مقالات

التقريب في مصر…

بدأت دعوة التقريب في مصر عام 1946 و قد دعمتها جماعة الإخوان في ذلك الوقت بقيادة حسن البنا وتبناها الكثير من رجال الأزهر الذين ارتبطوا بعلاقات حميمة مع كثير من علماء الشيعة طوال تلك الفترة وحتى أواخرا السبعيات و من علماء الأزهر ورجاله البارزين الذين ارتبطوا بتلك الدعوة الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ الشرباصي والشيخ الفحام والشيخ محمد المدني الذي تولى منصب السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
و من علماء الشيعة الذين ساهموا في هذه الجماعة وارتبطوا بعلاقات مع رجال الأزهر والدعاة البارزين في حقل الدعوة بمصر الشيخ محمد تقي القمي صاحب الدعوة وراعيها في مصر وهو من إيران. والشيخ محمد جواد مغنية إلمام القضاء الشرعي الجعفري في لبنان والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء من علماء العراق والسيد مرتضى الرضوي الذي التقى بمعظم رجالات الفكر في القاهرة والسيد طالب الحسيني الرفاعي مؤسس جميعة آل البيت في مصر وهو من علماء العراق 1.
و لم يكن من هدف هذه الدعوة أن يترك السني مذهبه أو يترك الشيعي مذهبه، كما يعبر الشيخ المدني، و أنما كانت تهدف إلى أن يتحد الجميع حول الأصول المتفق عليها ويعذر بعضهم بعضا فيما وراء ذلك مما ليس شرطا من شروط الأيمان و لا ركنا من أركان الإسلام و لا إنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة 2.

بين الانصار والخصوم

و قد كان لجماعة التقريب في بداية معارضون ينابذونها العداء ويثيرون من حولها الشبهات. يقول الشيخ محمود شلتوت: كان الجو السائد عند بدء الدعوة مليئا بالطعون والتهم مشحونا بالافتراءات وأسباب القطيعة وسوء الظن من كل فريق بالآخر حتى عد تكوين الجماعة بأعضائها من المذاهب المختلفة. السنية الأربعة. و الإمامية والزيدية. نصرا مبينا أهاج نفوس الحاقدين. وهوجمت الدعوة لا من فريق واحد بل من المتعصبين أو المتزمتين من كلا الفريقين. السني الذي يرى أن التقريب يريد أن يجعل من السنيين شيعة. والشيعي الذي يرى إننا نريد أن المذاهب. أو إدماج بعضها في بعض. حارب هذه الدعوة ضيقو الأفق. كما حاربها صنف آخر من ذوي الأغراض الخاصة السيئة و لا تخلو أي أمة من هذا الصنف من الناس. حاربها الذين لا يجدون في التفرق ضمانا لبقائهم وعيشهم.
وحاربها ذوو النفوس المريضة وأصحاب الأهواء والنزعات الخاصة. هؤلاء وأولئك ممن يؤجرون أقلامهم لسياسات مفرقة لها أساليبها المباشرة و غير المباشرة في مقاومة أية حركة إصلاحية. والوقوف في سبيل كل عمل يضم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم 3.

و يقول الشيخ القمي وهو يضرب مثلا عن أن الثقافة الإسلامية هي سبيل وحدة المسلمين: وهكذا تحولت الثقافة الإسلامية من عامة جامعة إلى مذهبية ضيقة.
و من قومية شائعة إلى طائفية محدودة. وعكف كل عالم على مراجع مذهبه وأغضى عما في المذاهب الأخرى. وتعصب لما درس. واستراب في كل ما جهل.
وتأثرت كل طائفة بعلمائها و تمسكت بنهجهم ونفرت من كل من يخالفهم في الرأي. ذهبت إلى الشك في عقائد الطوائف الأخرى. و في رأيي أن ثقافة إسلامية موحدة إذا التف حولها المسلمون كفيلة بتوحيد صفوفهم و لا يخفي ما تؤدي إليه الوحدة من عز ومجد وسؤدد. و ما دامت هذه الثقافة موجودة فإن من الميسور بلوغ هذه الهدف وهو ما نعمل له ونسعى إلى تحقيقه 3.

