أنظر كتابنا عن الحركة الإسلامية. ويذكر أن التصور السلفي الوهابي قد سيطر على التيارات الإسلامية في مصر. و قد أصدرت التيارات السلفية منشورات تحرض المسلمين على الشيعة وتشكك في عقائدهم.
  • 5. جاء سعيد حوى وهو من كبار قيادات الإخوان السوريين إلى مصر بجواز سفر عراقي للقيام بحملة دعائية ضد الشيعة وإيران وأصدر كتابا فيها تحت عنو أن (الفتنة الخمينية).؟
  • 6. أصدر شيخ الأزهر الحالي الكثير من البيانات ضد إيران وكتب كتابا يهاجم الشيعة وإيران بعد أحداث الحرم المكي عام 87. أين هذا من تصريح شيخ الأزهر عام 79 لجريدة ” الشرق الأوسط “: الإمام الخميني أخ في الإسلام ومسلم صادق. إن المسلمين باختلاف مذاهبهم إخوة في الإسلام.والخميني يقف تحت لواء الإسلام كما أقف أنا.
  • 7. تم القبض علينا في هذه القضية و كان فيها الدكتور الدسوقي شتا وبعض عناصر من تيار الطلائع الإسلامية الذي كان قد أسسه في مصر فتحي عبد العزيز الشقاني أحد الرموز البارزة في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين اليوم. ويذكر أنه تم إغلاق سفارة الجمهورية الإسلامية بالقاهرة وترحيل القائم بالأعمال في هذا العام.
  • 8. تصدرت أخبار هذا التنظيم الوهمي الصفحات الأولى للصحف الحكومية و قد اخترعوا له تهمة جديدة هي الأولى من نوعها و هي تهمة الرشوة الدولية وجهت لنا جميعا ولدار البداية التي أسسناها بتمويل إيراني كما زعموا. و قد ضم التنظيم (31) مصريا و (8) عرب. و تم ترحيل العناصر العربية إلى بلادها.
  • 9. اكتشفت هذه الدول فيما بعد أن الأمر لا يخرج عن كونه فرقعة إعلامية افتعلها جهاز الأمن المصري لتحقيق مكاسب سياسة على حساب الشيعة.
  • 10. لم يضم التنظيم الثاني أحدا من عناصر التنظيم الأول حتى تكون المسألة مقنعة للرأي العام. و قد ضم بين صفوفه الدكتور فهمي الشناوي الذي كانت تهمة أنه كان يعالج الإمام الخميني و لم يكن يضم عناصر غير مصرية.و قد أفرج عن المعتقلين فيه بعد بضعة شهور كما كان حال التنظيم الأول.
  • 11. كان لحرب الخليج انعكاسات إيجابية لحركة التشيع في مصر. فهي من جهة لفتت أنظار مثقفي مصر إلى الشيعة بعد سقوط الإسلام السلفي النفطي الذي تعري بعد هذه الحرب. و من جهة أخرى تسببت في هزة عنيفة للتيار السلفي الوهابي بعد تبرير علماء الوهابية جواز الاستعانة بالمشركين. وأهم نتيجة من وراء هذه الحرب كسبتها الشيعة هي تخفيف الضغوط الأمنية عليها
  • 12. الشيعة في مصر للكاتب المصري صالح الورداني.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى