نص الشبهة:
يقال للشيعة: لو كتم الصحابة مسألة النص على علي «رضي الله عنه» لكتموا فضائله ومناقبه فلم ينقلوا منها شيئاً، وهذا خلاف الواقع، فعلم أنه لو كان شيء من ذلك لنُقل؛ لأن النص على الخلافة واقعة عظيمة، والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جداً، فلو حصلت هذه الشهرة لعلمها المخالف والموافق.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
إننا مع ملاحظة ما ذكرناه آنفاً نضيف ما يلي :
أولاً : إن النص على إمامته « عليه السلام » قد ظهر واشتهر ، لا سيما مع ما جرى في يوم الغدير من أخذ البيعة له من جموع تجاوز عددها مئة وعشرين ألفاً . .
ثانياً : إنه بعد حدوث الإنقلاب ، وما رافقه من أحداث صعبة ، لم يعد يمكن للصحابة التجاهر بذكر تلك النصوص ، لأن ما عاينوه من تلك الأحداث التي لم توفر حتى بضعة رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، التي يرضى الله لرضاها أفهمهم : أن دخولهم في هذا الأمر سيرتب عليهم دفع أثمان باهظة حتى على مستوى سلامتهم الشخصية ، فضلاً عن مصالحهم الأخرى ، لوجود قرار حاسم بالمنع من ذكرها ، والحرص على إخفائها لأسباب مختلفة . . وذلك من قِبل الجماعات القرشية ذات النفوذ القوي ، التي وترها علي « عليه السلام » في حروب بدر وأحد ، وحنين وسواها . ومن قِبَل القبائل والجماعات التي تسعى لتقوية السلطة ، ولا يمكن أن تسمح بتضعيفها بإشاعة هذه النصوص ، وتداول هذه الأحداث . .
وهناك أيضاً المنتفعون ، والمتزلفون ، وهناك الحاسدون والمبغضون له لأسباب مختلفة . .
وسائر الناس ، يحبون السلامة ، ولا يتجرؤن على فعل ما قد يسبب لهم مشاكل ومتاعب ، ولا سيما إذا شعروا أن رغبة الحاكم هي في عدم الدخول في هذا الأمر . .
ولكن بالرغم من كل ذلك ، فإنه لم يمنع من تسرّب أخبار يوم الغدير ، ولا حجب الكثير من النصوص على إمامته « عليه السلام » والكثير الكثير من فضائله وكراماته من قبل المخلصين . .
ويكفي أن نذكر : أن حديث الغدير قد بلغنا عن مئة وعشرين صحابي ، وأربعة وثمانين تابعي ، وثلاث مئة وستين من علماء أهل السنة (أحصاهم العلامة الأميني « رحمه الله » معتمداً في ذلك على مصادر أهل السنة بالذات) 1 .
بل إن هذه النصوص ، وكذلك روايات الفضائل والكرامات قد رواها حتى المخالفون له والمنحرفون عنه « عليه السلام » ، كما يعلم بالمراجعة إلى المصادر ، مع الاطلاع على سيرة أولئك الناقلين ، وما يدل على مواقفهم منه « عليه السلام » .
بل لقد رأينا الحكام أنفسهم يصرحون أحياناً بفضائله وكراماته ، وبالنصوص عليه ، حين يأمنون غائلة تلك التصريحات ، أو لغير ذلك من أسباب .
وقد بلغ الأمر حداً جعل أحمد بن حنبل يعترف : بأنه ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب 2 .
وقال الشافعي : ما أقول في رجل كتم أعداؤه فضائله حسداً ، وكتمها محبوه خوفاً ، وخرج ما بين ذين وذين ما طبق الخافقين 3 .
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي
« فأما فضائله « عليه السلام » ، فإنها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معه التعرض لذكرها ، والتصدي لتفصيلها ، فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد : رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك ، كالمخبر عن ضوء النهار الباهر ، والقمر الزاهر ، الذي لا يخفى على الناظر ، فأيقنت أنى حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز ، مقصر عن الغاية ، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك ، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك .
وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، ولا كتمان فضائله ، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيله في إطفاء نوره ، والتحريض عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكراً ، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعه وسموا . . » 4 .
وأخيراً . . فإن الفطن يدرك أن السائل يريد أن يتذاكى على الشيعة بأن يسوقهم بطريقة إيحائية إلى الاعتراف الضمني بأنه لا يوجد نص على أمير المؤمنين « عليه السلام » ، وإيهام السامعين والقراء بأمر مكذوب جملة وتفصيلاً .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 5 .
- 1. الغدير للعلامة الأميني ، المجلد الأول كله .
- 2. المستدرك للحاكم ج 3 ص 107 والرياض النضرة ج 3 ص 165 وينابيع المودة ج 1 ص 8 و 9 وج 2 ص 385 وتاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 418 والمناقب للخوارزمي ص 34 ومطالب السؤول ص 172 والأربعون حديثاً لابن بابويه ص 88 والطرائف لابن طاووس ص 136 وكشف الغمة ج 1 ص 166 وبحار الأنوار ج 40 ص 124 والمراجعات ص 254 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص 134 عن فرائد السمطين ج 1 ص 79 وراجع : شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج 5 ص 122 عن الحاكم ، وج 5 ص 123 عن المناقب للخوارزمي ، وج 15 ص 695 عن ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (ط بيروت) ج 3 ص 63 ، وج 15 ص 697 عن المستدرك ، وج 21 ص 505 وج 30 ص 42 عن الآلاني الكردي في « رفع الخفا شرح ذات الشفا » (ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية) ج 2 ص 274 ، وج 31 ص 554 عن الجزري في « أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب » (ط بيروت) ص 19 ، وج 31 ص 573 عن الشيخ حسام الدين الحنفي في « آل محمد » (نسخة مكتبة السيد الأشكوري) ص 46 ، وج 31 ص 580 عن الإستيعاب .
- 3. الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبرئيل القمي ص 19 وحلية الأبرار ج 2 ص 136 والأنوار البهية ص 71 ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص 171 وغاية المرام ج 5 ص 145 والكنى والألقاب ج 2 ص 349 .
- 4. شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 1 ص 16 و 17 .
- 5. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، السؤال رقم (170) .