و يقول الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء معرفا بجماعة التقريب: جماعة التقريب ترديدان تقرب بين الطوائف الإسلامية وتبعثهم وتحثهم على الأخوة والوحدة التي أمرهم بها الله في كتابه العزيز ولكن يلزمهم ويلزمنا تمهيدا لهذه الغاية الشريفة أن ينصحوا لإخو أنهم من الكتاب وحملة الأقلام ألا يتحرشوا ويطعنوا بإخو أنهم الإمامية. فما يكاد يأتي عام إلا ونسمع أو نرى كتابا أو رسالة ترمي الشيعة بالفظائع وتهجم عليهم بالمطاعن. وبحكم الضرورة يلتجئ هؤلاء إلى الدفاع عن أنفسهم فتثور الأحقاد وتستمر الحفائظ وتكون أكبر خدمة للأعداء والمستعمرين. كما أن اللازم على كل فرقة من المسلمين من الشيعة و غيرهم أن يوصدوا باب المجادلات المذهبية و ما يثير الحفائظ والعصبية فإنها إن لم تكن محرمة بنفسها ومضرة بذاتها فهي من أعظم المحرمات في هذه الظروف التي أحاط بنا فيها الأعداء. أعداء الإسلام من كل جانب ومكان حتى من المسلمين ومدعي الإسلام العدو الداخلي الذي ضرره أعظم من العدو الخارجي فهل في هذه كفاية وبلاغ أيها المسلمون. (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني وسبحان الله و ما أنا من المشركين) 3.

و قد استمرت جماعة التقريب تعمل في مصر حتى أواخر السبعينات تمكنت من خلال هذه الفترة من استقطاب الكثير من الرموز الإسلامية البارزة فيها وعلى رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي.
و كانت فترة السبعينات فترة ساخنة فكريا و لم تكن الساحة متسامحة فكريا وعقائديا في مواجهة أية دعوة تتصل من بعيد أو قريب بالشيعة. إذ كانت قد برزت على الساحة التيارات الإسلامية المتشددة و في مقدمتها التيار السلفي وتيار التكفير وبرز الدور السعودي الوهابي الذي تمكن من اختراق هذه التيارات ودفع بها إلى تحريض العلماء وإصدار البيانات التي تندد بجماعة التقريب وتشكك في الشيخ القمي.

الحرب النفطية

و من هذه الحرب التي شنت على جماعة التقريب تلك الحرب التي تزعمتها مجلة الاعتصام التي تسير في الخط السعودي الوهابي و التي نشرت رسالة من مفتي مصر السابق محمد حسنين مخلوف إلى الشيخ الشعراوي الذي كان وزيرا للأوقاف حينئذ ينصحه فيها بالخروج عن جماعة التقريب ووقف حواره مع الشيعة 4.

وعندما قامت الثورة الإسلامية في إيران توقف نشاط الجماعة وتوقفت مجلة ” رسالة الإسلام ” التي كانت تصدرها الجماعة و التي كانت تضم الكثير من المقالات لعلماء من السنة و الشيعة. كما توقفت جميعة آل البيت وسائر الأنشطة الشيعية الأخرى في مصر.
والغريب أن الأزهر الذي كان متحالفا مع دعوة التقريب ومتعاطفا مع الشيعة انقلب فجأة على الشيعة وإيران بعد قيام الثورة سيرا مع سياسة الحكومة المعادية لإيران و لا يزال الأزهر على موقفه هذا حتى اليوم حيث يطارد الكتاب الشيعي في مصر بدعوى أن الشيعة وراء التطرف السائد فيها 5.

إن الطابور الضخم من فقهاء النفط أسهم بدور كبير في القضاء على جماعة التقريب في مصر أكثر من إسهام الحكومة ذاتها. فهؤلاء الفقهاء كانوا يتحركون من منظور جذاب وهو منظور العقيدة والحفاظ عليها من العد الشيعي. أما الحكومة فكانت تتحرك من منظور أمني بحت 6.

