نص الشبهة:
لقد وجدنا أن جل بلاد الإسلام بلغهم العلم عن رسول الله (ص) من غير طريق علي «رضي الله عنه»، وعامة من بلغ عنه (ص) من غير أهل بيته ! فقد بعث رسول الله (ص) أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ، ويعلم الأنصار القرآن ، ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة . فأين دعوى الشيعة أنه لا يبلغ عنه (ص) إلا علي أو رجل من أهل بيته ؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
أولاً : إن تبليغ الأحكام الشرعية ، وتعليم الناس ، واجب على كل مسلم . ويمكن أن ينتدب رسول الله « صلى الله عليه وآله » بعض الناس لهذا الأمر ، كما أن من الممكن أن يرسل « صلى الله عليه وآله » من شاء من أصحابه لإبلاغ ما شاء من قرارات ، وتدبيرات لمن شاء من الناس . .
ولكن ما جرى في قصة براءة يختلف عن كل ما عداه ، لأن المورد الذي كان يتعامل النبي « صلى الله عليه وآله » معه هو مورد إبرام العهود ، والتعامل مع ناقضيها ، وعقابهم ، وإعلان الحرب على من يصر على انتهاك حرمة المسجد الحرام ، وإبطال سنن الجاهلية ، وإعطاء المهلة للمشركين . . وهذا من صلاحيات النبي والإمام من بعده ، والمشركون كانوا يأملون بنقض عرى هذا الدين ، ولو بعد وفاة رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
والمطلوب هو أن ييأس المشركون من الحصول على أي امتياز من الإمام والخليفة بعد الرسول ، فإذا رأوا أن من لم يزل النبي « صلى الله عليه وآله » يؤكد على إمامته هو الذي يبلغهم هذه القرارات الحاسمة ، انقطع أملهم . لا سيما وأن الذي أبلغهم ذلك هو من قصم ظهر الشرك ، وأبطل كيدهم ، وهذا من صلاحيات النبي « صلى الله عليه وآله » ، والإمام من بعده . . وأين هذا من بعث الرسل في الحاجات المختلفة ؟! والبلاغات العادية . .
ثانياً : يقول السائل : إن الشيعة يدعون أنه لا يبلِّغ عنه « صلى الله عليه وآله » إلا هو « صلى الله عليه وآله » أو رجل من أهل بيته . .
وفي هذا ملاحظتان :
إحداهما : أن الشيعة لا يدعون ذلك ، بل هذا ما قاله المسلمون ، نقلاً عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » بصورة لا تقبل الشك ، ولا الشبهة . فهو « صلى الله عليه وآله » الذي أرجع أبا بكر من طريق مكة ، وقال : أن جبرئيل أبلغه عن الله تعالى : أن يا محمد ، لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك 1 . أو قال : « لا يؤدي عني إلا أنا أو علي » 2 .
أو قال : « لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي (أو مني) » 3 . أو نحو ذلك .
الثانية : إن المقصود هو إبلاغ الأمور التي لها مساس بأمر الإمامة من بعده « صلى الله عليه وآله » ، بحيث لو أن الإمام من بعده لم يتول هذا الإبلاغ لاختلت الأمور كما أوضحناه آنفاً .
ثالثاً : هناك إشكالات عديدة في صحة الأمثلة التي ذكرها السائل يمكن للقارئ أن يلتفت إليها بمراجعة ما ذكرناه في مواردها ومواضعها من السيرة النبوية الشريفة في كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم « صلى الله عليه وآله » . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 4 .
- 1. المستدرك للحاكم ج3 ص51 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص50 وشواهد التنزيل ج1 ص318 وذخائر العقبى ص69 ومسند أحمد ج1 ص151 ومجمع الزوائد ج7 ص29 وتحفة الأحوذي ج8 ص386 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص50 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج2 ص422 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص346 والدر المنثور ج3 ص209 و 210 وفتح القدير ج2 ص334 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص348 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص76 والبداية والنهاية ج5 ص46 وج7 ص394 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص97 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص252 وينابيع المودة لذوي القربى ج2 ص161 وأبو هريرة للسيد شرف الدين ص124 والخصال ج2 ص369 وبحار الأنوار ج35 ص286 وج38 ص171 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص128 وشرح الأخبار ج1 ص304 والإختصاص للمفيد ص168 وإقبال الأعمال ج2 ص37 وحلية الأبرار ج2 ص365 ونور الثقلين ج2 ص178 .
- 2. جامع البيان ج10 ص64 و (ط دار الفكر) ج10 ص84 وشواهد التنزيل ج1 ص317 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص90 وراجـع : السنن الكـبرى للنسائي ج5 ص128 و 129 وكشف الخفاء ج1 ص205 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص345 و 346 وتحفة الأحوذي ج10 ص152 وأنساب الأشراف ص107 .
- 3. راجع : الغدير ج6 ص345 وشواهد التنزيل ج1 ص308 و 315 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص347 وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص453 وتفسير البحر المحيط ج1 ص672 وراجع : فتح الباري ج8 ص66 وعمدة القاري ج18 ص17 وراجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص288 وج16 ص291 وج17 ص195 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص92 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص49 وتفسير النسفي ج2 ص77 والتفسير الكبير للرازي ج15 ص218 وتفسير البيضاوي ج3 ص128 والدر المنثور ج3 ص209 وتفسير أبي السعود ج4 ص41 .
- 4. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، السؤال رقم (160) .