وعلى الرغم من هذا الحصار الأمني والفكري الذي طوق الواقع الإسلامي بمصر بعد قيام الثورة الإسلامية و أندلاع الحرب العراقية الايرانية كانت لا تزال هناك أصوات تنادي بالتقريب وتحاول إنصاف الشيعة من العلماء والدعاة. و في مقدمة هؤلاء الشيخ محمد الغزالي الذي يقول: نعم أنا كنت من المعنيين بالتقريب بين المذاهب الإسلامية و كان لي عمل دؤوب ومتصل في دار التقريب في القاهرة وصادقت الشيخ محمد تقي القمي كما صادقت الشيخ محمد جواد مغنية ولي أصدقاء من العلماء والأكابر من علماء الشيعة. و أنا أريد فعلا أن نذهب الجفوة أو الشقاق المر الذي شاع بين المسلمين خصوصا في أيام اضمحلالهم الفعلي 7.

والأستاذة الداعية السيدة زينب الغزالي أجابت حين سئلت عن رأيها في مشكلة التفريق بين المذاهب الإسلامية. قائلة: فلا شك أن هذه مؤامرة صهيونية إنني أرى أن الشيعة الجعفرية والزيدية مذاهب إسلامية مثل المذاهب الأربعة لدى السنة وعلى عقلاء السنة و الشيعة وعلى قيادات السنة و الشيعة أن يجتمعوا في صعيد واحد و أن يتفاهموا و أن يتعارفوا على ربط المذاهب الأربعة والمذهب الشيعي بعضها ببعض وكذلك مذهب الظاهرية لابن حزم وأدعوا إلى اجتماع علماء الإسلام من كل المذاهب للتصدي لتلك المؤامرة الصهيونية. ولي أنا شخصيا تجربة في هذه المسألة فقبل عام 1952 كان هناك جماعة التقريب بين المذاهب و التي كان يشرف عليها الشيخ محمود شلتوت والشيخ القمي و قد شاركت في عمل هذه الجماعة وبمباركة الإمام حسن البنا الذي كان يري أن المسلمين سنة وشيعة أمة واحدة و أن الخلاف المذهبي لا يفرق وحدة الأمة. و كان الإخوان المسلمون متعاونين مع هذه الجماعة على أساس أن الإسلام يد واحدة. إله واحد. كتاب واحد، رسول واحد، حلال واحد، حزام واحد، نظام سياسي واحد، اقتصاد واحد، نظام اجتماعي واحد، دولة واحدة، من أجل تطهير العالم من الظلم والزور والخديعة التي تمارسها القوتان الكبريان ويجب أن يكون الشيعة والسنة على قلب واحد 8.

والدكتور علي عبد الواحد وافي عميد كلية التربية جامعة الأزهر الذي يقول في كتابه: بين الشيعة وأهل السنة: و أنما الغرض من تأليف هذا الكتاب – التقريب بين طوائف أهل السنة وطوائف الشيعة الجعفرية وبيان أن الخلاف بينهما خلاف اجتهادي يسمح به الإسلام بل يرحب به و لا يصح أن يدعوا إلى قطيعة و لا إلى تتافر 9.

و كانت هناك لقاءات بين زعيم الإخوان حسن البنا و بين علماء ومراجع الشيعة البارزين في فترة الأربعينات و كان الهدف من هذه اللقاءات هو توحيد المسلمين في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. و من أشهر هذه اللقاءات اللقاء الذي تم بينه و بين آية الله الكاشاني في موسم الحج 10.

و يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الراحل: إن الأزهر لا يحمل إلى إخو أننا الإمامية وإلى إخو أننا الزيدية إلا كل ود ونحن الآن في دور ندعو فيه إلى الوحدة والأخوة 11.

و يقول الشيخ الفحام شيخ الأزهر الراحل: المعروف أن المسلم هو كل من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله و لا يخرجه من إسلامه تمسكه بمذهب من المذاهب و قد استفدت أو أفدت من زياراتي لكل البلاد الإسلامية استعداد الجميع لهذا التقارب 12.

و يقول الشيخ الباقوري: الخلاف بين السنيين والشيعيين خلاف يقوم أكثره على غير علم حيث لم يتح لجمهور الفريقين اطلاع كل فريق على ما عند الفريق الآخر من آراء وحجج. وإذاعة فقه الشيعة بين جمهور السنيين وإذاعة فقه السنيين بين جمهور الشيعة من أقوى الأسباب وأكدها لا زالة الخلاف بينهما. فإن كان ثمة خلاف فإنه يقوم بعد هذا على رأي له احترامه وقيمته 13.

و يقول الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف المدرس بالأزهر: الفقه الإسلامي لكل المكلفين شريعة واحدة يتعبد بها أهل الأمصار على اختلاف الأنظار فيا حبذا لو تبادل الشيعة وأهل السنة ما عندهم من العلم حتى إذا امتزج البحران ظهر منهما اللؤلؤ والمرجان 14.

و يقول الشيخ عبد الرحمن النجار: لا يمكن أن يغفل رأي الشيعة لأنهم يمثلون نصف المسلمين في العالم فليس من المعقول أن يهمل اجتهادهم أو يتخذ منهم موقف الرفض والعداء في الوقت الذي ننادي فيه بتجميع كلمة المسلمين. و الشيعة لهم اجتهادات طيبة في الفقه، و لا أدري لماذا يتغافل المسلمون السنيون عنها أو يهملونها. مع أن الكثير منها يحقق التفاعل مع المجتمع في عصرنا الحديث 15 16.
 

  • 1. جميع هؤلاء العلماء كانت لهم رحلات متكررة لمصر و أنشطة دعوية فيها وسوف نتحدث عن جميعة آل البيت والدور الذي لعبته في فترة السبعينات في الفصل القادم.
  • 2. دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام. من منشورات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 1966.
  • 3. a. b. c. المرجع السابق.
  • 4. نشرت هذه الرسالة في العدد التاسع لعام 1977. و قد هاجم فيها المفتي الشيعة وطعن في عقيدتها وشكك في دور الشيخ القمي الذي و كان قد استقبله الشيخ الشعراوي ودار بينهما حوار التقريب نشرته الصحف آنذاك والجدير بالذكر أن الشيخ الشعراوي استقبل الرسالة بعدم الارتياح. انظر نص رسالة المفتي بملاحق الكتاب.
  • 5. يصادر الأزهر الكثير من كتب الشيعة في معرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام. وهناك الكثير من الكتب الشيعية وضعها على القائمة السوداء منها على سبيل المثال كتاب الشيعة والحاكمون للشيخ محمد جواد مغنية وكتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين. والبيان في تفسير القرآن للخوئي. وتفسير الميزان للطباطبائي. ونظام وحقوق المرأة في الإسلام للشهيد مطهري. بالإضافة إلى كتب الإمام الخميني.
  • 6. أنظر لنا فقهاء النفط.
  • 7. مجلة الطليعة الإسلامية عدد 26 / 3 / 85.
  • 8. مجلة العالم الصادرة في لندن العدد رقم 58. مارس 85.
  • 9. كتاب بين الشيعة وأهل السنة من الكتب التي صدرت في فترة الثمانينات و هي فترة الغارة على الشيعة وإيران في مصر.
  • 10. يبدوا أن هذه اللقاءات كانت عن الدوافع التي أدت إلى التعجيل باغتيال البنا. إذ أن مسألة وحدة المسلمين كانت مسألة مقلقة بالنسبة للقوى المستعمرة للعالم الإسلامي آنذك.
  • 11. في سبيل الوحدة الإسلامية مرتضى الرضوي. ط. طهران.
  • 12. المرجع السابق. ويذكر أن شيخ الأزهر قام بزيارة إيران على رأس وفد إسلامي واستقبله كبار رجال الدولة هناك و قد عقد عدة ندوات ولقاءات مع علماء الشيعة ومختلف الطوائف هناك. وذلك بتاريخ 9 / 7 / 71.
  • 13. مقدمة كتاب المختصر النافع في فقه الإمامية. ط. القاهرة.
  • 14. في سبيل الوحدة الإسلامية.
  • 15. المرجع السابق. هذا هو موقف الأزهر قبل قيام الثورة الإسلامية ودخول الحركة الإسلامية المرحلة النفطية. وتأمل موقفه الآن في الحقيقة النفطية وتأمل موقف التيارات الإسلامية أيضا التي ابتلعها الأخطبوط النفطي و التي دفعت إلى مناصبة الشيعة وإيران العداء. والظريف أن التيارات الإسلامية تناصب الأزهر العداء أيضا و لا تعترف بتصريحاته وفتاواه.
  • 16. الشيعة في مصر للكاتب المصري صالح الورداني .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى